هيئة التنسيق الوطنية: لن نقبل باستغلال الوضع المأساوي للمجتمع السوري من أجل تمرير أية حلول على حساب المشروع الوطني الديمقراطي

انتهت اجتماعات باريس الدولية والإقليمية في الأيام الماضية إلى التأكيد على ضرورة عقد مؤتمر جنيف حول سورية في موعده المحدد في 22/1/2014. وقد طالب الجميع الائتلاف الوطني السوري بتلبية الدعوة لهذا المؤتمر. بل هددت الولايات المتحدة وبريطانيا بقطع مساعداتهما عن الائتلاف في حال قرر عدم الحضور. وطالبت الأمم المتحدة والدولتان الراعيتان (الفدرالية الروسية والولايات المتحدة) الائتلاف بتشكيل وفد وازن للمعارضة السورية في جنيف تحت مظلة الائتلاف. وجرى إعلام هيئة التنسيق الوطنية بهذه المعطيات في 13/01/2014 بتسليمها صورة من رسالة الدعوة الموجهة إلى رئيس الائتلاف الوطني السوري كما جرى أكثر من اتصال عربي ودولي بقيادتها. وكون الجميع يعلم بأن قرار الطرف المكلف بالعمل لتشكيل وفد المعارضة لم يحسم بعد، فقد وُضعت كل فصائل المعارضة السورية أمام سياسة الأمر الواقع ويطلب منها اليوم فعل ما تستطيع لإنجاح هذه المهمة الصعبة والمعقدة في أربعة أيام تفصل بين قرار الائتلاف وافتتاح المؤتمر.
لا يمكن وصف هذه الطريقة في عقد مؤتمر يقرر مصير شعب ووطن ودولة بالجدية. اللهم إلا إذا كان القرار الدولي وحده سيد الموقف. والمطلوب منا كسوريين أن ننصاع للإرادة الدولية في سيناريو قد أعد سلفا لتقرير مصيرنا.
لن نختزل تفسير ما يحدث بمؤامرة تسمح للراعي الأمريكي بتشكيل الوفد السوري المعارض على هواه ووفق مصالحه. فالمشكلة أكبر بكثير. فالدول الراعية لمؤتمر جنيف الأول لم تكن على عجالة من أمرها طيلة 18 شهرا ونيف خسر الشعب السوري فيها أكثر من 80 ألف ضحية إضافية مع تحطيم في البنيات التحتية تقدر تكاليفه بأكثر من مئتي مليار دولار ونزوح ملايين السوريين داخل وخارج البلاد، ودخول لمقاتلين غير سوريين في المعسكرين تجاوز عددهم الخمسين ألف مقاتل، سواء أتوا لحماية النظام أو لمشروع “جهادي” بعيد عن طموحات وتطلعات الشعب السوري. وقد شاركت معظم الدول الموقعة على إعلان جنيف، بنسبة أو بأخرى، في عملية الدمار والخراب وتمزيق النسيج الوطني والمجتمعي والتسليح والتمويل لأطراف الصراع في وضح النهار.
لقد وصلت الأغلبية الساحقة من أبناء شعبنا إلى وضع لا إنساني في أكبر كارثة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وصار من الضروري وضع حد لهذه النكبة. لهذا نجد أغلبية حقيقية في المجتمع السوري تطالب اليوم بوضع حد لما يحدث واستعادة الحق في أمل الخلاص. ولكننا نقول لأبناء الشعب السوري الأبي، الذين دفعوا أغلى التضحيات: لن نقبل من أجلكم ومن أجل مستقبلنا جميعا باستغلال الوضع المأساوي للمجتمع السوري من أجل تمرير أية حلول على حساب المشروع الوطني الديمقراطي الذي كان وراء خروج مئات الآلاف من السوريين في كل المحافظات ومن كل الفئات مطالبين بالخلاص من الفساد والاستبداد. ولن نكون طرفا في أي توافق دولي يوظف المأساة السورية في تقاسم أدوار ولعبة أمم.
لقد وافقت هيئة التنسيق على إعلان جنيف بعد أيام من صدوره، واعتبرته أول قرار دولي جامع حول القضية السورية يمكن أن يحظى بضمانات ودعم دولي فعلي. ووضعت ملاحظاتها النقدية البناءة حرصا على نجاح المؤتمر الدولي من أجل سورية (جنيف2). وقامت بالاتصال بالدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ومعظم الدول العربية والإقليمية لكسب تأييد ودعم الحل السياسي. وكم كان النضال شاقا يوم كنا نصرخ في الصحراء وتعتبر أطراف كثيرة موقفنا نظريا ومثاليا. إلى أن دفعت الأوضاع والأحداث بمن اعتقد بفضائل حرب الاستنزاف السورية إلى الخوف من انتشار لهيبها ومن جسامة انعكاساتها وخطورة نتائجها الإقليمية والدولية. هنا بدأنا نشعر بنوع من الجدية أكثر في ضرورة الوصول إلى حل سياسي ناجع ومقبول من أغلبية سورية إقليمية ودولية. وبدأت المساعي تتكثف أكثر من أجل عقد المؤتمر.
