جنيف 2 محطة انطلاق عملية سياسية تحقن دماء السوريين

افتتاحية الوحـدة*

بعد جهود دولية مكثفة، تمكنت مجموعة الدول(5+1) من التوصل إلى اتفاق مبدئي مع إيران بشأن ملفها النووي يقضي بالسماح لها في تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.5% للأغراض السلمية والطاقة، لتصلَ نسبتها بعد ستة أشهر من توقيع الاتفاق إلى الصفر، وتعهّدِ إيران بالسماح لمفتشي هيئة الطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة بزيارتها أية لحظة يشاؤون ووضع برنامجها النووي تحت الرقابة الدولية مقابل تخفيف شدة الحصار ورفع العقوبات الاقتصادية عنها بالتدريج، والإفراج عن مبالغ وأرصدة مالية إيرانية مجمدة في بنوكها وصلت قيمتها إلى 4.2 مليار دولار.
إنّ حلّ الملف النووي الإيراني لهو على صلة وثيقة بالقضية السورية المستعصية ، ليصبحَ مدخلاً وشرطاً يحقق مصالح الجميع كلٌّ حسب قوته ونفوذه لإيجاد حلٍّ سياسي لهذه المأساة ووقف الحرب العبثية التي أزهقت أرواح أكثر من مئة وخمس وعشرين ألف إنسان على مدى ما يزيد عن 32 شهراً ، ودمرت سوريا واقتصادها وهجّرتْ الملايين منها – داخل البلاد وخارجها – ليعانوا مأساة إنسانية حقيقية يتحمل نظام القتل والاستبداد والمجتمع الدولي وبعض الدول الإقليمية مسؤوليتها، هذه الحرب التي باتت تهدد المنطقة بحريق قد تخرج عن نطاق السيطرة والتحكم وتتسببَ في كوارث لا يمكن التكهن بنتائجها على مستوى المنطقة والعالم.
انطلاقاً من هذه المعطيات والمخاوف والهواجس وتحقيق هدف إضعاف سوريا وإنهاكها اقتصادياً، إضافة إلى تقاسم مناطق النفوذ بين الأقوياء وضمان مصالحهم على الخارطة الدولية انطلاقاً من الساحة السورية، فقد تم التوافق بين الأطراف الرئيسية الدولية منها والإقليمية التي تتحكم بالصراع وتدير دفته على ضرورة عقد مؤتمر جنيف2 على أساس بيان جنيف1 ، لتحضره وفود المعارضة والسلطة ودول الجوار من ضمنها إيران التي أعربت عن استعدادها لحضوره فيما إذا وجهت إليها دعوة رسمية، كما وافقت كلٌّ من سلطة القمع والاستبداد السورية ومعظم أطياف المعارضة أيضاً على حضوره، حيث تمّ تحديد يوم 22 كانون الثاني 2014 موعداً لعقده.
لقد أكّدَ حزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا مراراً ولا زال على ضرورة نبذ لغة العنف والدعوة إلى الحوار والحل السياسي منذ بداية الأحداث الدموية وبُعَيدَ نزوع الثورة السورية السلمية نحو العسكرة والتسلح الذي يتحمل المجتمع الدولي جزءً من المسؤولية إضافةً إلى بعض الدول الإقليمية وأحزابٍ من القوى الإسلامية السورية، ، وهو يرى أن الحل السياسي عبر مؤتمر جنيف2 برعاية دولية هو السبيل الوحيد والممكن لحقن دماء السوريين وإيقاف رحى العنف التي تفتك بأرواحهم كل يوم وكل لحظة، وحرصاً على أرواح أبنائنا وبناتنا ، من المأمول التصرف بمسؤولية إزاء هذا الحدث الكبير كونه يتعلق بأرواح وممتلكات الناس ومستقبلهم، وعدم التعامل بردود أفعال وتشنجاتٍ لا تجلب سوى المزيد من الموت والخراب والويلات!!..
كما أكّدتِ التجربة العملية طوال الفترة المنصرمة من عمر الثورة التي دفعَ الأبرياء ضريبتها ولا يزال ، أن العنفَ والقتل لا يصلحان حلولاً لقضايا الشعوب المناضلة في سبيل حقوقها وحرياتها.

