المثقف الكوردي.. وما عليه تجاه الإعلام الكوردي

  رياض علي

لا شك بأن النظام البعثي الذي فرض أجنداته الشوفينية والقمعية على كافة مكونات الشعب السوري منذ أكثر من أربعين عاماً، كان يعلم تماماً بأن عدوه الأول هو الإعلام والكلمة الحرة، ولذلك دأب على قمع الحريات وكم الأفواه، و مصادرة الآراء..

ناهيكم عن الاعتقالات التعسفية بحق الكتاب و المفكرين والنشطاء..


ولكن تبقى الحالة الكوردية، حالة خاصة، مع مراعاة عقلية النظام حين كان يقيّد الحريات التي كان يمارسها الكوردي في ظل الأسدين، سواء من حيث الأدوات التي كان يتم التعامل بها معها، أو من حيث الترهيب الذي طال حتى أطفال المدارس،
فكانت أعيادهم – أي الكورد – تخيف النظام السوري، و مناسباتهم تزرع الرعب في الوسط المخابراتي، كل هذا عدا الموسيقا الكوردية، فالمطرب الشعبي الكوردي، كان معرضاً لأسوأ أنواع الإرهاب في دهاليز الأمن السوري؛ حتى إن كان يغني للحب!.

كل السوريون على علم بتلك الخطوة الجريئة والمتفرّدة، التي استطاعت فيها قناة أورينت نيوز الإخبارية امتصاص ذلك التشرد الحاصل في المعارضة وعدم الاتفاق بين الأطراف الرئيسية منها العربية و الكوردية، من خلال الإعلان عن بدء نشرة إخبارية باللغة الكوردية، كعنوانٍ عريض لبدء العمل على ممارسة الحريات بين مكونات الشعب السوري المختلفة، ولا شك بأن حرية الإعلام تعلو فوق كل الحريات الأخرى..

ولكي يمارس الكورد ككل السوريون حقهم في التعبير عن مواقفهم وآرائهم في ظل الثورة السورية، وتفاؤلاً بغدٍ سوريّ أفضل، طالبت إدارة القناة بكادرٍ كوردي سوري، ولم تقبل غير السوريين، ليعملوا على تحقيق أحد أهم الأهداف التي كانت حلماً سورياً، أولاً ليعبروا بحرية عما يجول في خاطرهم، و كوردياً..

ثانياً ليمارس الكورد حق الإعلام المرئي لأول مرة في تاريخ سوريا، عبر شاشة أورينت نيوز.

إلا أن حال هذه النشرة الكوردية ، كحال كل المشاريع التي تبدأ صغيرة ، ومن ثم تكبر رويداً رويداً ، لا بد أن تتعرض لممارسات أحد طرفين ، طرف يدعمها ويساعدها على الوقوف على قدميها ، وطرف آخر يحاول النيل منها من خلال بعض ممارساته ، فيثبط من عزيمتها ، أو يقلل من شأنها ..

ففي مقالة للكاتب أمين عمر التي نـُشرت على موقع “ولاتي مَه” ، يبدأ عمر بمديح تلك الخطوة من إدارة قناة اورينت نيوز ، و يعبر عن سروره بهذه الالتفاتة الجميلة ، ويُبيّن للقارئ ما انتابه من أحاسيس ومشاعر أثناء مشاهدته لأول نشرة ، من سرور وغبطة ..

إلا أنه بين الجملة و الأخرى ، كان يحاول تمرير نبأ غير سار ، حول إمكانات الكادر ككل والمذيع على وجه الخصوص ..

دون تبيانٍ منه لسبب كتابته لذلك !!

وكحال أمين عمر، انتظر الكثيرون من المثقفين والنشطاء والمهتمين من عامة الشعب، بث أول نشرة أخبار كوردية على تلفزيون عربي سوري، ولا شك بأنها زرعت الأمل في نفوس الكثيرين من الكورد، وفي ذات الوقت زرعت بعض الشكوك في نفوس آخرين ..

عدا من كان ينتظر الهفوات ؛ وأيضاً النجاحات في ذات الوقت .

فإعطاء ساعة إخبارية كوردية في اليوم لكورد سوريا ، ساعدت في إسقاط الضوء على الكثير من النشاطات والمظاهرات الكوردية التي تناهض حكم نظام الأسد و تنادي بإسقاطه ، و ساعدت أيضاً على تعرية الكثير من التكتلات الهزلية التي كانت تدّعي الثورة ، و في نفس الوقت ، اتضح زيف الكثير من الجهات التي تدّعي السياسة ، من صدقها ..
وحول هذه الساعة ، يقول أمين عمر : “منح ساعة للكرد كانت خطوة جريئة ، قضت على بذور ما روّجه النظام إن سوريا من غير النظام، كالغابة ؛ سيفترس الكل فيها الكل ” .

