يتحدث ” موغنتارو ” في كتابه ” قتل أمة” عن الذهنية التركية, القائمة على الاحتقار المطلق لجميع العروق البشرية, ونظرة الأتراك الدونية إلى الآخر, فالتركي في تعريف موغنتارو ” متنمر وجبان ..
كالأسد عندما تسير الأمور على ما يشتهي, ولكنه خنوع وخسيس وواهن الأعصاب عندما يتكالب أعداؤه ضده “, ولعل بعض أسرار الذهنية التركية تكمن وفاقا لمقاربة موغنطارو لها في فسق الطبيعة النفسية التركية وفسادها, وخصال العنصر التركي العرقية المتأخرة ووحشيتهم الدموية, يبدو التركي الذي يكتب عنه السفير الأمريكي ذاك في بدايات القرن العشرين كائنا غريبا عن عالمه, وكأنه يعيش مرحلة بداوته المحكومة بملاحقات المغول, هل هنالك إذن عقدة تاريخية ما ثاوية في لاوعي التركي اليوم, وتوجه سلوكه العدواني الإقصائي؟.
ونحن لا نستغرب لجوء سليلي ذلكم العقل المتهافت (هنالك أتراك جديرون بكل احترام طبعا, ولكننا نقصد المؤسسة العسكرية, والتيار الإقصائي العريض في الشارع التركي, الموجه بالأحزاب ووسائل الإعلام الاجتثاثية) إلى تسميم أوجلان, فإضافة إلى جرائر السلاطين, ومن بعدهم أعضاء الاتحاد والترقي بحق الأرمن والسريان, ونفض تركيا منهم, هنالك تراث هائل من الاجتثاث التركي داخل أروقة السلطة, وبقراءة سطحية لكتاب الأمير الكوردي شرفخان البدليسي “شرفنامه” حيث يعرض لعدد غير قليل من إطاحات السلاطين بالدائرة العائلية المقربة ابتداء من الأخوة خوفا على العرش, نخلص إلى أن الذهنية السياسية والعسكرية الحاكمة في تركيا هي ربيبة ذلكم التراث لا بل منطلقة منها بشكل لا لبس فيه.
تسميم أوجلان الممنهج, لا يمكن له أن يتم دونما تفويض صريح ومباشر من مراكز القرار التركية اليوم, وهي عملية ثأرية, ومستندة إلى أسس ثأرية لا غير, فقرار المحكمة التركية, القاضي بإعدام أوجلان, اصطدم حينها بضغوط دولية على الحكومة التركية, ألزمتها بإلغاء عقوبة الإعدام, وشكل ذلك حظا عاثرا للطورانيين, الذين لم يتقبلوا وجود عدوهم الذي قض مضاجعهم على قيد الحياة, وذلك ما جعلهم ينسجون له في الخفاء سيناريو آخر للتخلص منه, وهذا ما اتضح بعد ذلك المؤتمر الصحفي لمحاميه في العاصمة الإيطالية روما, حين أعلنوا على الرأي العام خبر تعرض موكلهم للقصاص التركي الانتهاكي, في سيناريو استعادي لما كان يجري في البلاط العثماني قديما.
لم يك ثمة مبرر لذلك, فالرجل هو المعتقل الوحيد في ذلك السجن, على تلكم الجزيرة / السجن (إيمرالي : غوانتانامو تركيا) والرجل يخاطبهم منذ اعتقاله وإلى الآن بلغة الاقتراحات ولغة الحمام ولغة المنطق, الذي يهجس بمستقبل مضيء لسائر مكونات تركيا, خال من الخطوط الفاصلة في العرق والثقافة والتاريخ والمخيال الاجتماعي, وليخلص تركيا الغد من جميع الخطوط المتعرجة والمتداخلة والضبابية, وبالتالي الاشتباك بلا قواعد أو ضوابط, والرجل بحسب ما يسربه محاموه فوت كل لقاء به لا يريد جدران وأسوار حقيقية أو مجازية بين سائر مكونات تركيا, ولكن اقتراحاته ومبادراته ومبادرات حزبه كانت تجابه على الدوام بالتجاهل والتنكيل بها من قبل سلاطين أنقرة الجدد, التصعيديون والمستفيدون الوحيدون من قتله.
جمهورية مريضة كتركيا, لا يمكنها إنتاج ظواهر صحية, ولا يمكنها أيضا إنتاج الحلول الخلبية, ومحاولة الناطق الحكومي التركي المثير للسخرية والقيء استعادة بعض المصداقية بعد مؤتمر محامي أوجلان الصحافي في روما كشف عورات تركيا أكثر, إذ كيف يعرف هذا الوزير التركي الأخرق أن لا صحة لخبر تسميم أوجلان وحكومته لم تكن أرسلت بعد أي طبيب إلى سجن إيمرالي, وحتى وإن أرسلت لاحقا مجموعة أطباء إلى السيد أوجلان, إلا أنهم غير قادرين على إقناع أحد, فالطيور التركية على أشكالها تقع, و “من فمك أدينك” أيها الوزير الأخرق.
التداعيات الصحية لتسميم أوجلان, ستكون القشة التي ستقصم ظهر البعير التركي سياسيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا, فمن شأن ذلك إيقاف محاولات خلق حالة تعايش مستحيلة أصلا بين الكورد والأتراك وعودة حزب العمال الكردستاني عن هدنته الأحادية, وتصعيد عملياته في شمالي كوردستان والمناطق التركية, كردة فعل من طبيعة الفعل التركي نفسه, في ظل صمت يغلف كبريات عواصم القرار العالمية, حول الموقف من الحدث الأخير المتعلق بصحة أوجلان, سيضع تركيا على مذبح الفوضى مجددا, ومن شأن ذلك إراقة الاستقرار المفترض في تركيا, ذلك الاستقرار المتبجح به من قبل الطغمة العسكرية ما يضع تركيا في مهب التناحر الداخلي / الكارثة.