لاجئون كورد عند الكورد

  آزاد خالد

بعد استعار نار القتال في معظم المناطق السورية اضطر السورييون من جميع انحاء البلاد الى الهجرة و اللجوء الى اقرب بلد لهم (من حيث المسافة او الثقافة او صلة القربة)، فسكان ادلب و حلب(مثلا)  لجؤوا الى تركيا و سكان حمص الى لبنان و سكان درعا الى الاردن و نحن بدورنا ككورد توجهنا نحو اقليم كوردستان العراق و هي المنطقة الاقرب لنا من حيث المسافة و (الثقافة) و صلة القربة.

بدأنا بالتوافد افواجا الى اراضي كوردستان التي كنا و ما زلنا نعتبرها (ارض الميعاد)، لم نشعر بكوننا لاجئين او ضيوفا، بل – كما كان يتردد على لسان كل المسؤولين في الاقليم- كنا أهل الدار.

معظمنا حاول التأقلم مع الواقع الجديد و الظهور بمظهر لائق امام اخوته في اقليم الجنوب، و نظرا لأن معظمنا –كورد سوريا- إما نحمل شهادات دراسية متوسطة او عليا او نتقن حرفة (صنعة) كنا نكسب بها قوت يومنا فقد حاولنا و منذ اول يوم من وصولنا الحصول على عمل ما يغنينا عن الجلوس في المخيمات بانتظار المساعدات (الحكومية او الاهلية او من منظمات الاغاثة).

هذا الشيء اضطرنا الى السفر الى هولير العاصمة لوفرة العمل هناك و كثرة الحاجة الى الايدي العاملة، وهنا (مربط الفرس).

في البداية خففت تسهيلات سلطات الاقليم من الصعوبات التي واجهتنا في هولير و بالاخص من حيث التواصل اللغوي مع الاخوة الكورد الذين يتكلمون اللهجة السورانية.

و لكن اعتقادنا بأن المشاكل و الصعوبات ستقتصر على المشكلة اللغوية كان خاطئا.

فمع ازدياد اعداد الكورد السوريين في هولير كنا نشعر بازدياد الاستياء و التذمر من وجودنا من قبل الكثير من الهوليريين، تحت حجج و ذرائع كثيرة اعتبرها واهية، حيث انهم لم يستطيعوا تفهم حقيقة الاوضاع الصعبة التي نمر بها، و اعتبرونا وافدين اجانب نطمع في رزقهم و تغيير (ثقافتهم ) متناسين بأننا كورد ومن المفترض بأننا أهل الدار (كما سمعنا كثيرا)  ولسنا ضيوفا او لاجئين، و لكن الواقع كان مختلفا جدا….
–  كما اسلفت اعلاه فإن الاخوة الهوليريين لم يتمكنوا من استيعاب الاختلاف في اللهجات الكوردية بل و وصلوا الى حد القول بأن السورانية هي اللغة الكوردية و اننا لا نجيد التحدث بالكوردية.

معظمنا هنا تعرض لهذا الموقف و خصوصا في الاشهر الاولى من الوصول الى هولير، حيث اننا كنا نواجَه مرارا بجملة: ” ألست كورديا … هل انت عربي … اذا لما لا تتكلم الكوردية مثلي (اي السورانية) ؟! “.

–   تم رفع اجرة البيوت التي نستأجرها (الى الضعف احيانا) هذا ان رضي صاحب البيت او المكتب بتأجيرنا، و في نفس الوقت تم تخفيض اجرة العمل، فضلا عن ان الكثير من اصحاب العمل قد تحايلوا على الكثير من الشباب الحديثي الوصول حيث اشغلوهم لعدة شهور بدون اية اجور و بعدها قالوا لهم بملأ الفم ” لا يوجد نقود…  اذهبوا وافعلوا ما شئتم” و هذا يمثل استغلالا واضحا للوضع الصعب الذي نعيشه و حاجتنا الماسة الى المأوى و العمل.

–  معظم السكان هنا ينظرون الينا نظرة دونية و يعتبرون الكوردي السوري منقوص الكوردية و حتى البشرية، و هذا يتجلى واضحا في التسمية التي نعتونا بها و المشهورة حاليا و هي ” سوريكان” اي السوريون، فقد نفوا صفة الكوردية عنا.

بل و وصل الحد ببعضهم الى الطعن في اخلاقنا و شرفنا و اتهامنا (بالكفر؟؟؟!!!) و منع البعض منهم ابناءه او عائلته من الاختلاط مع الكورد السوريين او زيارتهم.

–  نظرا لكثرة السيارات في هولير و السرعة العالية التي يقود بها الهوليريون فكان من الطبيعي وجود الكثير من الحوادث المرورية، و لكن الكورد السوريون كانوا الاكثر تضررا من هذه الحوادث، حيث ان هناك الكثير من الحالات التي حصلت و خرجت من نطاق الحوادث الفردية او الاستثنائية، بل و اصبحت قانونا و هي تتمثل في عدم اسعاف ضحية الحادث ان كان سوريا و هروب السائق و الافظع من ذلك هو تستر الشهود و احيانا بعض عناصر الاسايش على الجاني و محاولة اغلاق التحقيق بأسرع ما يمكن.

(املك الكثير من الامثلة و القرائن فيما يتعلق بهذه الحالات).

