المواقف الشوفينية.. لن يثني الكورد عن مواصلة النضال القومي والوطني

  كلمة العدد لجريدة آزادي *
بقلم: المحامي مصطفى أوسو سكرتير الحزب

  دأبت الحركة السياسية الكوردية في سوريا، منذ ولادتها عام 1957 على إيجاد نوع من التوازن الدقيق بين نضالها القومي، من أجل إزالة الاضطهاد القومي بحق الشعب الكوردي وتأمين حقوقه القومية المشروعة، ونضالها الوطني، من أجل القضايا الوطنية العامة في البلاد، لقناعتها بأن القضية القومية للشعب الكوردي، هي جزء من قضية الديمقراطية في البلاد، وأيضاً لقناعتها بأن العمل على إيجاد حل ديمقراطي عادل لقضية هذا الشعب الذي أصبح بحكم التاريخ والجغرافيا جزء من المجتمع السوري، يهم كل القوى الوطنية والديمقراطية السورية، ويصب في مصلحة البلاد العليا.
  وقد اصطدم هذا التوجه الوطني السليم من قبل الحركة السياسية الكوردية، والانفتاحي على الشارع السوري وحركته الوطنية والديمقراطية، بشكل دائم بالعديد من العراقيل والصعوبات، ومنها التأثيرات السلبية للدعايات المغرضة التي بثتها الجهات العنصرية والشوفينية، عن الكورد وقضيتهم القومية وولائهم الوطني، بهدف منع التفاعل الإيجابي بين الشعبين الكوردي والعربي، وحرمان القضية الكوردية من الحصول على دعم القوى الوطنية والديمقراطية السورية وكسب تأييدها، لديمومة امتيازاتها ومصالحها الشخصية، دون النظر إلى المصلحة الوطنية.

  ورغم التطور النسبي في مواقف بعض القوى والفعاليات الوطنية الديمقراطية السورية تجاه الكورد وقضيتهم القومية في سوريا، في بداية الألفية الثالثة، التي شهدت حراكاً سورياً عاماً، توجت بالقيام بعدد من النشاطات الجماهيرية المشتركة، المطالبة بالتغيير الديمقراطي في البلاد، والإعلان عن عدد من الأطر السياسية المعارضة، مثل: “إعلان دمشق” و “هيئة التنسيق”، إلا أنها لم تتعدى مع كل الأسف، سقف الاعتراف بحقوق المواطنة، ولتبقى قضية شعبنا الكوردي في سوريا وحقوقه القومية، بين مطرقة النظام الاستبدادي وسندان المعارضة الوطنية في البلاد.
  ومع بداية انطلاقة الثورة السورية المنادية بالحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وإنهاء النظام الاستبدادي الشمولي الحاكم ببنيته التنظيمية والسياسية والفكرية، لم يتأخر أبناء شعبنا الكوردي في سوريا وحركته السياسية، من المساهمة والمشاركة فيها والتفاعل مع أحداثها وتطوراتها المختلفة، بل كانوا من أوائل من انخرطوا فيها بقوة، من خلال المظاهرات الجماهيرية العارمة المناهضة للنظام، والتي عمت مختلف هذه المناطق.

