أنت يا آذار، للعالم ربيع وورد، وللكرد مصائب وأقدار

خالص مسور
لانقف اليوم في مدينة وادعة كمدينة القامشلي الرابضة على خط حدود الدولتين السورية والتركية ببهاء ساحروهدوء منقطع النظير، لانقف اليوم نحن الأكراد شعب المحن والشدائد، لنندب شهداء الكرد الذين سقطوا على ثرى هذه المدينة الآمنة في يوم من الأيام السوداء في تاريخ الشعب الكردي، ألا وهو اليوم الثاني عشرمن آذارهذا الشهرالبهيج، الذي عادة ما يبهرأعين الناظرين ويلهب خيالهم، بورده وزهره، وبسحر جمال الأخاذ، ولكنه الشهرالمليء بالآهات والدموع في الليل الكردي الطويل، لقد أضيف هذا اليوم في القامشلي وما جرى فيها من أحداث مروعة في عام 2004م.

إلى أيام التاريخ الكردي المثقل بالمصائب والآلام، إنه يعد بالفعل يوم من الأيام المشهودة التي حلت فيها مصائب الدهرالفظيعة بسكان المدينة الوادعة.

وفي الحقيقة لقد حل في هذا الشهربالشعب الكردي عموماً في ومواطنه المختلفة مصائب وأقدارلاتنتهي عند حد وحدود، من حيث عظم المصاب والخطب الجلل.

والآن وفي هذا اليوم التاريخي من شهر آذار، لانقف لنندب قتلانا وشهدائنا الأبرار، بل لنتذكرونعتبر من دروس التاريخ، كيف أن الزمان لايرحم الضعفاء والآمنين، ولنسجل بطولاتهم ومآثرهم بمداد من المجد والإعتزاز، ولنقف وقفة إباء وشموخ في هذا اليوم المشهود بالمآثر والمحن.

لنتذكرهؤلاء الشهداء وغيرهم ممن سقطوا على ثرى الحرية وضحايا الغدر والتآمر، بمزيد من الفخروالإجلال.

لقد اعتاد الكردي في تاريخه الطويل على غدرات الزمان ومصائب الدهروالحدثان، وسلم أمره للتضحية والبذل بالغالي والنفس والنفيس لئلا ينهان في وطنه أو يضام، وقد قال في ذلك قولته الشهيرة والمعبرة: (Berxê nêr ji kêrêreye)، أي الخروف الذكر للذبح.

وعلى هذا المنوال يقدم الرجل الكردي نفسه فداء لوطنه، وعرضه، وشرفه، وهو لايبالي.

وإذا ما تأملنا الامر جيداً، سنرى أن العامل الموضوعي لبروز هذه المقولة هو كثرة الذبح والتقتيل والتنكيل من قبل حكام الشعوب المجاورة، الذين أعملوا السيف في رقاب هؤلاء الأكراد المسالمين ولكن الشجعان في نفس الوقت، فكان حكام هذه الشعوب المجاورة ولايزالون يعتبرون الأكراد على الدوام شعباً بلا وطن، يعيشون تحت سماء هذه الشعوب وأرضها، يجردونهم من الجنسية أو يهجرونهم من أوطانهم الأصلية قسراً متى شاؤا وأرادوا، وكأنهم صدقوا المسعودي المؤرخ العربي الذي الذي أخذه شطحات خياله الخصب، إلى أن الكرد هم من أحفاد الجن والعفاريت،أو كأنما الأكراد نزلوا من السماء وليس هناك أرضاً تسمى كردستان وهي ليست وطنهم، وبالتالي عليهم أن يرحلوا من حيث أتوا ذلك منطق استلابي غريب يتبعه حكام الشعوب المجاورة بحق الكرد منذ عشرات السنين.

فهؤلاء الحكام والحكومات التي تحكمت في رقاب الأكراد طوال عهود مديدة، تجيز لنفسها مالاتجيزه للأكراد، فعلى سبيل المثال احتلت تركيا القسم الشمالي من جزيرة قبرص بحجة أن غالبية سكانه من الأتراك وأنهم يلاقون العنت والإضطهاد من قبل الأكثرية اليونانية، بينما لم يكن في الحقيقة أي جزء من هذه الجزيرة أي قبرص، في يوم من الأيام وطناً للأتراك الذين جاؤا من أواسط آسيا في الوقت الذي كان فيه اليونانيون قد أقاموا في اليونان وجزيرة قيرص ذاتها دولاً وحضارات مزدهرة.

ففي سبيل حفنة من الأتراك سيطرت تركيا على أوطان الآخرين بجيوش جرارة – أي شمالي جزيرة قبرص- وقد أقامت تركيا الدنيا ولم تقعدها، بينما لايقرالأتراك حتى بوجود شعب إسمه الكرد رغم أنهم يبلغون الملايين عداً، وهم يعيشون فوق أرضهم التاريخية والتي ورثوها أباً عن جد، وقبل أن يغزوالسلاجقة والأتراك العثمانيين المنطقة بكثير.

