خالِف تُعرف

م. حج كبه

يبدو أن المثل المحتل مكان العنوان رغماً، راق ويروق كثيراً مريدي القاطن في تلك الجزيرة المحروسة بالعناية الكمالية، لذا هم يطبقون مضمونه بحذافيره منذ بداية الثورة السورية وحتى هذه اللحظة التي يترقب فيها العالم كله ما سيؤول إليه جنيف، فبما أن الأنظار كلها متجهة الآن صوب جنيف، أعلن الأوجلانيون عن حكومتهم الوليدة من رحم أفكار أقطاب السلطة الحاكمة، وراحوا يبشرون الناس في الميادين هناك بتشكيل إدارتهم المزعومة وتوزيع مناصبها أيضاً على من ينوي السير في ركاب تصرفاتهم الدونكيشوتية، وربما سيستمرون في ذلك الاتجاه إلى قادم غير منظور ولكنه مقروء من خلال غابرٍ وحاضرٍ، لأن خطواتهم المماثلة كانت قد بدأت منذ وقت نصبهم للحواجز التي كانت تثير الهزء لدى كل من قطع شوط النضوج السياسي ولو لم ينخرط يوماً في العزف مع أية جوقةٍ سياسية،
 وذلك من خلال انتشارها الفطري بمناسبة وبدونها، إلى اختلاقهم الدائم للصدامات والمعارك الوهمية تارةً والحقيقية تارةً أخرى مع جهاتٍ واقعية أو مفترضة لكي تضاف نتائجها إلى رصيدهم السياسي والجماهيري، فحالهم كحال من ينشغل ليل نهار بقضية الكلأ وهو لم يشتري بعد القطيع من أساسه، عدا إعلام الناس بنيته في العمل راعياً  في يومٍ من الأيام،  أما عن تسمياتهم للجمعات منذ بداية الحراك الثوري فهي كانت بخلاف كل جُمعات الشعب السوري، وشعاراتهم لم تتحرر بعدُ من كلاليب العبودية الفردية بعكس كل ما أحرزه الإنسان السوري من انتصارات معنوية على هذه المفاهيم المنفرة بفضل الثورة بكل متغيراتها، فيما طريقة خروجهم إلى الشوارع لم ولن تشبه إلا طريقة ظهور أتباع حزب الله اللبناني، وكعادتهم فإن أسلوبهم هو بخلاف الأساليب الحضارية لكل أطياف الحركة الكردية، فيما علمهم حتى هو غير العَلم الذي ترفعه مُجمل الأحزاب الكردية منذ نشأتهم وحتى اليوم، أما فلسفتهم التي تحدث عنها شفان برور فهي أن الكذب مادام من أجل الحزب وعيون القائد فهو عين الصدق وكعبة الأيديولوجيا، كما أن هيئاتهم وطريقة خطاباتهم فهي مناسبة تماماً لفحوى عقيدتهم، إذ نرى الفارق الكبير بينهم وبين الأمم الأخرى من خلال الرؤية وطريقة التفكير، فنرى معظم الشعوب الشرقية تتطلع لغدٍ خالٍ من آثار وتبعات العسف والاستبداد، بينما هؤلاء فدينهم وديدنهم فرض قناعاتهم وتعنيف من ينتقدهم ونشر فلسفتهم بالإكراه شاء من شاء وأبى من أبى، وكذلك فقاموا نكاية بجهات كردية أخرى بتغير اسم البيشمركه إلى كريلا، وبدل علم مهاباد المعتمد كردستانيا اختلقوا علما لا يُعرف منشأه من أي مغارة أو بلوكوز خرج، أهو علم الطائفة العلوية، أم علمٌ اختير على عجلٍ من بين أعلام اخواننا الأفارقة، وذلك على منوال وطريقة الراحل الليبي صاحب الكتاب الأخضر، الذي دار ظهره في لحظة غضبٍ للعرب وأحب الارتماء العفوي على أديم الخارطة السمراء، علّه لا يشبه إلا نفسهُ في طريقة الرمي أثناء نوبة الغرام، وأيضاً هذه هي حالة هذه الجهة من المجتمع الكردي، مخترعي التصورات الغرائبية كرواة الواقعية السحرية للأدب، وسيبقوا كما هي عادتهم مبتدعين للتشطيحات السياسية يوماً بعد يوم علّهم  يتميزوا عن سواهم من الأحزاب الكردية بمجملها، فأولئك بمجموعهم اعتمدوا حق تقرير المصير كحق سياسي للشعوب وفق المواثيق والأعراف الدولية بينما اخواننا الأوجلانيين راحوا يطرحون شعاراتٍ لم تخطر يوماً ولا ببال أي شاعرٍ سكيرٍ في محفل فيلقٍ من الأصحاء، وهو مبدأ الإدارة الذاتية الديمقراطية الذي اخترعته مخيلة حافظ الأسد قبل رحيله الأبدي، بالرغم من أن شعارهم السابق كان تحرير وتوحيد كردستان، بل وانطلقوا في لحظةٍ ما وفجأة من كردستان الكبرى إلى سماوات الكونفدرالية الكونية ومن ثم نزلوا من غير سابق إنذار إلى حضيض الإدارة الذاتوية المخترعة من قِبل مُنَظريهم، فتأملوا طويلاً في مسيرة هذا الفصيل الكردي قبل النوم يرعاكم الله.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…