تساؤلات شفهية

د.

كسرى حرسان

لماذا ينضم الكورد اليوم إلى قطيع أعدائهم التاريخيين؟.

إذا افترض أحدنا أن التآمر والعَداء القاتم حيال الكورد وقضاياهم أمرٌ طبيعي ومسلم به – مما لاشك فيه أن محور سياقنا هنا هو مجال التعامل مع العنصر الكوردي في سوريا المراحل المنصرمة المبني أركاناً على الأسس العنصرية – إذا سلمنا بهذه الفرضية على أنها واردة الوجود فما هو الوضع غير الطبيعي المثير للتململ والاشمئزاز في هجرة الشعب الكوردي من منطقتهم المسالمة، منطقة الجزيرة، إلى أوطان الاغتراب بتأثير ظروف المعاناة والمعيشة الشاقة والقاسية.
ونتساءل هنا من هو العدو اللدود في هذه المرحلة لهذا الشعب الذي جعله يرزح بالغداة والعشي تحت وطأة نكاله الأليم؟، مع أن هذه الربوع مرابع الخير والسلم والعطاء.
لماذا يخيّم الشقاء الأبدي على هذه الديار حتى ليصبح شيئاً في الذاكرة لا ينسى؟،.

لِمَ نتجاهل تاريخنا المليء بالآلام؟، لِمَ نتصرف كالسفهاء الذين لا يهتدون إلى السلوك السوي؟.
ماذا يستنتج القارئ من عجينتنا المتكيفة الأشكال؛ السلسة الطيعة في جميع الأحوال، حتى ولو دعا ذلك إلى الإساءة لكيانها المباشر ووجودها في التالي؟، هل هي الرضا، أم التسليم الممض، أم التسكع والانتهازية المتذرعة؟.
كيف تتبدى آنئذ ملامح الوجه الكوردي الذي أريق ماؤه وازداد كلحه شيئاً فشيئاً آنة بعد أخرى؟، واشتدت هذه القتامة أكثر فأكثر حين تحول الوضع السكاني للكورد من كم الأغلبية إلى حالة الأقلية الهامشية في الميزان الديموغرافي، ولهذا الأمر ما له من آثار عكسية غاية في السوء.
فمن المعلوم أن للقضية الكوردية كنظيراتها حاجاتٍ ومستلزمات مغايرة لِما نتوهم أو نوهم به هذا الشعب المهيض؛ فالأزمة، ونحن في سوريا، تستدعي منا أن نُظهر قضيتنا كمادة اختبار ناجحة لإثبات الهُوية وإبراز الدور النضالي المنوط بنا أسوة بغيرنا في الشريحة السورية، وإن هذا هو ما كان سوف يؤهّبنا ككورد لأفضل حالاتنا للعب دور مصيري حازم، ولكن ينبغي أن نعترف ونسلم تسليماً كاملاً بأن واقعنا الذي نرسمه بأيدينا حتى الآن هو غير ذلك تماماً، أي أن ما نوصي به يظل محض أحلام يقظة نُمني بها أنفسنا، فيظل الكلام في هذا الصدد ضرباً من المحال الذي لا طائل تحته.
وعذراً إذا استعرضت ذاكرتي أحياناً سيرَ العظماء، لأننا مفطومون من هذه الحوادث الفخمة، فقد تذكرت حَدَثاً نكشة بهذه المناسبة استقيته من التاريخ، حينما عرض الملك الفارسي على الإسكندر الكبير- وكان الأخير يحاصر مدينة صور- عرضاً مغرياً وهو أن يتنازل له عن نصف إمبراطوريته مقابل عمل معاهدة صلح.
وقد فكر أحد قوّاد الإسكندر المدعو (بارمينو) بأن هذا العرض مقبول وقال: ((إنني أميل أن أقبل هذا العرض لو كنت الإسكندر))، فقال الإسكندر في ردّه عليه: ((وأنا أميل لقبوله كذلك لو كنت بارمينو)).

أي أنّ من الضروري والواجب أنْ يلزم واحدنا الجانب المهيب وقاية من الزلل والعطب، لأن الصواب فتكةٌ سديدة لا ضربة مندل في قراءة الآتي.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لقد كان حلم السوريين أن يتوقف نهر الدم الذي فاض وارتفع عداده ومستواه، تدريجياً، طيلة العقود الأخيرة، أن يُفتح باب السجون لا ليُستبدل معتقل بآخر، بل ليُبيّض كل مظلوم مكانه، أن يتحول الوطن من ساحة للبطش إلى حضن للكرامة. لقد كان الأمل كبيراً في أن تؤول الأمور إلى دولة ديمقراطية، تُبنى على قواعد العدالة والحرية والكرامة، لكن هذا…

صالح جانكو حينما يتوهم القائمون على سلطة الأمر الواقع المؤقتة بأنهم قد شكلوا دولة من خلال هذه الهيكلية الكرتونية، بل الكاريكاتورية المضحكة المبكية المتمثلة في تلك الحكومة التي تم تفصيلها وفقاً لرغبة وتوجهات ( رئيس الدولة المؤقت للمرحلة الانتقالية)وعلى مقاسه والذي احتكر كل المناصب والسلطات و الوزارات السيادية لنفسه ولجماعته من هيئة تحرير الشام ، أما باقي الوزارات تم تسليمها…

خالد جميل محمد جسّدت مؤسسة البارزاني الخيرية تلك القاعدة التي تنصّ على أن العمل هو ما يَمنحُ الأقوالَ قيمتَها لا العكس؛ فقد أثبتت للكُرد وغير الكُرد أنها خيرُ حضن للمحتاجين إلى المساعدات والمعونات والرعاية المادية والمعنوية، ومن ذلك أنها كانت في مقدمة الجهات التي استقبلَت كُرْدَ رۆژاڤایێ کُردستان (كُردستان سوريا)، فعلاً وقولاً، وقدّمت لهم الكثير مما كانوا يحتاجونه في أحلك…

ريزان شيخموس بعد سقوط نظام بشار الأسد، تدخل سوريا فصلًا جديدًا من تاريخها المعاصر، عنوانه الانتقال نحو دولة عادلة تتّسع لكلّ مكوّناتها، وتؤسّس لعقد اجتماعي جديد يعكس تطلعات السوريين وآلامهم وتضحياتهم. ومع تشكيل إدارة انتقالية، يُفتح الباب أمام كتابة دستور يُعبّر عن التعدد القومي والديني والثقافي في سوريا، ويضمن مشاركة الجميع في صياغة مستقبل البلاد، لا كضيوف على مائدة الوطن،…