أم على قلوب أقفالها ؟

محمد خليفة

مــن أدونــيــس إلى كــولــيـــت :
هــل تــوجــد مـنــطــقــــة وســـــطـــى بـيـن الــثــورة والــعـــار ..!؟

* سألني مذيع قناة (سوريا الغد) عن رأيي بمؤتمر (كلنا سوريون) الذي انعقد في تركيا مؤخرا ويقف وراءه علويون معارضون لنظام الاسد , فقلت له : بصراحة موقف النخبة العلوية غير مرض حتى الآن, وباستثناءعدد محدود من المعارضين الشجعان أمثال وحيد صقر وتوفيق دنيا ومنذر ماخوس , ما زالت أكثريتهم تلوذ بالصمت على ما يصيب شعبنا على أيدي السفاح وجنرالاته , ومعظمهم للأسف علويون , وكان – وما زال – عليهم الاستبراء منه بكل الوسائل والتحرك في الداخل لا في الخارج .

 أين مظاهراتهم ؟, أين شبابهم ومثقفوهم ؟ لمَ لم نشهد تظاهرة في طرطوس وبانياس واللاذقية ضد القتل والتهجير؟ ثم تساءلت أين هي أصوات ومواقف المثقفين العلويين ..؟ أين أدونيس الذي يكتب باستمرار عن الثورة المصرية ناقدا ومقوما لماذا لم يكتب عن الثورة السورية .؟ أم أنها لا تعنيه ..؟

أجل موقف ادونيس مما يجري في سوريا منذ بداية الثورة مدان ومجلل بالعار لأنه ينم عن شعورغير إنساني , فضلا عن أنه غير وطني .

فالشاعر الذي برمج سلوكه منذ ربع قرن وفقا لمعايير (نوبل) العالمية على أمل الفوز بها يتصرف بعدم اكتراث تجاه الانسان السوري, مطلق انسان .

صمته مريب لأنه يصب في مصلحة السفاح العلوي وحماته الإيرانيين الذين سبق لأدونيس أن قرظ وأصل ثورتهم ذات الطابع الديني عام 1979 , ومع ذلك فهو الآن يتبرأ من ثورتنا لأنها انطلقت من المساجد واكتست مسحة اسلامية .

لقد نسي أطفال درعا أن يعلنوا علمانيتهم قبل أن يكتبوا عبارتهم البريئة على الجدران , ونسيت حرائر دمشق الخروج من البارات والكباريهات..! يبدو أنها غلطتنا التاريخية التي وقعنا فيها جميعا نحن ثوار سوريا !.

في الساعات الأخيرة من عام 2010 كنت في مطار بيروت فصادفت شاعرنا الكبير , حييته وتبادلنا الرأي بسرعة حول الاستبداد وأنظمته الشمولية في بلادنا.

كان (الربيع العربي) في بداياته , تظاهرات تونس احتجاجية مطلبية لم تتحول عاصفة سياسية مدمرة , والمصريون لم يحددوا 25 يناير موعدا لانتفاضتهم .

أعرب أدونيس عن تفاؤل مبكر بشباب تونس , ولكن يبدو لي أنه كان يشترط على رياح الربيع العربي ألا تصل الى مضارب بني أسد في دمشق .

استعدت أدونيس أثناء حواري مع (سوريا الغد) فانتابني ألم ممزوج بالحنق , وبعد ساعات فقط وصلني مقتطف مما قالته أديبة سورية كبيرة على شاشة (الفضائية السورية) فكان وقعه أشد مضاضة من الأول , لأن قائلته هي “أدونيسة” الرواية السورية كوليت الخوري .

شطت العجوز كثيرا في نفاقها , وافتئاتها على شعبنا المسكين الذي قتل الأسد منه حتى الآن نصف مليون وأصاب مليونا , وهجر خمسة ملايين , ودمر 70% من بنيته العمرانية .

ومع ذلك لا تستحي أن تلوك أحط ما يعلكه الاعلام المحنط من مقولات ممجوجة , وتصر على أنها مؤامرة كونية على بشار شخصيا لتشويهه وتصويره كقاتل لشعبه , ولم تنس أن تحمل المسؤولية عما جرى للمتطرفين الإسلاميين الذين جندتهم دول المؤامرة .

بعضنا سيقول ما هي إلا خائنة أخرى أو واحدة من مثقفي النظام المنافقين..

وانتهى الأمر .

اعترف أنه ليس بإمكاني أن أفعل هذا وأقلب الصفحة .

فأنا رغم إدانتي لمواقف أدونيس السياسية أعتز به شاعرا وناقدا ومفكرا , ورغم امتعاضي العميق مما قالته كوليت فإني أفخر بها كأديبة سابقة , وأشعربالألم على نهايتها كما لو أنني أخسر عزيزا .

وانا لم أفاجأ بموقفها لأنني مطلع على سيرتها وسلوكها وعلاقتها بالنظام الطائفي الهمجي منذ روايتها ( أيام مع الأيام ) التي سجلت فيها افتتانها غير المفهوم بحافظ الأسد منذ عام 1975 وصورته مخلّصا ومنقذا لسوريا !.