تواصلنا بانتظام مع الأطراف الراعية. واستمعنا لتصوراتهم واستمعوا لمقترحاتنا. وكنا نشعر بضرورة التفاعل الإيجابي حرصا على إنجاح المؤتمر. فليس المهم مجرد عقد المؤتمر، بل المهم أن يستجيب هذا المؤتمر لحاجات وجودية للوطن والمواطن. ومع تأكيدنا على رفض الشروط المسبقة لعقد المؤتمر، اعتبرنا توفير الأجواء المناسبة تأكيدُ ثقةٍ بجدية المؤتمر: إطلاق سراح النساء والأطفال والمرضى في المعتقلات، تسهيل عمليات الإغاثة والنجدة لكل المناطق السورية المحاصرة، رفع العقوبات الأوربية والأمريكية الغذائية والدوائية عن سورية، إطلاق سراح المخطوفات والمخطوفين، رفع موانع السفر والحركة عن كل السوريين.
وقد طالبنا الدولتين الراعيتين والأمم المتحدة بضرورة إقرار مبدأ الالتزام بالاتفاقات الناجمة عن المفاوضات، ووجود ضمانات دولية للتفاوض والالتزام بالاتفاقيات. وأعدت هيئة التنسيق الوطنية مشروع قرار لمجلس الأمن يضع كل المقاتلين غير السوريين خارج الشرعية الدولية. 
لقد ناضلت هيئة التنسيق الوطنية من أجل توفير هذه الأوضاع الطبيعية المطلوبة من أجل وجود حاضنة مجتمعية واسعة مؤيدة للعملية السياسية. كذلك باشرت اتصالاتها واستجابت لكل من اتصل بها من أجل تشكيل وفد وازن ومقنع وقوي للمعارضة السورية. وقد تبلورت نقاط الاتفاق مع عدد كبير من الشخصيات السياسية والتنظيمات الصديقة في خارطة طريق الهيئة التي تسعى لاجتماع تمهيدي للمعارضة السورية بهدف برنامج مشترك ووفد واحد وصوت فاعل وقوي.
لم يتم التعامل بجدية مع أي من مطالب الهيئة والمنظمات الديمقراطية الأخرى بتوفير المناخ الإيجابي لإنجاح المؤتمر. وعلقت المشاكل الداخلية للائتلاف قرار الأخير في المشاركة في جنيف وها نحن على بعد أيام من المؤتمر في حالة ضبابية عامة تقودنا كمعارضة وطنية إلى أن نكون الطرف الأضعف في هذا المؤتمر.
لا شك بأن الطرفين الروسي والأمريكي يتحملان مسؤولية كبيرة في الوضع الراهن. فلم يبذل الطرف الروسي أي جهد يذكر من أجل قيام السلطات السورية بخطوات إيجابية نحو المجتمع السوري، وتنازل في أول مناسبة عن التكوين الثلاثي الرأس لوفد المعارضة السورية (هيئة التنسيق الوطنية، الائتلاف الوطني، الهيئة الكردية العليا) تاركا للطرف الأمريكي مهمة اختزال صوت المعارضة ووفدها بمن يقع في فلكها. كذلك لم يكن الطرف الأمريكي حريصا على التمثيل الوازن والمقنع للمعارضة كما يطالب “إعلان جنيف”.
كيف يمكن أن يكون للمعارضة السورية وفد واحد وبرنامج صلب واحتضان شعبي داعم ولم يقرر الائتلاف الذي اختارته الدولتان الراعيتان ممثلا للشعب السوري حتى اليوم الموافقة على الحضور ولا على بيان جنيف1 الذي تنص دعوة السيد بان كيمون على أنه أساس لمؤتمر جنيف2. وما العمل في حال تفكك هذا البنيان قبل أيام من جنيف. وكيف ندخل المؤتمر وعضوان في وفدنا وراء القضبان (عبد العزيز الخير ورجاء الناصر) وأعضاء آخرين ممنوعين من السفر. هل يمكن التفاوض مع سلطة لم توقف القصف العشوائي بالبراميل على المدن. وهل يمكن أن نعتبر جريمة الحرب هذه واحدا من موضوعات المساومة والضغط للوفد الحكومي… كل هذه الأسئلة وضعتنا أمام موقف مسئول وصعب. موقف يحرص على عدم تشويه وإضعاف صورة الحل السياسي وإعلان جنيف باسمهما وبهذه الطريقة.
لهذا قرر المكتب التنفيذي لهيئة التنسيق الوطنية رفض حضور مؤتمر جنيف بالشروط والمعطيات التي يتم انعقاده بها. والمبادرة لاجتماعات تشاورية مع أكبر عدد من القوى السياسية داخل وخارج سورية، من أجل عقد مؤتمر وطني ديمقراطي سوري جامع يعيد للمعارضة مكانتها ودورها في العملية السياسية ويشكل قوة مدافعة عن مصالح وطموحات الشعب السوري.
عاشت سورية حرة ديمقراطية ومدنية
 
دمشق في 15/01/2014
المكتب التنفيذي

هيئة التنسيق الوطنية

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…