التقرير السياسي الشهري لحزب الوحــدة الديمقراطي الكردي في سوريا-يكيتي-

  في هذه الأيام، تقترب الذكرى الثالثة لأحداث آذار الدامية التي بدأت من ملعب القامشلي، وعمّت فيما بعد مختلف المناطق الكردية في سوريا على شكل تظاهرات واحتجاجات غاضبة تستنكر هذه الفتنة التي افتعلتها جهات شوفينية تصرّفت بوحي من عدائها العنصري للشعب الكردي
وانطلقت في تآمرها عليه من تداعيات الوضع العراقي آنذاك حيث أعقب انهيار النظام الدكتاتوري في بغداد إقرار صيغة الفيدرالية، وترافق ذلك مع رغبة تلك الجهات في قمع الحراك الديمقراطي السوري الذي ساهم فيه الجانب الكردي بفعالية…ومما عزّز فرضية المؤامرة في حينها هو إقدام أجهزة الأمن على إطلاق الرصاص الحي واسترخاص الدم الوطني الكردي، في الوقت الذي كان بإمكانها استخدام وسائل أخرى غير قاتلة لضبط (أعمال الشغب حسب إدعائها)، وإقدامها كذلك على اعتقال الآلاف من المواطنين الكرد وتسليح منتسبي حزب البعث من العناصرالعربية ونهب المحلات والمتاجر الكردية.
   وبدلاً من معالجة الموضوع بحكمة ومحاسبة المسؤولين عن قتل العشرات من المواطنين وجرح المئات لإعادة الطمأنينة وتبديد القلق الكردي، فقد خلقت تلك الأحداث الدامية أوضاعاً خطيرة زادت من الاحتقان المزمن للأجواء، حيث يعيش الكرد منذ عشرات السنين حالة من الإحباط والاغتراب، وتتنامى في المناطق الكردية شعور عميق بالغبن والظلم في ظل السياسة الشوفينية المنتهجة وتطبيقاتها المقيتة، من إحصاء جرّد ربع مليون إنسان كردي من حق الجنسية ومن شعور الانتماء لوطن لم يعرفوا غيره ، وحزام عنصري احدث تمزقاً في النسيج الوطني، وتمييز قومي وقوانين استثنائية تجد تطبيقاتها في كل مكان، ومن حرمان حتى من أبسط الحقوق الإنسانية..

ومع مواصلة السياسة الشوفينية وتصعيدها بعد تلك الأحداث، تعمدت السلطة إطلاق حملة إعلامية رسمية هدفها استثمار بعض الممارسات الفردية غير المسؤولة للتشكيك في عدالة القضية الكردية، وربط أي تحرك أو نشاط سياسي أو مطلبي كردي بالخارج وبالنوايا الانفصالية المزعومة،  وذلك في محاولة لتأليب الرأي العام الوطني السوري والإساءة للدور الوطني الكردي، وإثارة النعرات القومية بين العرب والأكراد، ليتسنى بذلك للسلطة إطالة عمر الاضطهاد والحرمان بحق الشعب الكردي وعمر الاستغلال والقمع بحق الشعب السوري عموماً.
   ومن المؤسف أن هذه السياسة لا تزال تجد تعبيراتها في مختلف نواحي الشأن الكردي، حيث تشهد مختلف دوائر الدولة تضييقاً واضحاً على توظيف المواطنين الكرد وحرماناً من المسؤوليات الإدارية، كما تشهد المناطق الكردية حالات متشددة من الطوارئ، خاصة بعد نقل العديد من الوحدات العسكرية إليها، والتي تعبّر عن أزمة تراجع الثقة، مثلما تعبر عن منطق إرهاب الشعب الكردي في محاولة لردعه عن مواصلة النضال من أجل انتزاع الاعتراف بوجوده القومي دستورياً والإقرار بشرعية حركته الوطنية وتأمين حقوقه القومية المشروعة.
   وفي سياق تلك السياسة، فإن الاعتقالات الكيفية تتواصل بحق الناشطين الكرد، والتي كان اعتقال الرفيق محي الدين شيخ آلي- سكرتير حزبنا – من أبرز تعبيراتها الدالة على تهديد الحركة الكردية والديمقراطية السورية التي لا يزال العديد من رموزها يقبعون في السجون، في دلالة واضحة على استمرار سياسة القمع والاستبداد وممانعة التغيير الديمقراطي السلمي التي تزداد الحاجة له مع زيادة عزلة النظام إقليمياً ودولياً، وإخفاقه في إيجاد الحلول للمشاكل الاقتصادية والمعاشية المستعصية التي تثقل كاهل الشريحة الأوسع من المجتمع السوري ، وعدم تجاوبه مع دعوات التغيير، والامتناع عن استحداث القوانين العنصرية، ومنها قانون الانتخابات الذي لا تستطيع صيغته الحالية استيعاب التطورات الديمقراطية الجارية في العالم، ولا تستوفي شروط الإقرار بالتعددية السياسية والقومية، وتعطي الشرعية لسياسة  الحزب الواحد التي ولّى زمانها, ومن هنا كان قرار المجلس الوطني لإعلان دمشق والمجلس العام للتحالف الديمقراطي الكردي بمقاطعة الانتخابات، ترشيحا وتصويتا، اعتمادا على إصرار السلطة على عدم إصدار قانون جديد للانتخابات وغياب رقابة محايدة أو إشراف مستقل، وبسبب السجل التاريخي السيئ لممارسات التزوير وقوائم الظل التي تعتمدها السلطة كلما تشعر بوجود منافسة ديمقراطية معارضة.
   أما على المستوى الإقليمي، فإن شهر آذار هذا العام مثقل بالأحداث والاستحقاقات الموعودة والتحركات السياسية التي تلعب فيها السعودية دوراً واضحاً، حيث قررت قيادتها استضافة مؤتمر القمة العربية  في الرياض بعد أن استضافت في وقت سابق مؤتمر الدول العربية المعتدلة(6+2) في حين عقد في إسلام آباد مؤتمر مجموعة الدول الإسلامية السبعة التي استبعدت إيران، وسجل على المؤتمرين محاولة إيجاد الحلول لبؤر التوتر في العراق وفلسطين ولبنان، ومواجهة التمدد الشيعي الإيراني، وتوجيه رسالة لطهران مفادها أن هناك حدوداً لدورها المتطلع لانتزاع الزعامة والنفوذ في المنطقة… كما استضافت السعودية اللقاء الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس اللتين وقعتا اتفاق مكة، كما تنشط كل من مصر والأردن لتعملا إلى جانب السعودية لاستعادة زمام المبادرة لحل قضيا الشرق الأوسط.