كوليت ليست أديبة فقط , بل معلم حي من معالم دمشق وقطعة نابضة من تاريخها , ما من مثقف إلا وبهرته روايتها الأولى( أيام معه ) التي صدرت عام 1959 حين كانت نسبة الأمية بين نساء سوريا تزيد على ثمانين في المائة .

رواية جميلة لإمرأة تتحدى قيم مجتمعها المغلقة وتمارس الحرية والتمرد والحب بجرأة وتبوح بمشاعرها علانية .

وإذا أضفنا لذلك أن الرواية تسجل وقائع علاقتها الواقعية بنزار قباني الشاعر الدمشقي العاشق الثائرعلى تلك القيم أيضا سندرك حينها أننا أمام عمل يعادل تأريخا لثورة عاطفية وأدبية لمتمردين دمشقيين رائدين في مرحلة الليبرالية السورية التي صنعتها البورجوازية الدمشقية .

والبطلان فيها من عائلتين دمشقيتين بورجوازيتين عريقتين طبعتا بصماتهما بقوة على قرن كامل من تاريخ سوريا الأدبي والسياسي , فنزار حفيد رائد المسرح أبي خليل القباني , وكوليت حفيدة فارس الخوري أحد أعظم رجال السياسة الوطنية .

وبينما ظل نزار للنفس الأخير من حياته مناهضا للهمجية التي جسدها نظام الأسد , متسقا مع أصوله ووفيا لقيم الحرية والليبرالية والثورية التي مثلها, عاشقا لدمشق الأصيلة, فإن كوليت الخوري سقطت سقوطا مهينا, خانت دمشق وتاريخ أسرتها الناصع.

حولت بيتها وهو بيت الاسرة القديم الى( ناد) يومي لرجال النظام وجنرالاته الفاسدين تحت اسم (صالون أدبي) وأخذت تتغزل بالأسد وتمنحه شهادة لا يستحقها, وبدل أن تكون كوليت على رأس أول تظاهرة نسائية وقفت أمام وزارة الداخلية في مارس 2011 للمطالبة بالحرية اسوة بسهير الأتاسي ورفيقاتها البطلات اختارت الكاتبة الفذة حفيدة فارس الخوري وسليلة البورجوازية والليبرالية الوطنية والثقافة الغربية العميقة أن تكون خادمة في مكتب الصبي الأحمق الأرعن الطاغية بشار الاسد باسم مستشارة الرئيس للشؤون الادبية ..

وهل تراه قرأ في حياته سوى تقارير الأمن والحزب ..؟

ما مصلحة سيدة مثلها في الانحياز الجبان لنظام طائفي قرو- سطي.؟ هل هو في كونها مسيحية اصابتها عدوى الفوبيا من الغول السلفي ؟ أم ثقافتها العلمانية المتشددة التي اكتسبتها من المدارس والجامعات اللبنانية والفرنسية ..؟

لا أتصور أن يكون هذا أو ذاك , فقد رضعت كوليت الخوري من حليب الوطنية والأصالة السورية في كنف أسرتها ما يمنحها حصانة دائمة من اللوثات الطارئة .

السبب على الأرجح في نظري يكمن في حب السلطة ونرجسية المثقف وتذبذب البورجوازي , والأهم من كل ذلك هو الخوف من البطش الذي مارسه الاسد منذ بدايته على النخب المدينية التقليدية تحت اسم الرجعية , ولم يدع للأنتلجنسيا السورية سوى أحد ثلاث خيارات أحلاها علقم : إما الاندماج بالنظام , وإما التهميش والانزواء , وإما الهجرة من البلد نهائيا للموت في الغربة .

سنترحم على فارس الخوري مرتين لأننا أهله وهو منا نحن أهل الثورة والنضال الذين حفظنا تراثه الماثور , ونرثي حفيدته الميتة كاتبة الروائع : (ليلة واحدة) و( أنا والمدى) و( دمشق بيتي الكبير) فهي بالنسبة لنا رحلت منذ زمن بعيد جدا وشيعناها منذ 1975 ولا حاجة لتشييعها ثانية حتى ولو كانت تموت كل يوم ميتتة جديدة .

إنها تنتمي لنموذج من الكتاب ليس قليل العدد في التاريخ الأدبي العالمي , فكثيرون يموتون وهم أحياء يرزقون , بمقابل كثيرين يحيون خالدين رغم غيابهم الفيزيائي .

إلا أن فجيعتنا تكمن في أن نسبة هؤلاء في سوريا عالية بين الكتاب والشعراء والنقاد والفنانين : وليد اخلاصي , نزيه ابو عفش , جمال باروت , محمد أبو معتوق , علي عقلة عرسان , دريد لحام , صباح فخري , نجدت أنزور, فراس سواح ,غسان مسعود , أيمن زيدان .

والقائمة ما زالت تطول وأبناء الخيانة يتوالدون ..

إلخ !

هل توجد منطقة وسطى بين الجنة والنار , أو بين الثورة والعار ..؟؟!!


محمد خليفة 
22 / 11 / 2013

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…