– سمعنا الكثير هنا يعيرنا بأننا هربنا من وطننا وانه كان الاجدى بنا القتال لاسقاط النظام السوري (مثلهم حين قاتلوا النظام العراقي السابق) كما انهم يتهموننا بأننا جئنا الى الاقليم فقط لجمع (الدولارات) و انه ليس هناك اي مشكلة في مناطقنا تضطرنا الى الهرب منها و هذا يدل على عدم استيعابهم لحقيقة ما يحصل في مناطقنا و ان المشكلة لا تكمن فقط في وجود القتال (الذي لا تخلو منه الكثير من المناطق الكوردية في سوريا) بل ان المشكلة الاكبر هي في الاوضاع الاقتصادية التعيسة جدا بالاضافة الى فرار معظم الشباب الكورد من الخدمة اللالزامية.


–  كما استهللت في بداية المقال، كانت التسهيلات المقدمة لنا من قبل حكومة الاقليم و كافة المديريات تخفف عنا تعامل الاهالي (الغير متوقع من قبلنا)، و لكن في الاونة الاخيرة ظهرت الكثير من العوائق و التصعيبات من قبل الجهات الرسمية، و على سبيل المثال لا الحصر: تم وضع شروط تعجييزية على تأجير البيوت للكورد السوريين كطلب كفيل موظف (سوراني) حصرا بعد موافقة الاسايش التي قد لا تستحصل لاسباب مجهولة او – بحسب قولهم – وجود اوامر بعدم تأجير السوريين بالاضافة الى ايقاف اعطاء الاقامة للسوريين في هولير لاسباب غير معروفة و الغريب في الامر بأن الاسايش و بعض اماكن العمل و السيطرات (الحواجز الامنية) يطلبون الاقامة و من الصعب افهامهم بأنه لا يتم منحها للسوريين في هولير حاليا مما تسبب في منع تنقل الكورد السوريين بين مدن و مناطق الاقليم و ايقافهم على السيطرات لمدد احيانا تصل الى عدة ايام بحجة عدم وجود الاقامة ( التي ذكرنا وضعها اعلاه).
ان هذه النقاط و المصاعب التي ذكرتها قد تواجه اللاجئين في اي دولة كانت و لكن هناك الكثير من العوامل التي كانت يجب ان تحول دون تعرضنا لهذه المعاملة في كوردستان الجنوبية، من اهم هذه العوامل هي كوننا كوردا اي من نفس القومية التي ينتمي اليها اخوتنا في كوردستان العراق، و لا يوجد فرق كبير في الثقافة التي ننتمي اليها، كما اننا حاولنا قصارى جهدنا لكي نكون ايجابيين و غير اتكاليين في المجتمع الكوردستاني من خلال العمل اي كان نوعه، فقد انخرطنا في كافة مجالات العمل في الاقليم و على مختلف المستويات و قلما يوجد شاب منا عاطل عن العمل لانه سيكون مستعدا للعمل في اي مجال و لو كان ادنى من مستوى اختصاصه بكثير، فكثيرا ما تجد خريجا جامعيا يعمل نادلا في مطعم او عاملا عاديا في المشاريع الانشائية.

نسبة المتسولين من السوريين هي قليلة جدا مقارنة بالمتسولين من السكان الاصليين، و حتى تلك النسبة القليلة التي اتخذت التسول وسيلة للعيش فهم اما ممن تعرضت منازلهم للقصف (خصوصا في حلب و ريفها) و فقدوا كل شيء او ممن كانوا قد اعتادوا على عادة التسول في سوريا، و ايضا نسبة المشاكل الجنائية التي تسبب بها السوريين هي قليلة جدا مقارنة بتلك التي يرتكبها السكان الاصليون و المقيمون الاجانب من عرب(عراقيين و غير عراقيين) و اتراك و غيرهم.
و الاهم من هذا كله هي ان كورد العراق هم الاكثر خبرة و معرفة بقساوة اللجوء، فليس بزمن بعيد حين لجؤوا ملايينا الى تركيا و ايران و حتى البعض منهم الى سوريا، من الغريب جدا انهم تناسوا تلك الايام الصعبة التي لم انسها انا الذي كنت طفلا حينها، فأنا اتذكر جيدا حين كان رجال حارتنا يجتمعون حول جهاز المذياع (الراديو) باذلين كل جهدهم لفهم كلام المذيع المشوش و الغير مفهوم في اذاعة صوت كوردستان العراق او اذاعة مونتيكارلو لمعرفة وضع الانتفاضة الكوردية و ما آلت اليه حالة الملايين من النازحين الكورد باتجاه الحدود الى تركيا، كما و يمكنني تذكر مجموعة الشباب الذين هربوا من كوردستان العراق و استقروا في حارتنا و كيف استقبلهم اهل الحارة بكل حرارة و تنافس الجميع في استضافتهم في بيته و تقديم الطعام اليهم رغم كل ما كان يعتري ذلك من خطورة امنية و رغم الظروف المعيشية الصعبة التي كنا نعيشها في تلك الايام.


نعم يا اخوتي الكورد… ها قد جار الزمان علينا و طرقنا بابكم و انتم في غاية السعة في الرزق و الاستقرار، تذكروا يا اخوتي اننا كورد..

و لا نحتاج الى اي دليل او برهان او صك لاثبات ذلك و كنا نتطلع الى افضل من هذا منكم و اعلموا جيدا ان التاريخ لن يرحم ابدا.


ملاحظة: هذا التعميم في الكلام لا يعني ابدا عدم وجود اشخاص خيرين جعلونا نحس فعلا بأننا في بيتنا و بين اهلنا و لكنهم – للأسف- قليلون جدا.


آزاد خالد
azad.xalid@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…