ولكن ، الجدير بالذكر بأن النشرة الكوردية أفسحت المجال – كجهة إعلامية – لكل الأطراف السياسية و العسكرية على الأرض و من هم في خارج سوريا أن تعبر عن رأيها و أن تكون منبراً لجميع الجهات والأحزاب الكوردية أن تُسمع صوتها للكورد السوريين وللعالم ..

أما من حيث المهنية في نقل الخبر ، المهنية التي شغلت فكر العديد من الجهات السياسية الكوردية ، أو الكتاب المحسوبين على جهات معينة ، فلقد حرص تلفزيون أورينت نيوز على إيصال الخبر من قلب الحدث إلى المشاهد ، كخطوة أولى لتكوين المصداقية الحقيقية في عين المشاهد الكوردي الذي ملّ من الكذب ، “وتحزيب الخبر” ، فـزرعت النشرة الكوردية مراسليها في جميع المناطق الكوردية في سوريا ، وعلى الرغم من العمل الدؤوب على إيصال الخبر كما هو إلى البيت الكوردي ، إلا أن هذه المهمة لم تكن دائما في صالح المراسل على الأرض ، فأمين عمر لا يعلم كم تعرض مراسلو النشرة الكوردية إلى الابتزاز في بعض الأحيان ، وأحيانا أخرى إلى التهديد والوعيد ، في بلدٍ كسوريا أصبحت كالغابة على حد قوله !!
وفي ذات الوقت الذي كان المراسلون ينتظرون فيه دعماً معنوياً من كل الجهات السياسية – دون استثناء – لتسهيل عملهم ، مُـنعوا من الدخول إلى تغطية العديد من الفعاليات والنشاطات الكوردية ، وتم انتقادهم واحيانا اخرى تخوينهم من قبل البعض القليل من الجهات المتأسيسة .

وفي إطار آخر ، يخبرنا عمر عما لاحظه في النشرتين العربية و الكوردية قائلاً : بالفعل نجحوا – يقصد الكادر – بتقديم ورسم صورة قريبة من الواقع، لكن و بالتأكيد فإن مسيرة كهذه ستجابه بالعواقب لذا فهم مع نجاحهم الكبير قد أخطأوا أيضاً ، ويضع بين قوسين جملة “الى يوم الخطأ” – ليؤكد على ما ينوي إيصاله للقارئ الكوردي خصوصاً – ويتابع قائلاً : “كانت نشرتا الاخبار الكردية والعربية أحياناً قريبة من اتجاه فيصل قاسم المعاكس ، فظهر تناقض واضح لمن يتقن اللغتين الكردية والعربية معاً ، فلا تستغرب أن ترى شهيد النشرة العربية قد يتحول إلى إرهابي أو شبيح النشرة الكردية “.
مع العلم بأن مُـتقن اللغتين العربية والكوردية ، يعرف تماماً أياً من الاتجاهات يمثل أمين عمر في مقاله هذا .

ولأن المهنية ليست موقفا وسطياً بين طرفين ، فلقد دأب فريق أورينت نيوز الكوردي ، على إظهار الحق ، ولكن بطريقة مهنية ؛ فلمْ تكمّ الأفواه ، ولم تستبعد المخطئ عن شاشتهم ، بل كان لكل طرف من الأطراف الحق في إبداء الرأي ، وكان الحَكم الأول هو الشارع الكوردي ، سواء داخل أو خارج سوريا ، فلقد آمن الكادر الكوردي بأن النجاح لن يأتي إلا حين إحقاق الحق من قبل المشاهد و ليس من قبل الكادر العامل في النشرة ، لأنه من أحد أهم بنود الإعلام الحر ؛ هو ألا تكون طرفاً ، وفي ذات الوقت ألا تطمس الحقيقة … والحؤول بين الحالتين ؛ هو بمقدار شعرة.

