الحركات الثورية وفشلها في حرق المراحل… بعض الأحزاب الكردية نموذجا

 دلكش مرعي

لقد حاولت بعض الأحزاب الكردية والعديد من الحركات التي كانت تسمي نفسها بالثورية كالبعث وغيره من الحركات الماركسية أو اليسارية العمل على فلسفة – حرق المراحل التاريخية – من خلال تبني أفكار وصيغ ونظريات فلسفية مستوردة والعمل على إقحامها بشكل تعسفي على حامل اجتماعي مترهل وموبوء وملوث بشتى قيم التخلف الفكري والقيمي .. فهؤلاء كانوا يعتقدون بأنهم سيتمكنون من حرق هذه المراحل والقفز فوقها عبر شعارات ثورجية براقة وفاقعة تتجاوز الحالة الواقعية السائدة في هذه المجتمعات وسيخلقون عبر هذا التوجه حالة حضارية متطورة وحداثة معرفية عبر خلطة ثقافية غير متجانسة ومتناقضة .

فقد أتحذو من ميراث الغزو والجهل والاستبداد كأساس ومنطلق فكري – وغلفوا هذا الميراث المترهل والضحل بفلسفة عقائدية شمولية مع صبغة باهتة من المعارف المعاصرة  كعباءة تحجب عوراتهم المترهلة  – فهؤلاء الثورجية وبسبب جهلهم لأسباب التخلف الاجتماعي والبنية الثقافية المنتجة لها كانوا يتعاملون مع  البشر وكأنهم من مادة طبيعية جامدة يمكن قولبة عناصرها بمادة كيمائية مستوردة لتأخذ شكلا جديداً وبخاصية مغايرة وراقية ومستحدثة في تركيبتها … فحسب زعمهم واعتقادهم بأنهم قادرين على تطوير ونقل المجتمع الشبه العشائري المتخلف عبر شعاراتهم النظرية الفضفاضة إلى نقلة نوعية متطورة وراقية يصل إلى مصافي الدول المتقدمة والمتطورة وفي فترة زمنية قصيرة وقياسية أي تحويل – ح – الأمي إلى ماموستى – ح – وم – المتخلف إلى الدكتور – م – وبأنهم سيحققون ذلك من خلال كتابة مقال في منشور حزبي أو محاضرة نظرية أو دورة لتعليم اللغة الكردية أو دورة ثقافية للحفظ والبصم …
فنحن نعتقد بأنه من شبه المستحيل اختراق البنية التقليدية المأزومة للعقل الكردي عبر إطلاق شعارات ثورجية براقة وفاقعة تتجاوز الحالة الواقعية لهذا العقل بقرون .. فلولا وجود خلل كبير ومأزوم أصلاً في المناهل الثقافية والقيمية في أساسيات هذا العقل وأصول تركيبته البنيوية لما ظل الشعب الكردي تحت هيمنة واحتلال الآخرين  آلاف السنين … فالحضارة المعاصرة لم تنطلق لدى بعض الشعوب وترتقي وتنجز انجازات علمية عاصفة  إلا بعد أن تمكنت من أن تتحرر شعوبها من القيم والثقافات المتخلفة  .
فالثورة الحقيقية بمضمونها الواسع والعلمي تكمن في القضاء التام على الثقافات المنتجة للتخلف والاستبداد والظلم والطغيان .. ولكن من المؤسف القول بأن الأحزاب الكردية في غربي كردستان التي مضى على تأسيسها أكثر من نصف قرن لم تتبع نهجاً معرفياً يهدف إلى التحرر والانعتاق من جملة الثقافات الموبوءة التي جعلهم تحت هيمنة واحتلال الآخرين قرونا من الزمن . ولم تستثمر حتى ما هو أصيل وكائن في القيم الكردية المتداولة . فلو استثمرت هذه الأمور بنهج معرفي لكان الحركة السياسية والثقافية في غربي كردستان في هذه المرحلة الحساسة والمصيرية أكثر التأما وتوحداً وتأهلاً لخدمة الشعب الكردي ..
فهذا الشعب بالرغم من تعرضه للظلم والعدوان والويلات والثقافات الهدامة من قبل محتلي كردستان بقي محافظا على بعض من قيمه وخصوصياته النبيلة فهو شعب مسالم وأصيل يكره العنف والتطرف وسفك الدماء ومحب للعمل . وقد كان بالإمكان استثمار جملة هذه القيم وخاصة  الأصالة الكردية وتطويرها وجعلها قيمة معنوية يعبر عن كيان الشخص واحترامه داخل المجتمع .. فالأصيل في العرف الكردي هو ذلك الشخص النزيه والشريف الصادق الذي لا يخون ويخدم شعبه ويحترم ذاته وذات الآخرين وينال ثقة الناس ومحبتهم ….
كلمة أخيرة في نهاية هذه الأسطر نقول بأن على الشعب الكردي بقواها السياسية والثقافية والشعبية المختلفة عليها أن تتوحد على مختلف الصعد لانتزاع حقوق هذا الشعب واستغلال هذه الفرصة التاريخية عبر إنشاء قوة عسكرية موحدة وقوية تشمل الجميع والابتعاد عن التخندق داخل الأحلاف الطائفية المتصارعة والاعتماد على مساعدة الشعب الكردي في جنوب وشمال كردستان عوضاً عن هذه الأحلاف .
ودون تحقيق هذه التوجه لن يفيد هذا الشعب لا جنيف -2 – ولا -3 –  ولا -4 –

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…