جان كورد
09.03.2007
وأن هذا النظام الذي كانت له مآرب وغايات ومصالح من مؤازرة المتطوعين للقتال ضد الأمريكان وحلفائهم في بداية الاحتلال التحريري للعراق عام 2003 كان يغذّي هذه الجماعات بالشباب السوري، وبخاصة من الأرياف السنيّة حول الرقة ودير الزور ومن المدن الكبيرة مثل دمشق وحلب، ليضرب عصفورين بحجر: التخلّص من الشحنات المكبوتة لدى هؤلاء الشباب بزجهم في حرب يعتبرونها مقدّسة ضد محتل أجنبي لبلد عربي ومسلم شقيق ومجاور، ومن ثم استخدامهم كورقة ضغط على الأمريكان في موضوع المحكمة الدولية التي ستؤدي بالنظام السوري إلى كارثة ان انعقدت، وعلى الاسرائيليين في موضوع الجولان، وكذلك لابتزاز خيرات بترولية من العراق مستقبلاً… وقبل كل شيء لاظهار سوريا كلاعب قوي في المنطقة يمكن لها أن تسبب المشاكل للسعودية والأردن ولبنان وغيرها، مما سيجبر الأمريكان، أسياد المنطقة الحقيقيين، للتعامل مع سوريا “القوية القادرة على تقديم خدمات جليلة رغم قلة بترولها وضحالة مواردها المالية”…
ولقد ظهر من خلال اعترافات العديد من السعودين والصوماليين والسوريين والفلسطينيين والمغاربة المعتقلين في العراق بأنهم قد تلّقوا تدريباتهم في معسكرات سورية وتسللوا بسيارت عسكرية سورية عبر الحدود إلى العراق وبأن بعض المسؤولين عنهم ضباط ارتباط سوريين… وقد لوّح العراقيون بأنهم سيفضحون الجيران بسبب ما يقومون به من تخريب وتدمير ومساندة للقتل والإرهاب في العراق مالم يذعنوا للعقل والحكمة ويتخلوا عن سياساتهم الطائشة تلك، إلاّ أن رئيس العراق الجديد السياسي المحنّك مام جلال الطالباني والذي كانت له علاقات قويّة بدمشق في الماضي آثر أن يذهب بنفسه إلى دمشق ويهمس في أذني الرئيس الشاب هناك بالنصح والارشاد عساه يكف عن ايذاء العراقيين ويجلب بتصرفاته غير المسؤولة تلك على نفسه وشعبه وبلاده كوارث كبيرة…
ولكن مع الأيام تمكّنت هذه الجماعات الصغيرة من توسيع نطاق عملياتها وتقوية نفسها وتجميع قواها، من خلال انضمام مجموعات عراقية إسلامية سنيّة إليها، وعدد كبير من البعثيين وأعوان النظام البائد، الذين وجدوا في هذه الجماعات سنداً لهم ويتقفون معهم في الفكر الاجرامي، وكذلك بعض رؤساء العشائر الذين تم مدّهم بالمال الوفير أو عن طريق ارغامهم وارهابهم، حتى وصل الأمر إلى قيام هؤلاء جميعاً باعلان ماأسموه ب”الامارة الإٍسلامية في بلاد الرافدين” وبخاصة في الأنبار… أي أن تواجدهم الأساسي يترّكز في المناطق السنّية العراقية الواقعة في المثلث الكبير بين الموصل وبغداد والحدود السورية…
وكما استفاد الطالبان في أفغانستان من الحركات الإٍسلامية في الباكستان ومن العدد الهائل من اللاجئين الأفغانينن المتواجدين في باكستان في ترسيخ أقدامها في المنطقة الواقعة بين البلدين، فإن المجموعات المتطرّفة العاملة في العراق تحاول جعل سوريا قاعدة خلفية قوية لها والاستفادة من الكم الهائل من اللاجئين العراقيين في سوريا وجرّ الحركات الإسلامية السورية إلى الانخراط في مشروعها في العراق..
