كلمة رئيس الحكومة السورية المؤقتة الدكتور أحمد طعمة

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السيد رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية
السيدات والسادة أعضاء الهيئتين الرئاسية والعامة للائتلاف
إخوتي وأخواتي رفاقَ درب الحرية ..

شعبَ سورية العظيم
أجد لزاماً في لحظة تاريخية كهذه، أن أبدأ بالدعاء لشهدائنا الأبطال أن يتغمدهم الله بالرحمة.

وأسأله تعالى أن يعينَنا على الوفاء لتضحياتهم، ولتضحيات وآلام جرحانا ..

وأسرانا ..

أيتامنا وثــكلانا.

فتضحية الإنسان السوري كتبت فصلاً جديداً في تاريخ البشرية، لمواجهة الإنسان قوى الشر إذ تفتك به قتلاً، وحرقاً، وتدميراً، واحتلالاً ..

في قرن بشّر به أصحابُه قرناً لحقوق الإنسان وحريته وكرامته.
لا مكان هنا للمجاملات والكلمات المنمّقة.

فلا شك أن ثقتَكم بهذه الحكومة محلُّ تقدير، ولكنكم أردتم لها أن تكون “حكومة عمل”، لا حكومة كلمات وخطابات شكر وتقريظ.

ولقد فوضتمونا كأول حكومة حرة في سورية الحبيبة، في ظرف صعب وقاس علينا جميعاً، وأدرك أني تم اختياري لقيادة سفينتها ولستُ بخيركم.

لكنه الواجب الوطني، يدفع بثلة من السوريين إلى القبول بالتكليف كفريق عليه مهمة شاقة، هي تمهيد الطريق لعودة سورية ..

سوريتــِـــنا الغالية، إلى طريق النهضة والحضارة.

ندخل المعترك ونحن ندرك أن التاريخ سيحكم علينا حكماً قاسياً، ولن يذكر منا الأسماءَ ولا الأقوالَ ..

وإنما الأفعالَ فقط.

إن حكومتكم هذه تدشن عهدَ الجمهورية السورية الجديدة، حيث الحكام خادمون لهذا الشعب العظيم الذي انتزع حقه بدمه، ولن يقبل بعد اليوم بالحكم العضود أو الجبري.

ولذا نتوجه إلى أبناء شعبنا بطلب العون: احملوا معنا، وأعينونا على الحق، حتى نأخذ للضعيف حقه من القوي، ونعيد القوي إلى جادة الحق والصواب.

أعينونا ما اتقينا الله فيكم، وقوّمونا إذا لم نقم بشؤونكم.

لنعمل معاً على بناء سورية الرائعة، سورية الوحدة والحرية والإباء، سورية الصفح الوطني ..

التي ترتقي فوق دعاة الدمار والخراب، منبراً للمدنية والديمقراطية، تعيد للإنسان كرامته، ومكانته كهدف لمشروع النهضة.
 
يا أبناء شعبنا العظيم
لن نرسم صورة وردية لواقعنا، فهو واقع مؤلم ما كان ليتدهور لو تخلى الغاصبون المجرمون عن أطماعهم.

لكن حكومتكم تأتي لإنقاذ سورية من فخ “الدولة الفاشلة” الذي أرادوها أن تقع فيه، ولتؤكد أن الشعب السوري سيكون مصدر السيادة والاعتراف، وليس المجتمع الدولي الذي طال تقاعسه.

إن عنوان عمل هذه الحكومة المؤقتة يرتكز إلى نقاط ثلاثة: الإنسان، والأمن، والبناء.

وبينما يخوض شعبنا معركة الحرية وبناء الإنسان، ويخوض الائتلاف الوطني ونحن معه جميعاً معركتنا السياسية لإعادة تشكيل الدولة السورية، فستسعى حكومتكم إلى تحييد الإنسان عن مساومات المراهنين على قتلنا وتجويعنا وحصارنا للخضوع لابتزازهم القبيح الساعي إلى إعادة إنتاج المستبد وآلته الجهنمية، بعد أن لفظه شعبنا وأسقطه.

ولذا ندرك أن من أولى المهام التي ستعمل حكومة الدولة الجديدة المنبثقة من رحم الثورة – كسلطة مركزية – على تحقيقها: الأمن والسلم الأهلي في سورية المحررة، وتلبية الاحتياجات المعيشية للإنسان، بالتزامن مع الهاجس الأساسي المتمثل بتقديم كلّ الوسائل الممكنة، واستثمار كل الممكنات المتاحة من سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية لتحقيق انتصار الثورة.

سيكون أمن إنساننا السوري الغذائي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي على قائمة أولوياتنا، لتذليل العقبات التي تقف أمام انتصار الثورة السورية، والوصول بها إلى الهدف النهائي المتمثل في إسقاط الطغيان، والانتقال بالبلاد إلى دولة مدنية ديمقراطية تعددية ينعم فيها كلُ مواطن سوري بالحرية والكرامة والمساواة ..

دولة العدالة والقانون.

