المعارضة السّورية تخيّب آمال السّوريين

نارين عمر
narinomer76@gmail.com

ليس هناك معارضة بالمعنى الحقيقيّ للمعارضة في سوريا الأن المعارضين فيها يعتمدون على خلفيّةٍ هشّة من النّواحي المختلفة, ولم يتمكّنوا خلال سنواتٍ مديدة من التّأسيس لمعارضةٍ حقيقيّةٍ شاملةٍ قادرةٍ على استيعابِ واستقطاب مختلف المكوّنات والطّوائف التي يشكّلها النّسيج العامّ للمجتمع السّوريّ, وهم يرجعون أسباب ودوافع كلّ ذلك إلى النّظام الذي أحكم عليهم الأبواب والنّوافذ بالحديد والنّار, وأغلق على عقولهم وأذهانهم بالشّمع الأحمر, فهل هذه الحجج تبرّر لهم تقصيرهم في أداءِ واجبهم وعدم تمكّنهم من خلقِ أرضيّةٍ سليمةٍ وصلبة للمجتمع السّوريّ ككلّ؟
بكلّ تأكيد كان لممارسات النّظام تجاه الشّعبِ السّوريّ بأطيافه ومكوّناته المختلفة التأثير الواضح في الضّغطِ على عدم ظهور مثل هذه المعارضة ولكنّ هذا الأمر لا يعطي للمعارضين السّبب الكافي والقاطع في فشلهم وإدخال الخيبة واليأس إلى نفوس السّوريّين, لأنّ المعارضة القويّة في أيّ بلدٍ تظهر من خلال قوّة التّلاحم بين مختلف مكوّناتها, وقوّة إرادتهم وتصميمهم على بذل المزيد من الوقتِ والجهد, والأهمّ من كلّ ذلك المزيد من التّضحيّات المعنويّة والماديّة والفكريّة, وإذا طبّقنا النّسبة المئويّة من هذه التّضحيّات على عموم معارضي سوريا سنجدها نسبة ضئيلة لا تُقاس بما قدّمته مكّوّنات البلدان الأخرى التي شكّلت أنواعاً من المعارضةِ هزّت الرّأي العام المحليّ والإقليميّ والدّوليّ, وكانت السّبب المباشر والكفيل بإحداثِ تغييراتٍ هامّة وجذريّة في بلدانها وأقطارها.
إذا نظرنا إلى البيئة التي تشكّلت فيها المعارضة السّوريّة ككلّ, والبيئة التي شكّلت المعارضين السّوريّين سنجدها بيئة تفتقرُ إلى الكثير من مقوّماتِ ولبناتِ تشكيل معارضةٍ حقيقيّةٍ ومؤثّرة وذلك طبقاً لانتماءاتهم واتجاهاتهم ومواقفهم السّياسيّة والفكريّة والثّقافيّة والاجتماعيّة:
أوّلاً: العديد من هؤلاءِ المعارضين نشأ في كنَفِ النّظام, وتغزّل بالأحزاب التي كانت من صنعه أو حليفة له, لأنّ هؤلاء كانوا بالأصل منتسبين إلى هذه الأحزاب, فشربوا من مناهلها, وتغذّوا من موائدها حتّى النّهم.

وكانوا جزءاً من أجهزة النّظام إلى وقتٍ قريبٍ أو ربّما بعيدٍ نسبيّاً, فالضّابط الكبير بالتّأكيد تدرّج إلى رتبته شيئاً فشيئاً من أصغر رتبة إلى أكبرها, وهو لم يتدرّج بهذه الصّورة إلا لأنّه كان مطيعاً للأوامر وموافقاً على ما كان يقوم به النّظام.