إلاّ أن النظام السوري يدرك الآن الأخطاء الكبيرة التي وقع فيها، فلم يتمكّن بدعمه اللامحدود لهذه المجموعات الإرهابية من تحرير العراق من قوات التحالف الدولي الذي تشكّل القوات الأمريكية فيها الدرع الأقوى، ولم يستطع ايقاف الجهود الرامية إلى عقد المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري وأكثر من 20 شخصاً آخرين كانوا برفقته… كما يدرك الآن الأخطار السلبية التي ستنجم عن تقوية مثل هذه المجموعات بالنسبة له بالذات، فمواقف التكفير التي تتخذها هذه المجموعات من الشيعة والعلويين معروفة، وكذلك ما تقوم به من حملات ابادة واسعة في العراق ضد الشيعة أصبحت تفزع المسلمين جميعاً وليس الشيعة وحدهم، والنظام السوري كما هو معروف نظام قائم على أكتاف الطائفة العلوية السورية التي تخاف خوفاً شديداً من استفحال الأمر وبالتالي انقضاض الإٍسلاميين التكفيريين عليها، ولن يكون في وسعها بسبب قلة نسبتها إلى مجموع السكان السنّة في البلاد من حماية نفسها أو نفوذها الحالي… وهناك أصوات تعلو بين أبناء هذه الطائفة تحذّر النظام القائم في دمشق من مغبة اللعب بالنار وارتكاب حماقات أخرى قد تؤدي بهم وبطائفتهم إلى كارثة، وهذه الأصوات الحكيمة تعلم أن ليس للشعب السوري عموماً وللطائفة العلوية خصوصاً أية مصلحة من دعم بقايا النظام البعثي الصدامي السابق أو “القاعدة” أو هذا العدد المتزايد من الذين يستخدمون الإٍسلام كقناع لاجرامهم الكبير الذي فاق كل صنوف الاجرام في فظاعته واتساع دائرته الدموية، حتى كاد يحول العراق إلى مذبحة واسعة بكل معنى الكلمة.
كما يعلم هؤلاء – مثل غيرهم من أبناء وبنات سوريا – بأن السير باتجاه حرب أهلية في العراق لن يظل محدوداً بالعراق، كحرب لبنان الأهلية، وانما سيمتد لهيبها إلى سوريا، وهذا يحمل سيثير عواصف لايدري أحد عواقبها، ولكنها ستكون مخيفة بالتأكيد…
نعم، لقد انقلب السحر على الساحر، وفطن بعض فطاحل النظام إلى ذلك مؤخراً، فأسرعوا وبحكم الضغوط الدولية والواقعة عليهم من الداخل السوري إلى التواصل مع الأمريكان وعرض نظامهم كلاعب قوي في العراق، عساهم ينقذون أنفسهم من ورطة مستقبلية ويصبحون ضحايا ارهاب هذه المجموعات التي دعموها بأنفسهم… وها هو النظام السوري يرسل وفده إلى مؤتمر العراق، بعد أن استقبل رئيس العراق وزعماء عراقيين من قبل، وسيتحوّل بسرعة فائقة من “نظام محارب!” ضد أمريكا إلى نظام متوسل لها لتساعده في وقف افرازات سياسته الخاطئة التي ستكون سبب توجيه ضربات قوية له في عقر داره، وهو في عزلته الدولية الشديدة حالياً…
وإذا كان الرئيس الباكستاني برويز مشرّف القوي والذي يحكم دولة تملك جيشاً كبيراً وأسلحة نووية غير قادر على النيل من الحركات الإٍسلامية التي تصول وتجول في المنطقة الواقعة بين بلاده وأفغانستان، ويحتاج في نضاله ضدها إلى مساعدة أمريكية ، استخباراتية وعسكرية كبيرة، فكيف برئيس نظام ضعيف، وبلاد لم يعد يخدم جيشها في الثكنات وانما في قصور ومزارع الضباط كخدم بلا راتب، ويملك أسلحة روسية لايمكن بها خوض أية حرب عصرية وليست لديه موارد بترولية هامة؟ إنه لاشك سيقوم بكل ما يطلبه منه الأمريكان وغيرهم في “الحرب على الإرهاب” أو أنه سيعرّض نفسه لخطرين: خطر السحر الذي انقلب عليه من جهة المجموعات التكفيرية التي دعمها بنفسه، وخطر تزايد الضغط الدولي والعزلة الخانقة التي يعاني منها، وبالتالي الوقوع بين نارين، ولن يكون في وسعه القضاء عليهما، بل على العكس سيجعلان سوريا، كما هو العراق الآن ساحة حرب لهما، وستقضيان عليه وتزيلانه من الوجود في حال تعاظم واتساع دائرة هذه الحرب الدولية…