مخيمات اللاجئين ملاذٌ آمن أم معتقلات سياسية؟ إشاعات… دعارة …سرقات… زواج القاصرات وماذا بعد ؟ من وراء الفساد الحاصل في هذه المخيمات ؟

تقرير ماريا عباس

“الهروب من الموت إلى الموت أصبح مصير الشعب السوري الذي لا يلبث أن ينجو بفلذة كبده حتى يواجه الموت البطيء في المهجر”

لم أكن أستطيع الدخول كصحفية إلى المخيم لذا انتحلت شخصية مواطنة عادية ورافقني أحد معارفي وكان يعمل في ذلك المخيم، وبسبب وعورة الطريق إلى هناك لم يقلنا بسيارته الخاصة خوفاً عليها ، استأجرنا سيارة عادية ، ودخلت المخيم بصعوبة رغم تكرار كلمة “يساغ” أي ممنوع .
لا يختلف اثنان على إن ما يحصل في سوريا هي حرب لا لونَ ثابت لها ،  وإن الوضع الأمني بات مرعبا ، ومن حق أي شعب كما سنت القوانين والمواثيق الدولية أن يطلب الأمان واللجوء لدولة أكثر أمناً واستقرارا ، لذا الدولة التي لا تستطيع نشر الأمان في مخيم لا يتجاوز عدد اللاجئين فيه عشرة آلاف غير جديرة بسيادتها إلا إذا كانت الفوضى مقصودة .
لذلك رغبت بتسليط بقعة من الضوء على مخيم اللاجئين السوريين في تركيا حتى نكون أكثر موضوعية في نقل الخبر بعد السوداوية المبهمة لتلك المخيمات إنَّ مخيم “جيلان بنر” هو أحد المخيمات التركية القريبة من الحدود السورية القريبة من مدينة رأس العين المتضررة من الحرب ، والمخيم كما تبين لنا محصنٌ أمنيا بحراسة مشددة ولا يُسمح لأحد بالدخول والخروج إلا بعد الموافقة والضرورة ، وهو بعيد عن المناطق المأهولة بالسكان ، ولا يُسمح للإعلام بالتغطية ،  و هنا يبقى السؤال لماذا تنتشر هذه الإشاعات لظاهرات مرعبة ؟  ومن وراءها ؟ وما أسبابها؟
وهل أصبحت المرأة السورية رخيصة لكي يُمارس عليها شتى أشكال العنف لتصبح مادة إعلانية مثيرة للتقارير التلفزيونية  ؟
أفادنا أحد القائمين على تسيير شؤون المخيم وقد رفض ذكر اسمه بالإجابة عن بعض استفساراتنا  قائلاٍ : إن غالبية الموظفين الذين يعملون هنا في إدارة المخيم لا يحملون أي شهادات ولم يخضعوا لدوراتٍ تؤهلهم لكيفية التعامل مع اللاجئين وإدارة المخيمات وغالباً هم من العاطلين عن العمل أو من رجالات الدولة المختصين ولهم الريادة في إنجاح هذه الظاهرات.
ومن أكثر الظاهرات انتشاراً في المخيمات أرجأ أحدهم : المشاجرات اليومية بين اللاجئين ، السرقات، الدعارة، زواج الفتيات القاصرات ، هروب الفتيات من المخيم ، حالات مرضية ، مشكلة التعليم ولا يمكن للقائمين على إدارة المخيم ضبط هذه الحالات وإدارة شؤونهم بشكل ناجح. إن غالبية الموظفين من عناصر المخابرات والأمن المركزي والكثير منهم يساهم في تقديم التسهيلات وطبعاً والدافع وراء ذلك لاأخلاقي ومادي على الأغلب ، حيث يقوم بالسمسرة داخل وخارج المخيم والتقاط الزبائن للعمل في الدعارة مثلاً، أو أخذ عمولة في تسيير عملية زواج وغالباً ما تكون للرجل التركي أو حتى عربي  بين أعمار غير مناسبة ، و بسبب خوف الأهل على بناتهم من الاغتصاب أو الهروب من المخيم يسارع البعض لتزويج ابنته.
كما حدثني أحد الأطباء الذي يعمل في المخيم ” أ. م”  وكانت عيونه مشدودة للسماء من الألم والحزن على ما يعانيه  وما يُمارس بحق اللاجئين قائلا: إن الدولة تهتم بجانب الصحة حفاظاً على عدم تفشي الأمراض التي قد تنتقل إلى خارج المخيم أي إلى السكان ، وكذلك لا يُقصر عمال النظافة في عملهم ، وبالنسبة للطعام يأتي جاهزاً على ثلاث وجبات ومن المقرر أن يتم تغيير هذا النظام والتعويض عنه بمبلغ نقدي ، وحتى في مجال الخدمة الطبية هناك اهتمام لا بأس به في تقديم المساعدات واللقاحات .
ولكن بالفعل هناك أمور تحدث مثل الدعارة وزواج القاصرات ، وبدون مبالغة مثلا في إحدى الأيام دخلت فتاة لم تتجاوز السادسة عشر من عمرها وهي تبكي وأرادت تقبيل قدمي حتى أساعدها لأن أهلها أرادو تزويجها عنوةً، اضطررت للتدخل وإقناعهم بأن الزواج قد يؤدي إلى موت الفتاة لأن جسمها غير مهيأ للزواج ، وكذلك ظاهرة الدعارة في المخيم تُمارس وبشكل لافت.
ومن خارج المخيم كان الحديث مع اللاجئين في مدينة “جيلان بنر” حيث
تقول السيدة ” جوهرة من رأس العين” لا نستطيع تحمل عيشة المخيم وقد لاقينا الكثير من الصعوبات في خارج المخيم أيضاً : فمثلاً إيجارات  البيوت مرتفعة ، وأسعار المواد كذلك وأمام هذا الغلاء ولهذه الظروف حُرِم أولادي وهم ثلاثة من التعليم واضطررنا للعمل ، ابنتي أخاف عليها لذا لا أرسلها للمدرسة ، والولدان : الكبير عمره 18 سنة يعمل في محل لبيع الألبسة ليساعد في المصروف مع والده ، والثاني 15 سنة عمِل في الفرن وأدى ذلك لإصابته وقطعت أصابع يده تحت آلة العجانة.
ويقول أحد اللاجئين : أعمل في التمديدات الكهربائية ، ولكن نعاني من الاستغلال مرتين : مرة من الكفيل وهو تركي بسبب طمعه ليشاركنا حصةً في رزقنا ، ومرة من صاحب العمل الذي لا يعطينا الأجر المناسب ويستغل حاجتنا .
تقول إحدى اللاجئات السوريات وهي من رأس العين : أعمل في الخياطة لأننا لا نرغب في العيش ضمن المخيم فهي تشبه السجون وبعيدة عن البلد.