وقد اعتبرت الحركة السياسية الكوردية، إنها جزء من هذه الثورة وتعمل من أجل تحقيق أهدافها، ورفضت دعوات النظام للحوار والجلوس على طاولة المفاوضات بشكل منفرد وبمعزل عن المعارضة السورية.
  ومع الإعلان عن تأسيس المجلس الوطني الكوردي، في 26/10/2011 الذيضم غالبية أحزاب الحركة السياسية الكوردية والحراك الشبابي والشخصيات الوطنية المستقلة، انحاز بشكل واضح إلى جانب الثورة السورية، وقدم خيرة قادتهفي سبيلها، وعمل من أجل وحدة المعارضة السورية، بكافة فصائلها وتياراتها وأطرها، مشاركاً في العديد من مؤتمراتها، “مؤتمر القاهرة تموز 2012 ” و ” مؤتمر الدوحة تشرين الثاني 2012″، لتحقيق هذا الهدف والعمل على إسقاط النظام القمعي الدموي، والتصدي لاستحقاقات المرحلة الجديدة وتحدياتها المختلفة، وللعمل على رسم ملامح خارطة طريق لسوريا المستقبل، على قاعدة الاعتراف الدستوري بوجود الشعب الكوردي في سوريا، والإقرار بحقوقه القومية وفق القوانين والمواثيق الدولية، ضمن سوريا اتحادية ديمقراطية تعددية تشاركيه، بنظام برلماني، قائم على أسس الحق والعدل والمساواة، تقر بالتنوع القومي والديني والطائفي، وتضع الضمانات القانونية والدستورية اللازمة للتآخي والتعايش المشترك، وذلك بعد أن أثبتت مركزية الدولة وشموليتها، فشلها في جميع أنحاء العالم، وخاصة في الدول المتعددة القوميات والأديان والطوائف، ولكن كل ذلك، قوبل بالتجاهل والرفض من قبل المعارضة السورية، لتبقى الحركة السياسية الكوردية بعيدة عنها.
  وبعد التوقيع بين المجلس الوطني الكوردي، والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، على وثيقة الاتفاق المؤرخة في 27/8/2013 الخاصة بانضمام المجلس الوطني الكوردي إلى الائتلاف، وقرار المجلس الوطني الكوردي في جلسة 6/9/ 2013 الموافقة عليه، استبشر أبناء شعبنا الكوردي وكل الوطنيين السوريين، خيراً بهذه الخطوة، رغم تحفظنا على بعض بنوده، باعتبار ذلك خطوة هامة وضرورية على طريق وحدة المعارضة السورية وتحقيق أهداف الثورة السورية المباركة.
ولكن ما حز في النفس وأثار الكثير من الشكوك والمخاوف، هو تلك المواقف الشوفينية الصادرة من هنا وهناك، ومنها موقف الدكتور كمال اللبواني – عضو الهيئة السياسية للائتلاف، في رسالة أصدرها قبل مناقشة انضمام المجلس الوطني الكوردي إلى الائتلاف، جاء فيها: ” أن خطورة تمرير الورقة الكورية في الائتلاف، ليس فقط التداعيات القانونية على هوية سوريا العربية السنية، التي يجري تقويضها تحت شعار الدولة المدنية، واستبدالها بدولة اتحادية بين مجموعة شعوب ومكونات؟؟ وما سترتب على ذلك من تهجير وصراعات داخلية، وتقسيم ومربعات تجعل منها دولة متنازعة ومشلولو وفاشلة بشكل دائم، بل أيضاً تغيير ميزان القرار في الائتلاف لصالح من ليس من الثورة وليس معها، بضم أحد عشر عضوا كرديا جديدا لا علاقة لهم بأي فصيل ثوري، أي بما يضمن الأغلبية المطلقة بيد الشيوعيين والتنسيق والفلول والأخوان والأقليات، ومن يعمل بأمر السفارات، لكي تستكمل عملية سرقة تمثيل الثورة “.
