المبادرة الثقافية لكرد سوريا

حواس محمود

أقدم هذه المبادرة للنقاش الواسع لكل المتابعين والنشطاء والمراقبين ومهتمي الشأن العام ، للخروج من الأزمة الكردية الراهنة المزمنة ، أزمة الوعي وأزمة الهوية وأزمة الايديولوجيا وأزمة التسلح وأزمة الاجندات المختلفة ، نحو القرار الوطني الكردي المستقل ونحو التشارك المدني الديموقراطي مع جميع مكونات الشعب السوري .

يعترف ويدرك الكثيرون من الكرد مثقفين ونشطاء سياسيين وحقوقيين ولجان شبابية وقطاعات فنية ودينية متنورة وإعلاميين وقسم من المنضوين في قواعد الأحزاب الكردية ، بأن الواقع الكردي الراهن لا يحسد عليه من الخلافات والصراعات الحزبية الكردية – الكردية والتي تأتي من عدة عوامل أبرزها صراع الأجندات الاقليمية والدولية على الأرض السورية ومنها على المناطق الكردية
ورغم هالات وأطر شكلية من الاتفاق الكردي الكردي السابق ، لكن ثبت أن هذا مظهر يخفي الجوهر، وسطح لا يظهر الأعماق، وقشرة لا تلامس البذرة.


حالة من البؤس الكردي تجسدت بالنزيف الكردي والصراعات المجانية التي تخدم النظام، وكانت الهجرة والفقر والعوز وغياب الأمن، والأمان الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ، واتجه المجتمع للعسكرة غير الجامعة والموحدة، تحولات سريعة مضرة بالبنية الكردية الاجتماعية لا تدعو للتفاؤل قطعا، رغم الهالات التبشيرية المغلفة بالأدلة التفاؤلية المتورمة والمتضخمة تماما كما كان البعث يروج لأفكار مماثلة فكانت النتيجة دمار البلاد والعباد  ومغادرة البعث إلى مزابل التاريخ غير مأسوف عليه .


ومن موقعي ككاتب وباحث كردي من سوريا، أرى ضرورة تحرك سريع وعاجل لخطوة لا تكون جزئية متعلقة بفئة محددة أو بشريحة معينة أو بقطاع ما من المجتمع الكردي، إنما خطوة شاملة جامعة ململمة للوسط المثقف والإعلامي والمتنور لتشكيل رأي عام كردي كاسح، لكي لا نضيع الفرصة التاريخية ونستجيب للحالة الاستثنائية الكردية.


كنا نقول ولا زلنا أن الأحزاب الكردية لا تستطيع أن تحافظ على المصلحة الكردية أو تحققها من دون العقل الثقافي التنويري، وللأسف هو غائب لا بل مصادر وملغى بقصد قاصد وقدرة قادر ايديولوجي لمصالح ضيقة أنانية، لا تخدم المصلحة الكردية، ولا المصلحة السورية العامة، بالخلاص من الدكتاتورية وبناء منظومة علاقات متقدمة مع الطرف العربي السوري، والخروج من اطر التفكير التعصبي القومي الانغلاقي لكل القوى ذات المرجعيات القومية والدينية والمذهبية، إلى فسحات التعايش الحضاري المشترك بموجب دستور عصري جديد يلبي طموحات الكرد وكل السوريين بالكرامة والحرية والعيش المشترك في سوريا ديموقراطية تشاركية حرة مستقرة آمنة .

  
لذا فإنني اطرح المبادرة الثقافية للمناقشة، وتتلخص بتشكيل إطار جامع كبير ثقافي فكري كردي ، يشارك فيه جمع غفير من باحثين ومفكرين وكتاب وإعلاميين ورجال دين متنورين وفنانين وحقوقيين وكل القطاع الفني والثقافي للعمل كخلية نحل نشطة سواء من خلال الانترنت وبرامجه المتعددة تويتر يوتيوب فيسبوك ومواقع الكترونية والوصول مستقبلا بعد نجاح الفكرة إلى إنشاء موقع الكتروني ضخم مستقل بمساعدة بعض الميسورين الكرد أو بجهود هؤلاء النشطاء .


وعلى الأرض بالتركيز على الإستقلالية وضرورة تنوير الرأي العام الكردي بجسامة الوقوع في الخطأ الجسيم الذي تقع فيه الأحزاب الكردية، وتجنيب الكرد ويلات الأيام والشهور والسنين القادمة ، وتنوير الشعب والتوضيح أن مصائر الشعوب ليست لعبة تجريبية بيد  قوى تدعي تمثيلهم وأن التاريخ لن يعود للوراء وأن للكرد من التجارب ما يكفي لأخذ العبرة والدروس الكافية، بعدم التكرار القاتل لتلك الأخطاء
الحقيقة اتلمس بوضوح وجود رأي عام كردي لكنه مشتت وغير مؤتلف وغير جامع يدعو للتفاؤل ، لكنه يحتاج إلى التأطير ولو غير التقليدي.
للأسف لا يدرك المثقف قيمة قيمه وفكره في تشكيل الرأي العام، وللأسف المثقف الكردي في غالبه لم يصل بعد إلى الإدراك أن انتظار الأحزاب والمؤدلجين
لن يفيد الكرد بشيئ ، وهذا الإنتظار كمن يركض وراء السراب، وأن كل كتابة ثقافية أو سياسية منفردة لن تصب في عملية تشكيل رأي عام كردي ضاغط ، رغم ضرورة وأهمية تلك الكتابة.