وبعد مرور عام كامل على البدء ببث النشرة الكوردية على شاشة أورينت نيوز، كانت النتائج هي التي تتحدث عن نفسها، و كان رضى الشارع الكوردي كبيراً، ولكن لا يخفى على أحد ، وجود بعض الهفوات و الأخطاء، سواء في التقديم أو في إخراج التقارير، و خاصة في الثلث الأول من عمر السنة الأولى من النشرة ، فالكادر الإعلامي الذي يعمل في القناة، هم من الكورد السوريين ، الذين كانت لغتهم الأم ممنوعة حتى في التداول بها مع أصدقائهم في المدرسة أو في فترة خدمة العلم، فلم يتأهل أحد منهم من مدارس اللغة الكوردية، فالسوريون يعلمون تماماً ماذا يعني حزب البعث ، و من هو الكوردي في نظر دولة الأسد، ويدركون تماماً بأن التحدث باللغة الكوردية في المحافل و المدارس ومركبات النقل، وحتى أحيانا في محال البقالة ، سيودي بصاحبه إلى أحد أقبية الأمن السوري، فيفقد من جراء التعذيب؛ عمله، بيته، عقله، و ربما حياته، وكل ذلك لأنه تحدث بلغته الأم، ومعروفٌ بأن التهمة التي كانت تلفق للكوردي جاهزة دائماً، وهي التعامل مع أجندات خارجية، والدعوة للانفصال عن الوطن سوريا!

فيتساءل مُشاهد ، كيف استطاع الكوردي السوري ، رغم قلة أدواته ، و حرمانه من تعلم لغته الأم في سوريا ، أن ينجز نشرة إخبارية باللغة الكوردية ، مدة ساعة كاملة ، يومياً، دون انقطاع!؟

ولكن على الرغم من التساؤلات الكثيرة ، كانت انتقادات – بعض – الكتاب – أمين عمر مثالاً – ، كثيرة أيضاً ، وأحياناً أخرى موجعة ، مع أنهم عاشوا ذات الاستبداد البعثي ، وذاقوا ذات الحرمان ، إلا أن النقد الهدّام صفة مكتسبة للبعض ، وهواية للآخر ، وربما في بعض الأحيان يضطر الكاتب – الناقد – أن يرضي طرفاً ما على حساب نشرة أورينت الكوردية التي كان من الممكن جداً أن تكون رافداً له ، وداعماً لحقه في إبداء رأيه ، دون النظر إلى الإيجابيات التي قدمتها النشرة ذاتها إلى كورد سوريا عموماً، ومثقفيها خصوصاً.

وحول المراسلين ومدى إمكاناتهم الإعلامية و اتجاهاتهم السياسية ، يتحدث عمر قائلاً: “مراسل القناة مكسيم عيسى الذي يتصف بشخصية قوية ويؤدي دوره بإتقان ومتمكن كمن خَبِرَ المهنة طويلاً، لكنه للأسف يحاول توظيف القناة أثناء لقاءاته لأجندات حزبية، لحزب الوحدة الديمقراطي تحديداً ، والذي نخر المرض جسده بعد وفاة رئيس حزبه”.

ولكن ربما فات أمين عمر أحد أمرين ، أولهما بأن النشرة الكوردية في أورينت نيوز ، تسمح لكل الاتجاهات السياسية بالتعبير عن رؤاهم السياسية وتطلعاتهم المستقبلية ، فكان نصيب كل الأحزاب في الظهور على نشرة أورينت الكوردية ، حتى الأحزاب التي تسير على خطى أحزاب كوردية غير سورية كالبارتي والاتحاد الديموقراطي وغيرها ؛ متساوياً .
أما الأمر الثاني فهو بأن جميع المراسلين يتلقون أمر تكليفهم لإعداد التقارير ، من قبل الإدارة ، ومن غير الممكن لمراسل أن يقوم بإعداد تقرير من تلقاء ذاته ، فهم أولاً و أخيراً موظفون لدى القناة .

ولكن اللافت للنظر هو التناقض الكبير الذي وقع فيه الكاتب؛ فكيف لمراسلٍ أن يكون ذو شخصية قوية ويؤدي دوره بإتقان ومتمكن كمن خَبِرَ المهنة طويلاً، و يقع في الأخطاء التي لا يقع فيها من وصفه أمين عمر بذلك !! ألا يتساءل قراء..

هل يستخف الكاتب بالقناة، أم بالنشرة الكوردية و كادرها ، أم أنه يستخف بعقل القارئ..؟؟

و يبقى الأمل – كما يقول أمين عمر في مقاله – في أن تتقدم القناة أكثر فأكثر ويستفيد الكادر الكوردي من تجربته وأخطائه ، ليوصلوا المعاناة الحقيقية للشعب الكردي الى السوريين ومعاناة السوريين جميعاً الى العالم ، متمسكين بالحقيقة والمصداقية، سائرين في دروبها.
5/11/2013

عن اورينت .

نت

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…