  إن هذه المواقف الشوفينية، والتباكي على وحدة سوريا وإدعاء الحرص عليها، والاتهامات الباطلة التي بحق الكورد وبأنهم يعملون على تقسيمها وتقويضها وبأنهم سيثيرون القلاقل والبلبلة والمشاكل فيها، لا ينسجم مطلقاً مع واقع الحال والدور الذي لعبه الكورد وما زال من أجل الحفاظ على وحدتها واستقرارها، كما أن اتهاماته بأن أعضاء المجلس الوطني الكوردي ليسوا من الثورة وليسوا معها، يجافي الحقيقة والواقع ويتناقض مع سياسات المجلس الوطني الكوردي وبرامجه، التي أعلن عنها منذ تأسيسه، أما أدعائه بأن أعضاء المجلس الوطني الكوردي في الائتلاف لا علاقة لهم بأي فصيل ثوري، فإننا نرد عليه بأن هؤلاء الأعضاء يمثلون المجلس الوطني الكوردي، والذي يمثل بدوره غالبية أبناء الشعب الكوردي في سوريا، المعارض والثائر ضد النظام المستبد منذ عقود طويلة، وإننا نسأله هنا، من يمثل هو؟ وإلى أي فصيل ثوري ينتمي؟
  وإن هذا الخطاب التجيشي العروبي العنصري، الطائفي المتزمت، من شخص كان يدعي حتى وقت قريب، العلمانية والليبرالية، لا يخدم أبداً مستقبل سوريا، والتي لن تكون إلا وطناً لجميع أبنائها من عرب وكورد وسريان كلدو أثوريين ودروز وتركمان وشركس، مسلمين ومسيحيين ويزيديين وإسماعيليين، سنة وشيعة وعلويين، وكل القوميات والأديان والطوائف والمذاهب، وهو يصب من حيث يدري صاحبه أو لا يدري في مصلحة نظام الاستبداد وديمومته في سدة الحكم في البلاد، كما أنه لن يؤدي إلا إلى تقويض أسس التآخي والتعايش المستقبلي المشترك في المجتمع السوري.
  وكذلك الأمر بالنسبة للمواقف السلبية التي تضمنها بيان الائتلاف المؤرخ في 14/11/2013 واعتباره حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) “تنظيماً معادياً للثورة السورية” وأن “الإدارة الذاتية المؤقتة”، التي أعلن عنها الحزب المذكور، بتاريخ 12/11/2013 ” تمثل تحركاً انفصالياً… “.
  إن الإدارة الذاتية المرحلية في المناطق الكوردية، ورغم تحفظنا عليه، لأسباب، لا نريد الدخول في تفاصيلها الآن، هو شكل من أشكال الإدارة المحلية، لتسير أمور المواطنين وملء الفراغ الإداري الحاصل، الأمر الذي جرى ويجري في جميع المناطق السورية، ولم نسمع عن الائتلاف أي موقف سلبي تجاهها، كما إنها تتنافى مع تهمة “التحرك الانفصالي”، التي ساقها الائتلاف، في بيانه المذكور.
  ومما لاشك فيه، أن مثل هذه المواقف السلبية، لا تخدم أبداً وحدة المعارضة السورية، في ظل ظروف هذه المرحلة الدقيقة التي نمر بها، والتي تتطلب نبذ الحزبوية الضيقة والعصبوية القومية والخلافات الجانبية وتجاوزها، وتنظيمها في إطار جامع، من أجل تحقيق أهداف ثورة الشعب السوري.
  إن الحركة السياسية الكوردية في سوريا، لن يثنيها مثل هذه المواقف العنصرية والشوفينية، وستبقى تناضل جنباً إلى جنب مع المعارضة الوطنية والديمقراطية السورية وسائر الفعاليات المدنية والاجتماعية..، من أجل رفع الاضطهاد عن كاهل الشعب الكوردي في سوريا، وتأمين حقوقه القومية المشروعة، ومن أجل انتصار الثورة السورية وإسقاط النظام الاستبدادي الشمولي الحاكم بمختلف رموزه ومرتكزاته الأمنية والسياسية والفكرية، والعمل على بناء سورية جديدة اتحادية ديمقراطية تعددية قائمة على الحق والقانون، تحمي وتصون حقوق جميع أبنائها ومكوناتها القومية والدينية والمذهبية والطائفية، بعيداً عن أي شكل من أشكال القهر والاستبداد والتهميش والتمييز والاضطهاد.
 
* يصدرها الإعلام المركزي لحزب آزادي الكردي في سوريا 

لقراءة مواد العدد انقر هنا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…