والوزير كذلك تدرّج في وظيفته من أصغر موظّف إلى ما وصل إليه من المناصب, وقس على الأمر الموظفين والضّباط والعاملين الآخرين, فلماذا لم يكونوا معترضين حينها, ولم يتباكوا على مصالح شعبهم ومجتمعهم؟ لأنّ مصالحهم الشّخصيّة كانت متفقة ومتوافقة إلى حدّ بعيد مع مصالح النّظام, وحين تضاربت مصالحهم مع مصالح النّظام أو أنّ النّظام نفسه أبعدهم لأسبابٍ ودوافع ما وجدوا أنّ أفضل طريقة للبقاء على ذاتهم ومصالهم هي الانتماء إلى صفوفِ المعارضة.
ثانياً: العديد من أعضاء هذه المعارضة يعتمدون في انتماءاتهم أو آرائهم على أفكار دينيّة أو مذهبيّة لا تتقبّل مذاهب وأفكار وانتماءات الآخر السّوريّ, لأنّهم يرون في آرائهم الجّدية التي ما بعدها جدّيّة, والوطنيّة التي لا غبار عليها, منطلقين من شرائع وعقائد يفسّرونها هم وفقاً لآرائهم الخاصّة ومبادئهم التي توافقُ مع ما يذهبون إليه.
ثالثاً: وجود معارضين يعتمدون في مواقفهم على أساسٍ قومي لا يخلو من التّعالي والشّوفينيّة في التّعامل مع المكوّنات السّوريّة الأخرى, فهي حتّى الآن ترى في نفسها الأغلبيّة المطلقة من تكوين المجتمع السّوريّ, وتنظر إلى الآخرين على أنّهم مواطنون سوريّون لا يستحقّون سوى حقّ المواطنة, ولا نعلم ما هو نوع المواطنة الذي يقصده هؤلاء؟!
رابعاً: فكرة تقبّل الآخر لا تظهر إلا لدى فئاتٍ قليلة أو أشخاص عديدين من المعارضة, فهم لا يتقبّلون الآخر كمثيل لهم في الحقوقِ والواجباتِ, بل ويحاربون النّظام على أنّه غير ديمقراطيّ ودكتاتوريّ ولا يعترف بالآخر, ولا يتقبّله, بينما هم أيضاً يفعلون ذلك بل ويتجاوز البعض منهم النّظام ذاته حين لا يعترفون بالشّعوب والقوميّات التي تشكّل فسيفساء سوريا.
خامساً: هناك نوع من المعارضة النّزيهة التي تحاولُ لمّ شمل مكوّنات الشّعبِ السّوريّ, وتسعى جاهدة للسّير بهم نحو حياةٍ أفضل, ولكنّ هذه المعارضة قليلة العدد والعدّة بالمقارنة مع الأطراف الأخرى, ولا تستطيع الخطو سريعاً نحو تحقيق أهدافها بسبب العراقيل التي تضعها أمامها الأطراف الأخرى.

من جهةٍ أخرى لأنّها منقسمة على ذاتها إلى شطرين, شطر قويّ, متماسك مصمّم على تحويل المستحيل إلى خانة الإمكان, وشطرٍ متردّد وخائفٍ من مواجهة الغالبية التي ترضيها بوعودٍ وآمال كبيرة, أو تهدّدها بأمور أخرى.
أسباب فشل المعارضة: يبدو أنّ أسباب فشل المعارضة السّوريّة شبيهة بأسباب فشلها في المناطق الأخرى في الشّرقِ الأوسط, لأنّ الرّبيع العربيّ والشّرق الأوسطيّ أزهر لدى شعوبنا على حين غفلة, لم يكونوا متوقعين ذلك, ما أحدث شرخاً في صفوف المعارضين, وجعل كفّة الانتهازيّين والمتملّقين منهم أثقل من كفّة الطّرف الأكثر صدقاً وتوازناً, فجاءت نتائج ثوراتهم كذلك متأرجحة ومخيّبة للآمال في الكثير من الجوانب, وهكذا لاحظنا أنّ معظم المعارضين في تونس, واليمن, ومصر كانوا يظهرون عبر وسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة والمقروءة رافعين شعارات برّاقة, منادين بمبادئ حقوق الإنسان والشّعوب والأقليّات, وبعد أن ساندهم الشّعب, وغيّروا نظام الحكم, سارع هؤلاء إلى استلام كرسيّ النّظام وتقليد رموزه في ممارستهم للسّلطة, والبعض الآخر انقلبوا على مبادئهم وآرائهم, بينما ظلّ المعارضون الحقيقيّون يصارعون انقلاب هؤلاء الذين كانوا مثلهم في المعارضة, وانشغلوا بتشكيل معارضةٍ جديدة ضدّهم, وبذلك تاهت بهم الدّروب, وتشتّت شملهم.
مطلوب إلى مختلف مكوّنات وأطيافِ الشّعب السّوريّ التّواصل المكوكيّ فيما بينهم والتّعارف والتّآلف, وعدم إهمال أيّ طرفٍ أو مكوّن لإيجاد حلول ناجعة وشافية لمصير الشّعبِ السّوريّ, والتّأسيسِ لمستقبلٍ سليم وواضح لهم, ليهتفوا عالياً:
“كفى هؤلاء الذين يسمّون نفسهم معارضين ضحكاً علينا نحن الشّعوب المغلوب على أمرها, كفاهم زرعاً للأشواك بيننا, ونشراً للحشرات السّامّة في مزارع تآلفنا”.
أمر هامّ لا بدّ من الإشارة إليه, ويشكّل جزءاً هامّاً من موضوع المعارضة السّوريّة, لا ينفصلُ عنه البتّة, هل الأحزاب الكورديّة في سوريا تشكّل معارضة حقيقيّة؟ لنترك الإجابة على السّؤال ليكون عنواناً لمقالة أخرى ستنشر فيما بعد.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…