ولا مبرر للتهرب من لعب دور نهضوي كردي فاعل عبر كافة وسائل الإعلام والاتصال المتاحة بحجة غياب الإمكانات المادية، الإمكانات الفكرية والإعلامية هي الأساس وهي متوفرة ، وتحقيق المبادرة بالائتلاف الفكري حول المشترك الكردي وخلق الأجواء السيكولوجية للتلاقي هو الأهم والأكثر إلحاحية من التفكير في وجود ممول أو جهة داعمة ، فهذا يأتي بعد تحقيق الفكرة لا قبلها، وطالما بقي التفكير الكردي قاصرا بهذا الصدد فهو لن يصل إلى لعب دور توعوي نهضوي، وحتى إن امتلك ناصية التمويل فالعلة بالفكر لا بالمادة بالروح لا بالجسد بالإراداة لا بالحالة.


المبادرة تدعو المثقف الخروج من أجواء الصدمة إلى مناخات الصحوة واليقظة
نحن أمام مفصل تاريخي حساس فان لم نتحرك ولو على مستوى الوعي فان قطار الأزمات سيجرفنا إلى الضفة المهملة من التاريخ .


أدعو كل إخوتي وزملائي من جميع القطاعات التي لها دور في الوعي والتنوير إلى التحرك إلى عمل إطار عام غير تقليدي مفتوح وشفاف – بشرط الارتفاع بسوية التخاطب بعيدا عن الحزبية الضيقة أو التجاذب الايديولوجي أو الشتائم والسفاسف الدونية والسوقية الساقطة – يكون وظيفته الأساسية التنوير والوعي ولا ينافس أي جهة حزبية أو مؤسساتية، سيكون هذا الإطار إطارا فيه فضفاضية كبيرة لصالح الابتعاد عن القوقعة المؤسساتية وهو سيكون بمثابة الجسم الثقافي العام الذي لا يتعلق بفئة محددة مثلا كتاب أو موسيقيين أو فنانين أو محامين أو إعلاميين أو حراك شبابي ،سيشملهم كلهم دون استثناء، سيكون له هامش انفتاحي كبير جدا وهو ضروري لإنقاذ شعبنا الكردي من الخطر القادم .


أرجو من الإخوة المعنيين الأخذ بهذه المبادرة ومناقشتها بجدية تامة، وعدم تركها وبالتالي ترك مصيرهم للجهلة والفاسدين وتجاوز الأزمات والصراعات الايديولوجية وحتى النزاعات المسلحة، الطاقات موجودة وممكن أن تتلاقى والإطار الجديد لن يكون له أي خلاف مع أي جهة، ما قلنا فقط مهمته جامعة  وتنويرية ، (لنتذكر أن حركة تمرد المصرية انطلقت من خمسة أشخاص في مصر)
عندما نرى الخلافات الكردية ماثلة أمامنا نتفرج ونصمت، هذا التفرج، هو الذي سيتحول إلى وحش كاسر سيهزمنا جميعا، كلنا مسؤولون وكلنا معنيون وكلنا نتألم ومن حق الكل أن يتحدث، وبخاصة الفئة المتنورة فلماذا الصمت والبلد يحترق ؟!
أنا اقترح اسم لهذا الإطار الجبهة الثقافية لكرد سوريا، وممكن أن يقترح المناقشون أسماء أخرى وممكن أن تتغير المبادرة أو تتوسع ، لا يهم، المهم الوصول إلى قناعة بضرورة التحرك الثقافي العام، الكل مطالب به حسب قدراته وطاقاته، ومثلا لو تحرك مئة شخصية كردية ناشطة اعلاميا وقررت اصدار بيانات للتوعية بشكل اسبوعي فإنها ستساهم في تغيير الرأي العام نحو الأفضل تاريخيا على مستوى القضية الكردية في سوريا، ومن ثم ستتوسع الدائرة الى نطاقات أشمل وأوسع، وأن تنتهي الثقة الكاملة بأطر تقليدية فشلت في تحقيق الحقوق والمطامح الكردية وفشلت في تحقيق روح التآخي العربي الكردي رغم وجود أصوات شوفينية بين الأخوة العرب تسيئ للموضوع الكردي لكن باتت القضية الكردية محور اهتمام وتفهم الكثير من المثقفين والشخصيات وحتى المؤسسات العربية في سوريا .


أنا أرى أن إطارا مستقلا كبيرا غير مؤدلج هو دواء للشعب الكردي، ولذا ولهذا السبب ونتيجة للظروف الاستثنائية الكردية، هناك ضرورة عاجلة لتحرك قطاعات كبيرة من المجتمع الكردي لإنقاذ ه من المخاطر القادمة .

…………………………………………………

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…