ثورات لم تكتمل أبعادها

  نسرين محمود

لم يكن عادياً ما جرى في عام 2010من أحداث ووقائع طرأت على العالم العربي , الذي بات يعرف بالربيع العربي – أو ربيع شعوب المظلومين – حيث أن تلك الأحداث قد غيرت الكثير من معطيات المشهد السياسي والسلطة, وغيرت من توازنات القوى في العالم العربي ,حيث أدت تلك المستجدات إلى سقوط أنظمة, وصعود نخب لأنظمة أخرى, غير أنه لم يكن هذا التغير هو الوحيد في المشهد بل كانت لها نتائج أخرى, فلقد ترافقت معها أشكال وحالات أخرى من الفوضى والحروب الداخلية , والتشتت , والانهيار الاقتصادي لعدة دول عربية ناهيك عن تفشي ظاهرة الإرهاب من جديد وبقوة في البعض الأخر, والتي أصبحت تلك الدول مسرحا دامياً للصراعات كنتيجة لفشل عملية التغيير بالوسائل السلمية, والتي أصبحت فيما بعد بؤرة للتدخلات الخارجية وأرضية خصبة لتصفية الحسابات والتفاوض فيما بينها كلٌ على هوى مصلحته .
والتي دخلت بدورها على خط الحراك الثوري فغيرت وجهته وحولتها إلى اتجاهات غير متوقعة ,وأدخلت البلاد الى النفق المظلم ,لذلك فكان لا بد من التنويه الى أن الحكم على عملية التغيير لا زال مبكراً جداً ,حيث أن نتائج هذه الثورة لا زالت ممتدة, والأحداث لا تزال ساخنة ,وأيضاً ملامح السلطة البديلة لم تتوضح ملامحها بعد، حيث أنه في الأشهر الأولى من الربيع العربي كان المهرجان والإحتفال الخطابي مبرراً نظراً لسقوط نظاما بن علي ومبارك في وقت قصير ودون زهق للأرواح بأعداد كبيرة مقارنةً مع الثورة الليبية والسورية .
ومن مبررات عدم الحكم على نتائج هذه الثورات قبل الإستقرار هو أنه باتت الثورة تنساب من بين أصابع صانعيها وأن الثمن أصبح باهظاً جداً، حتى وإن وصلت الثورة الى صناديق الاقتراع فإنها ستنتج حقائق سياسية أخرى غير تلك التي كانت تطمح لها الحراك الثوري .
إلا أنه لا بد من ذكر حقائق أسفرت عنها بما يسمى بالربيع العربي ألا وهي ترسيخ مفهوم الثورة التي تعني التغيير الجذري لنظام اجتماعي واقتصادي وليس لنظام سياسي فحسب ،حيث لا بد من الإشارة هنا بأنه لا يكفي إسقاط نظام سياسي بوسائل انتفاضية وإحلال نظام سياسي أخر (حتى ولو كانت عن طريق صناديق الإقتراع والأساليب الديمقراطية ) أن نطلق عليها أسم الثورة إذ أنه لابد من هدم نظام اجتماعي وبناء نظام جديد ولن تكون ثورة إلا إذا انتقل فيها المجتمع إلى نظام سياسي واجتماعي واقتصادي أكثر تقدماً من سابقه .

فمن خلال كل هذه المعطيات الموجودة الان على أرض الواقع لعدد من البلدان العربية يمكن الإستنتاج بأن : ملامح الثورة ليست جلية ولا نعلم إن كانت تحمل بين طياتها أي مشروع نظام اجتماعي واقتصادي جديد ,أو أنها مجرد تغير حاكم بأخر يعيد هو بدوره انتاج ذات النظام الإجمتاعي السابق .أسئلة ستبقى مطروحة إلى حين إجلاء الملامح البارزة للثورة التي لم تكتمل بعد .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…