ففي ظل موازين القوى والاصطفافات الدولية والإقليمية حول المسألة السورية وتداخل وتشابك مصالحها، لا يمكن لطرفٍ إنهاء الطرف الآخر وإحراز النصر عليه، وبالتالي يغدو الاستمرار في خيار العنف ضرباً من ضروب العبث الذي يخلف المزيد من الدم والدمار.
إن حضورَ المعارضة الوطنية السورية مؤتمر جنيف2 – فيما إذا تم عقده في وقته المحدد – وعلى أساس بيان جنيف1 الذي اختلفت التأويلات والتفسيرات حول بعض بنوده ، لكنه يكفل بوضوح لا لِبسَ فيه وقف العنف وعودة الجيش إلى ثكناته وإطلاق سراح السجناء والموقوفين والسماح بوصول المساعدات الإنسانية والأغذية للمواطنين…إلخ، هو موقف صائبٌ ويحتاج إلى الدعم والتأييد والجدية من لدن كافة الأطراف، وإنَّ التمسك بالثوابت الوطنية التي خرجتْ جموع الشعب السوري لأجلها وهي حرية الشعب وكرامته، ومطلبه المحقِّ في تفكيك أسس ومرتكزات الدولة الأمنية وإزاحة نظام الاستبداد وبناء دولة ديمقراطية برلمانية تعددية على أنقاضها، تضمن الحقوق القومية المشروعة لشعبنا الكردي وفقاً للعهود والمواثيق الدولية ولوائح حقوق الإنسان في إطار وحدة البلاد، وتكفل الحريات العامة والخاصة وحقوق الأديان والمذاهب المختلفة في ممارسة شعائرها وطقوسها بكل حرية… وغيرها من القضايا الأساسية، يجب أنْ تتصدرَ سلّمَ الأولويات لدى قوى المعارضة.

وإنّ تكاتفَ وتعاضد القوى السياسية الفاعلة والوقوف صفاً واحداً، سيساهم في إنهاء هذه الأزمة التي أنهكتْ شعبنا، مع قناعتنا التامة بأن عقد المؤتمر المذكور سوف تكون الخطوة الأولى على طريق شاق وطويل وستعترضه الكثير من العراقيل وتواجهه الكثير من المعوقات الجدية التي لا يمكن التغلب عليها دون الاحتكام إلى العقل ومبدأ الشراكة الوطنية وأسس الديمقراطية .

وفي هذا السياق تبرز أهمية وإيجابية رؤية المجلس الوطني الكردي في تمثيل حركتنا السياسية بمؤتمر جنيف2 ، فإذا ما حضرت أطياف المعارضة السورية بوفد واحد سيتم انضمام الوفد الكردي إليه ، أما إذا حضرتْ بأكثر من وفدٍ فمن واجب وحق الكُرد الحضور ككتلة موحدة باسم المجلسين أو باسم الهيئة الكردية العليا.

وفي كلِّ الأحوال، يبقى الخيار الأمثل هو اتفاقُ ممثلي الكردِ على رؤية سياسية موحدة تلبي طموحات شعبهم في حريته وصيانة كرامته.
أما في الشأن الكردي العام، فقد شهدت الفترة الماضية أحداثاً مقلقة ومؤسفة بشأن العلاقات الكردية – الكردية، خصوصاً بعد الزوبعة التي أثيرت وعكرت الأجواء بين حزب الاتحاد الديمقراطي PYD والحزب الديمقراطي الكردستاني- العراق وأدتْ إلى إغلاق المعبر الحدودي غير الرسمي بين سوريا وكردستان العراق الفيدرالية مما تركتْ أبلغ التأثير على الوضع في مناطقنا الكردية وانعكست سلباً على العمل المشترك بين المجلسين الكرديين ( الوطني وغرب كردستان ) وعلى الهيئة الكردية العليا التي كنا ولا نزال بأمسّ الحاجة إليها في هذه المرحلة كي تمثلَ إرادة شعبنا الكردي في المحافل الدولية والإقليمية.

ونرى بأنه يجب التغلب على العراقيل التي تعتبر ثانوية أمام خطورة القضية التي تنتظرنا وحساسية الظرف الموضوعي الذي نمرّ به، آملين تضافر كلّ الجهود الخيرة لإعادة العلاقات بين الأشقاء إلى أفضل حالاتها، مؤكدين أن لغة التخوين وإثارة العداوات بين الأشقاء لاتخدم القضية بل تزيد الوضعَ تعقيداً والصفوف تشتيتاً أياً كان مصدرها.

من جهة أخرى، إن إقدام ائتلاف قوى المعارضة السورية على إصدار بيان بخصوص إعلان الإدارة الذاتية المرحلية تفوح منه رائحة الشوفينية والاستعلاء القومي التي لا تليق بمنْ سوف يقودون سوريا الغد، في حين أقدمت داعش على تفجير مروّع في مدينة القامشلي وقبلها في كوباني راح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى المدنيين ووقعت أضرار مادية كبيرة ، لم يٌصدِرْ الائتلافُ بيانَ إدانة بحق هذه الجرائم النكراء وسابقاتها، وإن هذا التجاهلَ المقصودَ لجرائم المجموعات المسلحة وتنظيم داعش وغيرها من حصار خانق وهجماتٍ غادرة على المناطق الكردية تبقى موضع تساؤل!.

* جريدة الوحـدة – العدد / 244 / – الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…