جنيف2- لا تتفاءلوا !

صالح القلاب

مع أن “أصدقاء الشعب السوري” في إجتماعهم الأخير في باريس قد تبنوا قرار مجلس الأمن الدولي 2118 ،الذي بموافقة روسية وصينية، أكد على ضرورة أن يطبق مؤتمر جنيف2 ،الذي من المفترض أن ينعقد في الثاني والعشرين من هذا الشهر، ما تم الإتفاق عليه في جنيف الأولى وهو “إنشاء هيئة حكم إنتقالي في سوريا وبصلاحيات تنفيذية كاملة تمهيداً لإجراء انتخابات تأخذ البلاد إلى المرحلة الجديدة المنشودة” إلاَّ أنه لابدَّ من الحذر وأنه لابد من عدم التفاؤل أكثر من اللزوم فتعقيدات هذه الأزمة كثيرة جداً وصعبة جداً ولهذا فإنه قد تستمر لثلاث سنوات أخرى جديدة.

إنه لاشك في أنَّ قرارات باريس ،أمس الأول، تعتبر تقدماً كبيراً ونوعياً مقارنة بمواقف الولايات المتحدة السابقة ،التي إتسمت بالميوعة والتردد والضبابية، وهذا ما قد يشجع قوى المعارضة ،بما في ذلك الذين إنسحبوا من إجتماع إسطنبول الأخير، على التخلي عن مخاوفهم السابقة وإتخاذ قرارٍ في إجتماع السابع عشر من هذا الشهر بالذهاب إلى جنيف2 على أساس أنَّ البند الرئيسي على جدول أعماله سيكون إنشاء هيئة حكم إنتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة وعلى أساس أنه بدءاً بتشكيل هذه الهيئة أو هذه الحكومة لن يعُدْ لـ”بشار الأسد” أيّ دور لا في حاضر سوريا ولا مستقبلها.

الآن أصبح هناك إجماع على هذه المسألة الجوهرية من قبل أصدقاء الشعب السوري ،الذين من بينهم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا وعدد من الدول العربية المعنية، لكن المشكلة تبقى أن الروس لا زالوا على موقفهم السابق وأنهم لازالوا يتمسكون بمنطقهم الأعوج القائل :”أنَّ الأولوية في هذه المرحلة ليس لإقصاء بشار الأسد وإنما لمواجهة الإرهاب والقضاء عليه”.. ولكن المشكلة تبقى أيضاً أنَّ الإيرانيين مصرون على القتال دفاعاً عن هذا النظام حتى النهاية.

ولهذا ،ومع ضرورة أنْ تأخذ المعارضة السورية بكل تياراتها وأطرافها قرارات باريس هذه المشار إليها آنفاً بمنتهى الأهمية والمسؤولية، فإنه يجب عدم إنتظار حلول سريعة فالظاهر أنَّ بشار الأسد ،بدفع من الروس والإيرانيين، سيواصل القتل والتدمير حتى وإن لم يبقَ في سوريا حجر على حجر وحتى ولو أصبح الشعب السوري إمَّا من سكان القبور أو من سكان مخيمات الذل في الدول المجاورة والبعيدة وأيضاً حتى لو تشظى هذا البلد وتحول إلى دويلات طائفية متقاتلة.

إنَّ هذا الموقف الذي إتخذه “أصدقاء الشعب السوري” جيدٌ وضروري وهو قد جاء في اللحظة الحاسمة لكن ونحن نعرف أن طريق جنيـف2 لن تكون لا سالكة ولا آمنة فإنه لابدَّ منْ أن يبادر هؤلاء الأصدقاء كلهم إلى الخروج نهائيـاً من المساحات الرمادية والتخلي عن ترددهم ودعْم المعارضة السورية دعماً حقيقياً إن بالأموال وإن بالأسلحة الضرورية اللازمة في هذ المرحلة وإن بالمواقف السياسـية الواضحة والحاسمة التي قد تصل إلى حـد المواجهة الفعلية مع روسيا التي ثبـت أنَّ هذه الحرب على الجانب الآخر هي حربها وأنه لولاها لما إستطالت هذه الأزمـة كل هذه الفترة ولما وصلت أعداد القتلى إلى كل هذه الأرقام الفلكيـة ولما بلغ عدد اللاجئين والمهجَّرين إلى نحو عشرة ملايين ولما كان هناك كل هذا الدمار والخراب.
لن تكون جنيف2 إلاَّ مجرد محطة على طريق طويل والمؤكد أنَّ لا الروس ولا الإيرانيين ولا بشار الأسد وأخواله وأعمامه ومنْ هُمْ معه من “المؤلفة قلوبهم” سيوافقون على ما تم الإتفاق عليه في جنيف الأولى وأنهم لا يمكن أن يقبلوا بان يبدأ جنيف2 أعماله بـ”إنشاء هيئة حكم إنتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة”.. وهذا يتطلب أن تبادر قوى المعارضة السورية إلى توحيد صفوفها والإلتفاف حول برنامج وطني عام وأن يبادر الجيش الحر إلى إحتواء كل هذه المجموعات المقاتلة ويحولها إلى تشكيلات عسكرية تراتبية ترتبط بقيادة واحدة وتعمل وفق خطط تكاملية موحدة.


* الرأي الاردنية

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…