ستعمل الحكومة على وضع آلية عمل، وتنفيذ خطط أمنية بالتنسيق بين وزارة الدفاع وهيئة الأركان ووزارة الداخلية، وسيكون جيشنا الوطني، وأجهزة أمننا حامية للوطن والمواطنين، وليست آلة قهر وتعذيب أو اعتداء.

يا أبناء شعبنا العظيم
إن حكومتكم ستلتزم بالسياسات العامة للائتلاف، وتحترم كافة المعاهدات والمواثيق الدولية، وتأسيس علاقات حسن الجوار المبني على أساس تبادل المصالح، مع حفظ الجميل لجميع أصدقاء الشعب السوري الذين ساندوه في ثورته المباركة.

وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر وكافة دول الخليج وليبيا.

وستعمل على تفعيل دور المجالس المحلية والبناء على الإنجاز الإيجابي الذي تحقق على المستوى الوطني لإدارة الوحدات المحلية للمدن والبلدات والقرى انطلاقاً من القناعة بأن المجالس المحلية هي النواة لتأسيس ثقافة الديمقراطية وترسيخ مفاهيمها في المجتمع.

كما ستعمل الحكومة على تلبية احتياجات المواطنين وتنظيم أعمالهم في مؤسسات منتخبة على أسس وطنية.

وستعمل وزارة الإدارة المحلية والإغاثة وشؤون اللاجئين والمهجرين على تنظيم العمل الإنساني من أجل ضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها.

كما ستعمل وزارة العدل على تحقيق العدل بين المواطنين، وإعادة الحقوق إلى أصحابها، من خلال خلق البيئة المواتية لاستقلال القضاء ونزاهته وشفافيته.

ولتحقيق ذلك ستعمل الوزارة على جعل الجسم القضائي مستقلاً عن السلطة التنفيذية، وستضع آلية ديمقراطية لتشكيل وعمل مجلس القضاء الأعلى ليكون الضامن لإقرار وتنفيذ العدالة الانتقالية التي تمثل ركناً أساسياً في تحقيق الأمن والسلم الأهلي.

وفي مجال التربية والتعليم ستقوم الوزارة برسم سياسة تربوية ووضع خطط تنفيذية لها، والإشراف على تنفيذها بما يحقّق تأمين حق التعلم لكل السوريين، وفق مناهج علمية وتربوية تلبّي احتياجات المجتمع في بناء كوادره، آخذة بالاعتبار وضع الطلبة في المخيمات ودول اللجوء، وتنمية العملية التربوية وبناء وترميم المدارس، واعادة الكوادر التعليمية، وتأمين البيئة المواتية لعملهم على أسس وطنية.

وفي مجال الصحة ستعمل الوزارة على تأمين حق المواطنين في الطبابة والرعاية الصحية وفق سلم أولويات وطنية، يكون في رأسه العناية بجرحى الثورة، وعلى وضع خارطة صحية شاملة لكل المناطق، تحدّد فيها الأمراض المستعصية والسارية، وتوضع خطة لرعاية الأطفال من خلال حملات التلقيح على كافة تراب الوطن.
 
يا شعب سورية العظيم
لا نعدكم بالمعجزات.

ولكن ثقتَنا الكبيرة بالله، وإيمانَنا بهذا الوطن وأبنائه وما صنعوا من معجزات، هو ما يجعلنا واثقين من خطواتنا.

ندرك أننا كفريق متكامل، ويد واحدة، سنبني سورية حتى وهم يدمرونها.

ففي كل يوم تمتد فيه يد السوء للهدم، ستمتد أيدينا بالخير للبناء.

إنه قدرنا أن نعمل في هذه الظروف، لتوفير ما يحتاجه أبناؤنا وبناتنا، وإخواننا وأخواتنا، وآباؤنا وأمهاتنا، في الوطن الحبيب، وفي دول اللجوء، بينما نحن ندفع عن أنفسنا العدوان.

ولن نستسلم للصعوبات والعقبات، بل ستزيدنا – بإذن الله – إصراراً.

على عاتقنا جميعاً تقع مسؤولية السوريين، اللاجئين والمهجرين قسراً، والأسرى، والجرحى، والمفقودين.

ولن نتراجع عن تحمل مسؤولياتنا، ونعلم أنكم كذلك ستفعلون.

لنكن يداً واحدة، ولنبنِ معاً سورية التي أحببناها، وحلمنا بها، ودرجنا على مرابعها أطفالاً حتى كبرنا.

سورية التي نبذل الغالي والرخيص حتى نعيد لها ألَقَها ورفعتها وعزتها، ليعود مواطنها مرفوع الرأس عزاً وفخاراً، قامته العالية تشهد أنه من هذه الأرض الطيبة.

إنها ثورة البناء ..

فلنتقدم معاً يبارك الله جهودنا، ويكتب فيها وبها الخير.
إنه مخاض صعب ..

لكنه يستحق بذل أقصى الجهد ..

فما قامت ثورة الإنسان ضد الظلم في سورية ..

إلا لنقيم فيها جمهورية الإنسان.
والسلام عليكم.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…