وهكذا كل الحكومات العربية، والفارسية، وكذلك التركية، التي يعيش الأكراد بين ظهرانيها لاتعترف بأدنى حقوق للكرد وهم في موطنهم وأرض آبائهم واجدادهم، بينما الأدهى والأمر من ذلك، هو أن الحكام والرسميون والشوفينيون الأتراك لا يلفظون حتى اسم الكرد ويعتبرونهم ضيوفاً ثقلاء لديهم أوأتراك جبال نسوا لغتهم التركية نتيجة تأثرهم بالفرس والشعوب الأخرى، أوالإنعزال والتخلف، بينما في الحقيقة كان الأتراك ضيوفاً أعزاء على الكرد أيام فقرهم المدقع وهجرتهم من آسيا الوسطى هرباً من المغول، فبالغ الاكراد في الترحيب بهم وإكرامهم، ولكنهم حينما اشتد سواعدهم رموا مضيفيهم في مستنقع لازال الأكراد يجاهدون للخروج منه بفاتورة باهظة التكاليف من الدموع والدماء والآهات وكذلك مثل الحكومة التركية تمتنع الحكومات الأخرى من لفظ اسم الكرد، بينما تلفظ بطلاقة اسم اسرائيل ويا للمفارقة…!.

ولكن حكام الدول العربية وكذلك الفرس والترك، سيقرون عاجلاً أو آجلاً بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في وطنه لامحالة، فكفى تضحيات ودماء غزيرة أراقها ويريقها الكرد حتى اليوم.

وما حدث في مدينة القامشلي في هذا اليوم من آذار من عام 2004م.

هو بمثابة تحذيرللجميع بأن هناك معاناة من شعب مضطهد وستراق المزيد من الدماء، إذا لم تعد تلك الحكومات إلى رشدها وصوابها وتقربحق اغتصبته وشعب بريء اضطهدته.

وكما قال السيد مسعود البرزاني في احدى مقابلاته مؤخراً: (أن على الأتراك ان يتعلموا نطق كلمة “كردستان”) وهو قول بليغ وفيه الكثير من العبرة والتعبير لمن أراد من الأتراك والحكام الذين الذين يتحكمون في رقاب الأكراد اليوم أن يعتبروا، وعلى الشرفاء من أفراد الشعوب المجاورة والذين يعيش الأكراد معهم في وطن واحد، أن يطالبوا شعوبهم وحكامهم بالسير في ركب الديموقراطية والحرية، ويحسسوا شعوبهم بالهاوية الأخلاقية من جراء السكوت عمن يحاولون إبادة الشعب الكردي المسالم، رغم أن الأكراد سجلوا لصالح الشعوب المجاورة وعلى الدوام مآثر تاريخية استأثرت هي بتلك المآثروحدها من دون الكرد فتلك إذن قسمة ضيزى.

هكذا كان الأكراد على الدوام وقوداً لنيران أعداء هذه الشعوب من دون مقابل، وما ذاك إلا لأنهم اعتبروا هذه الشعوب أخوة لهم في الله والوطن والقربى، ولهذا على هذه الشعوب أن تتذكربأن رد حكامها الجميل للأكراد، كان على شكل مقابرجماعية والدفن وهم أحياء، وبمجازرديرسم، وألاقمشي، وكلييه زيلان، وآخرها كانت أحداث القامشلي في 12 آذارعام 2004.

والتي كان أداتها محافظ الحسكة المسمى كبول، ومجازر اخرى وأخرى غيرها ارتكبها بحق هذا الشعب، من أمثال كبول وغيره من حكام الشعوب المجاورة، مقابل الأيادي البيضاء التي أسداها الكرد إليهم وغلى شعوبهم، ولكن يظهر أن كل هذه الأيادي لم تجد نفعاً.

ونكرر القول هنا بأن على هؤلاء الحكام وشعويهم أن يتعلموا منذ اليوم التعامل مع الأكراد من منطلق الأخوة والمساواة، وأن الكرد شعب يعيش في وطنه منذ آلاف السنين وأنه لم يغتصب وطن أحد ولا أرض أحد، وليس ضيفاً على أحد كما أثبتنا ذلك في مقالنا الإنترنيتي بعنوان(كلمات كردية في اللغة السومرية، الاسباب والنتائج)، وأن يتعلم هؤلاء الأخوة الصراحة والصدق والشفافية في قول الحق، ونبذ سياسة الإنكار والإمحاء والإبادة تحت يافطات االخطرالقومي المزعوم في الوقت الذي تم فيه استلاب أوطان الكرد وتشريد أطفالهم ونسائهم في المهاجر القسرية سواء داخل تلك الدول أو في في خارجها في أوربا الغربية مثلاً.

هكذا ولسان حال الكرد يقول: نحن الكرد لانقول للشعوب الأخوة الذين يعيشون معنا في وطن واحد، وحتى فوق أرضنا أنتم ضيوف علينا أو أي كلام من هذا القبيل.

بل نقول على الرحب والسعة في وطن واحد آمن ومزدهر، فأنتم أخوة أعزاء لنا نقاسمكم مالنا وملكنا هكذا نحن، فتعلموا أنتم ذلك أيضاً والفظوا بشجاعة كلمة الكرد، وتعلموا العيش معهم أخوة متحابين في الله والوطن، وسأستشهد هنا على ماذكرت بقول لعبد الله أوجلان الذي قال منذ سنوات: إذا تحررت كردستان تركيا وشعوبها، فسموها ماشئتم، سريانستان، أرمنيستا، عربستان…الخ، لايهم، بل المهم هو تحريرهذه الشعوب من نيرالعبودية ودرك الحياة اللاإنسانية.

وهكذا سوف لن يغمض لأحد جفن ولن يهدأ لأحد بال ولا قرار، بل ستبقى المنطقة – إن لم تحل مشكلة الشعب الكردي ولم يعترف بحقوقه المشروعة- تمورفوق بركان من الرماد والنار….

لاسمح الله..!.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…