لكن الحدث الأهم الذي يمكن أن تؤثر نتائجه على تلك القضايا، هو الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للرياض، والتي توّجت العديد من اللقاءات التي جرت قبلها بين مسؤولي الأمن القومي في البلدين، وعبّرت تلك الزيارة بوضوح عن تحوّل هام في تحرّك النظام الإيراني، خاصة في ظل الدعوات الغربية المطالبة بتشديد العقوبات على طهران، وارتفاع أصوات طبول الحرب التي يمكن أن تلجأ إليها الإدارة الأمريكية، والتي ترى إيران أن بإمكان السعودية العمل على إلغاء أي مخطط أمريكي لضربها عسكرياً، انطلاقاً من أن ذلك ستكون له آثاراً خطيرة على أمن واستقرار المنطقة ككل.

كما تهدف الزيارة لخلق أرضية مشتركة بين طهران وواشنطن وفتح قناة اتصال مباشرة يمكن تأمينها من خلال مؤتمر بغداد المزمع عقده في العاشر من آذار الجاري لدول الجوار وأمريكا ومصر، ليكون غطاءاً لحوار أمريكي إيراني سوري على طاولة واحدة.

ومن الطبيعي أن تلك الزيارة ترتدي أهمية خاصة بسبب التشابك الإيراني مع معظم قضايا المنطقة… فإيران تعتبر حالياً في حالة مواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية ومجلس الأمن بسبب ملفها النووي الذي يضيق فيه هامش المناورة أمام نظام طهران خاصة بعد التغيّر الملحوظ في الموقف الصيني وكذلك موقف روسيا الذي تجلى في امتناعها عن تزويد مفاعل بوشهر ببعض احتياجاته وقبولها بتشديد العقوبات بشأن برنامج إيران النووي.
   كما تأتي الزيارة في أعقاب النجاح الذي حققته الدبلوماسية السعودية في عقد اتفاق مكة بين حركتي فتح وحماس على تشكيل حكومة وحدة وطنية تلتزم بقرارات مجلس الأمن وتقر الاعتراف الضمني بإسرائيل  وبدور منظمة التحرير في التفاوض معها، مما يعني بالنهاية احتواء حماس عربياً وفك ارتباطها بطهران، مثلما يعني تراجعاً في نهج حماس التي بدت وكأنها تصارع على السلطة أو على حصتها في هذه السلطة، ودخلت من أجل ذلك في اقتتال داخلي مرير، كما دخلت الآن ساحة المساومة على حقائب وزارية، ويتجلى ذلك التراجع في تصريح رئيس المكتب السياسي خالد مشعل في موسكو بأن: (حماس ستوقف توجيه الصواريخ إلى إسرائيل)، كما قال:(أن إسرائيل أمر واقع وأننا نسعى لإقامة دولة فلسطينية مستقلة في حدود 1967 إلى جانبها).
   أما في لبنان، فإن التنسيق السعودي الإيراني للبحث عن حل لأزمته المستعصية، سبق تلك الزيارة، وتركّزت جهود الطرفين على موضوع المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري وعلى التعديل الحكومي..ولما كان موضوع المحكمة الدولية يهمّ سوريا، فإن الجانبين يحثان المعارضة والأكثرية في لبنان على تعديل صفة المحكمة وصلاحياتها بحيث تنحصر مهامها في الطبيعة الجنائية دون تسييس، مثلما تطالب بذلك الحكومة السورية، ومن أجل ذلك تتوافد الأطراف اللبنانية على الرياض للتشاور والاتفاق على صيغة هي أقرب ما تكون لمبدأ (لا غالب ولا مغلوب) الذي تبنته الجامعة العربية من خلال مبادرة أمينها العام السيد عمرو موسى.
