لكم «جنيفكم» ولنا ثورتنا

صلاح بدرالدين

ليس رفضا لمبدأ الحل السياسي للأزمة السورية فقد انتفض السورييون بالأساس سلما وعبر المظاهرات الشعبية ورفع الشعارات من أجل التغيير والإصلاح والاحتجاج على الظلم وانتزاع الحرية وصون الكرامة ولكن بحثا عن حل سياسي يحقق الأهداف ويستجيب لحجم التضحيات الجسام ومانستشفه الآن من سير الأحداث ومواقف الأطراف تجاه مؤتمر جنيف2 لايطمئن البتة فالأول ومايحضر للثاني يتم من دون إرادة السوريين أصحاب القضية أولا وآخرا بل كمحصلة لتفاهمات دولية – إقليمية حول مصالحها الخاصة وقد تنعكس النتائج وخيمة على قضية الثورة والتغيير وطوق نجاة للنظام الحاكم ورموزه وأدواته ورؤوس سلطته الجائرة الموغلة في اقتراف جرائم إبادة السوريين وتدمير مدنهم وقراهم وبث الفرقة المذهبية – العنصرية في صفوفهم .

الأجندة الخارجية في أسس ومضمون التوافق الدولي – الإقليمي حول جنيف 2 تختلف بدرجات كبيرة عن طموحات السوريين فهو يهدف الى تجيير القضية السورية لإزالة قلق إسرائيل حول القدرات العسكرية السورية مستقبلا وحل المسائل الإشكالية بين واشنطن وموسكو المتعلقة منها بالأسلحة الاستراتيجية وأوروبا ومناطق النفوذ الاقتصادي والسياسي وتقاسم المواقع والتسليم بالدور الروسي في تسيير الشؤون العالمية وتهدئة الساحة الفلسطينية حسب وجهة نظر إسرائيل وحل الخلاف مع ايران على قاعدة التوازن المصلحي بين الدولتين العظميين الى درجة ابرام الصفقة التاريخية التي ستكفل ضمان الدور الإقليمي للجمهورية الإسلامية الى جانب الطرفين الآخرين ( إسرائيل وتركيا ) وفرض الحل السوري على قاعدة – لاغالب ولامغلوب – والحفاظ على جوهر النظام السياسي القائم ومؤسساته وقواعده وترحيل مسألة التغيير وإزالة النظام الى المستقبل المجهول واعتبار الحالة السورية بماهي صراع بين الشعب وثورته من جهة ونظام الاستبداد من الجهة الأخرى بمثابة صراعات محلية مذهبية واختزالها بقضية جماعات إرهابية مسلحة مع التجاهل الكامل لحقيقة وشرور إرهاب الدولة المستبدة .
اذا كان موقف النظام واضحا ولم يتزحزح منذ مبادرة الجامعة العربية وكوفي عنان وانتهاء بالوساطة غير النزيهة للابراهيمي فان موقف – المعارضات – يعزز الإرادة الخارجية لمضيها قدما نحو تحقيق ماتم الاتفاق عليه بين أمريكا وروسيا فالشغل الشاغل لها البحث عن الحصص والمقاعد وليس عن موقف الشعب وارادته وكيفية استثمار المؤتمر – بعد الموافقة الجماعية على الحضور – لمصلحة أهداف الثورة فرئيس – الائتلاف – الذي جيء به أصلا لمثل هذه الأيام وتنفيذ مايملى عليه تدرج في مواقفه خلال ثلاثة أسابيع أفقيا وحلزونيا يمينا ويسارا بين الرفض والشروط ثم التراجع والمراوحة الا أن انتهى به المطاف الى أكثر المهللين لجنيف2 ومابعده أما – هيئة التنسيق – فحدث ولاحرج حيث ظهر أنها هي من اقترحت جنيف منذ أعوام وأن لها الأفضلية في تمثيل – المعارضة – هناك لأنها وطنية مستقلة بعكس – الائتلاف – الملحق بعواصم الإقليم والعالم أما – قيادة أركان الجيش الحر – فشاءت الحفاظ على ماء الوجه بتصريح ناري ظاهري ودعم رئيس الائتلاف في مسعاه من طرف خفي من دون الرجوع الى ما تقرره قوى الثورة وتشكيلات الجيش الحر والبناء عليه لاستمرارية الكفاح والتهيئة للمراحل القادمة .

ليس سرا أن ثورات الربيع الشبابية المنشأ والوقود والقيادة قد تعثرت في تونس ومصر واليمن وليبيا ولكنها لم تخفق وهكذا الحال في بلادنا بالرغم من تحدياتها المضاعفة فقد جدد الحراك الشبابي بمصر وليبيا ونسبيا بتونس باحتضان شعبي ثورتهم على ( الثورة ) عندما اقتضت الحاجة أمام محاولات جماعات الإسلام السياسي في أخونة الدولة والمجتمع والسيطرة بقوة السلطة على القرار والمصير وتهديد من يخالف أو يعترض والذين تصدروا ثورتنا منذ الأيام الأولى واخترقوا جدران الخوف وحولوا الانتفاضة الى مقاومة وثورة وأبلوا البلاء الحسن بإمكانهم استكمال المسيرة والحفاظ على إلمكاسب والإنجازات والانتقال الى مرحلة جديدة في استكمال شروط إعادة تعزيز صفوف الثورة وتوفير أسباب الاستمرارية والتحضير لمرحلة مابعد الاستبداد ولاشك أن شعبنا المعطاء كفيل بفرز العناصر البشرية المفعمة بحب الوطن والزاخرة باالعقول النيرة والخبرات والمهارات في ظروف السلم والمقاومة وإعادة البناء .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…