المعونات تصلنا أحيانا من الهلال الأحمر أو من الأهالي ولكن ليس دائماً ، في شهر رمضان كان الآسايش في “ypg”  يوزعون الإفطار على الناس ووزعوا الطحين وبعض المعونات.
منظمة الهلال توزع كل فترة ولكن هناك أيضاً مشاكل الطابور والانتظار والشجار، لذا لا نحصل عليها باستمرار.
تقول لنا سيدة إدلبيه إجابةً على سؤالنا عن رأيها في الحياة التي تعيشها كلاجئة ولم تستطع إكمال حديثها بسبب البكاء الذي انتابها بسبب الأوضاع السيئة التي يعانون منها.
لدي طفلٌ واحد ونحتاج كثيراً للترويح عن أنفسنا وضاقت بنا الدنيا لأن المخيم سجن ، وحتى إذا اضطررنا للذهاب إلى المستوصف الخارجي العناية ليست كما يجب وخاصة إذا كنت لاجئاً ، لذا الآن ترانا هنا في الحديقة نقضي بعض الوقت ، ونحِنُّ إلى سوريا وأهلنا هناك والحياة هنا لا طعم لهل أبداً.
وبالحديث مع مدير منظمة الهلال الأحمر في نفس المدينة السيد “عبد الرحمن سارجه” صرح  قائلاً:
نقوم بتسجيل أسماء العائلات وعدد أفرادها وبعد الانتهاء من تسجيل كافة الأسماء التي تردنا يجتمع اللاجئون ونقوم بالتوزيع دون تفرقة ، وهناك دول عربية مثل الإمارات العربية وقطر وبعض الدول الإسلامية مثل تايلاند وهناك جهات لا تُصرح باسمها ودول أوربية وجمعيات خيرية تقدم الدعم للمنظمة ، وإننا لا نقصر أبداً في توزيع كلِّ ما يصلنا ولكن اللاجئين يثيرون المشاكل فتتم المشاجرات أمام باب الجمعية وتصل أحيانا للضرب و القتال ، وغالبا يبيعون الكثير من الأشياء في الأسواق من المبردات والأدوات الكهربائية والبطانيات التي تصلهم من تلك المساعدات ويعودون ويقولون إننا لا نملكها وبذلك يثيرون الفوضى .
وقد أظهر لنا إحصائية تدل على الأعداد التي ترد وتخرج من المخيم و الكميات التي تصلهم أو تمَّ توزيعها وقال إن السجلات غير مسموح برؤيتها من أحد.

ومن تلك البقعة الصغيرة النائية التي تسمى بالمخيم كانت هذه المشكلات الكبيرة تحت الضوء وبالطبع ما خفي كان أعظم ، إذاً على من تقع المسؤولية في تفاقم أزمة اللاجئين ومشكلاتهم في تركيا؟  هل هي سياسة الدولة المضيفة التي تريد الانضمام إلى الاتحاد الأوربي الرائد في أمور اللاجئين ، أم في اللاجئين أنفسهم من ضعاف النفوس الذين يساهمون في تشويه صورة المواطن السوري ؟ أم في آلية العمل والمنظمات الإنسانية ؟ أم هو قدر المواطن السوري أن يفقد كل شيء الأمان والاستقرار  والحياة الإنسانية داخل وخارج حدود الوطن .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…