   أما بالنسبة للوضع العراقي الذي يشهد الآن بدايات تطبيق الخطة الأمنية في بغداد التي حققت تقدماً نسبياً، فإنه يحتاج إلى ترتيبات تفسح المجال أمام إشراك جميع الفرقاء في العملية السياسية في محاولة لمحاصرة الفتنة الطائفية التي كان تطويقها في مقدمة أهداف التعاون السعودي الإيراني لما لها من انعكاسات خطيرة على سلسلة بؤر التوتر الممتدة من العراق إلى اليمن، ومن لبنان إلى السودان والمغرب، وسوف تكون إعادة الاستقرار على رأس جدول عمل المؤتمر الإقليمي الدولي الذي سينعقد يوم 10 آذار في بغداد والذي سيتيح للولايات المتحدة وإيران وسوريا الجلوس على طاولة حوار، وسيبقى من المبكر استكشاف نوايا الأطراف المشاركة ومدى فاعلية الأوراق التي يحملها كل طرف واستعداده للمساومة.

لكن المراقبين يعتبرون هذا المؤتمر فرصة لإيران التي أثبتت قدرتها على تهديد أمن المنطقة وممارسة الممانعة والاعتراض على السياسة الأمريكية، لتظهر قدرتها على المشاركة في استقرار العراق واعتماد السياسة الواقعية التي أثبتت أنها تحمي الدول وترشد الشعوب نحو شاطئ السلام أكثر مما تفعله المناورات والتجارب الصاروخية وعمليات التخصيب.
   وعلى صعيد آخر، فإن الجهود المبذولة لإشراك إيران في العملية السياسية في العراق، وكذلك فك العقدة اللبنانية أمام الحل، تترافق مع مثيلاتها من الجهود بالنسبة لسوريا التي تشترط الحصول على مكافآت سياسية مقابل تعاونها، ومنها المطالبة بإفراغ المحكمة الدولية من طابعها السياسي، وبالتالي السماح بعودة النفوذ السوري إلى لبنان الذي لا تزال تراهن فيه على حزب الله، كما تراهن على أهمية الملف العراقي وعلى استعدادها للتعاون من أجل ضبط الحدود مع العراق خاصة بعد إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وتراجع نسبة المتسللين منها، وإطلاق أحكام متشددة بحق المعتقلين الإسلاميين العائدين من العراق، وإبعاد العديد من العناصر التكفيرية إلى لبنان وتعقّبهم على الحدود، مثلما تساوم على قيامها بدور ملحوظ في إنجاح اتفاق مكة بين حركتي فتح وحماس.


   لكن الفرص السورية في تحقيق مكاسب محددة مقابل استثمار أوراقها الإقليمية تبدو ضئيلة، وذلك بعد أن سبقتها إيران في الاحتماء بالغطاء العربي وظهور بوادر تباين بين الموقفين السوري والإيراني في بعض القضايا، خاصة في العراق، وذلك على ضوء نتائج القمة السعودية الإيرانية التي ستؤثر حتماً على متانة العلاقات الإيرانية مع كل من سوريا وحزب الله وحماس، وهي- أي سوريا- مطالبة الآن بتحسين شروط العودة إلى الحظيرة العربية من خلال مؤتمر القمة القادم في الرياض، ومن هذه الشروط، إنجاز المصالحة مع السعودية بوساطة مصرية قد تدفع ثمنها أيضاً من رصيد علاقاتها مع إيران.
7/3/ 2007
 اللجنة السياسية
لحزب الوحــدة الديمقراطي الكردي في سوريا-يكيتي-  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…