القيادة التي تفتقدها الثورة

مروان سليمان

بلادنا أصبحت اليوم مقسمة بين سجون و مقابر و أصبحت كل جماعة تعمل ما يحلو لها كما أصبح الوجهاء و الشيوخ خواتم بيد العسكر و الأمن أو تحقيق مآرب الجماعات المسلحة على حساب دم الشعب المسكين الذي أصبح بين المقصلة و المقصلة فيحس بأنه غريب في بلاده و لم يعد يشعر بالأمان و لم يعد يشعر بأن هذه البلاد بلاده و لذلك يستغل الفرصة المناسبة للهجرة منها على أمل اللاعودة إليها و هو يدعو جاه العباد الصالحين على حقن الدماء و تحرير سوريا من هذا النظام الديكتاتوري الغادر و يدعو الله إلى طمر الأسد و عصابته و مرتزقته و معهم الشبيحة في الطين أو غرقهم في الماء كما فعل الله بفرعون و ملته و أن لا يجعل لهم قائمة أخرى.
إن الحرية لا تهدى و لا تهب من أحد كما إن العدل و المساواة لا تمنح من أحد بل إنها عبارة عن مجموعة من القوانين و الأسس ترتكز عليها قيام الدولة و تتبناها الأنظمة و تطبق على نفسها قبل أن تطبق على شعوبها و تعمل عبر مؤسسات بطريقة سلطوية ، تقوم بنشر مفهوم معيّن للعدالة ، وتسهر على احترامه وتنفيذه ، ولا تطلب من الفرد إلاّ أن يكون خاضعاً .

و لذلك خطت الدول الغربية خطوات متقدمة في هذا المجال و ظلت شعوب الشرق الأوسط في حالة يرثى لها من الظلم و الديكتاتورية لأننا نعتمد على غيرنا في جلب هذه المفاهيم و تطبيقه علينا أو الإعتماد على القوى الغيبية في جلبها و كأنه فقط نرضي أنفسنا و نريح ضميرنا في أننا عملنا شيئاً من أجل الحرية و الديمقراطية و لكن في الحقيقة لا القوى الخارجية و لا الدعاء إلى الله خلصنا من محنتنا بل تزداد سوءاً يوماً بعد يوم و خاصة ما نراه اليوم من ممارسات تقوم بها الفصائل و الكتائب المسلحة التي تدعي الإسلام من قتل و ذبح و جلد لكل من يخالفها في الرأي، و بأن هدفها من القتال ليس القضاء على الحكم الظالم كما يدعون و إنما هدفهم هو جمع الغنائم و التربح من العملية القتالية أي أنهم أصبحوا أمراء للحرب بإمتياز و لذلك فإن الشعب السوري لا يمكن له أن يؤيد الإرهاب سواء إرهاب دولة عن طريق قواه الأمنية و العسكرية أو إرهاب جماعات متشددة عن طريق حركات إسلامية خارجة عن القوانين و تمارس عمل العصابات في قتل المواطنين على الهوية و نهب و سلب ممتلكاتهم فيجب على رجال الدين الإبتعاد عن السياسة و البقاء في صومعتهم لعبادة ربهم لأن الدين هو حرية شخصية و مثل باقي الحريات محكومة بقوانين تنتهي عند حدود الآخرين و لذلك فالتحرير لم و لن يجلبه ثوار الفنادق و لا بندقية إرهابي  يفرض رأيه على الناس و لا يقبل الإختلاف فيه.
أصبح الشعب السوري نتيجة هذه الممارسات مقسم بين حزين سكن في بلد تعلوه رائحة الموت في كل مكان و يحمل علامات اليأس من واقعه الذي يعيشه يومياً من مصاب بقذيفة تخلى عنه الناس على الأرض و نفره القبر من تحت الأرض و بين مشرد في بلده ينتظر صدقة من هذا و ذاك و حلم بالسفر بعد أن يبيع وطنه أو بين مهاجر في بلاد الغربة يتذكر ماضيه الأليم و المفجع في إنتظار ما يكتب له حظه اليومي بين الأبراج اليومية في تحقيق الأحلام الوردية.
الثورة هي ثورة ضد الظلم و الفساد ضد التخلف الذي نعيشه في واقعنا اليومي و المتغلغل بداخلنا من جهل و تعصب أعمى  و نفاق و كذب و أفكار عقيمة لا فائدة منها سوى الخراب و الدمار و التفرقة و الثورة تحتاج إلى قائد ينبذ كل هذا و هذا ما ينقص ثورة الشعب السوري فهل من قائد منقذ لهذا الشعب.
 

19.11.2013

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…