تركيا وجدار الفصل العنصري «الكُردي»

 ابراهيم محمود

بداية أثبت النقاط التالية:
يخطئ أشد الخطأ من يعتقد أن تركيا ليست دولة ديمقراطية ولها نظام علماني، إنما إزاء ” شعبها ” التركي فقط.
يخطئ أشد الخطأ من يرى أن تركيا ليست براغماتيكية” منفعية ” وهي تتعامل مع مفهوم ” المعارضة ” السورية المعقد.

يخطئ أشد الخطأ وأفدحه من يظن- ولو للحظة واحدة- أن تركيا: الدولة والنظام، ليست مستعدة في أن تضحّي بكل شيء، إلا أن تسمح للكرد كشعب في أن يكون شريكها المستقبلي على الأقل في إدارة شئون دولة تعني الترك والكرد وغيرهما.
إزاء هذا التأكيد المثلث، يأتي الحديث عن جدار الفصل العنصري الذي باشرت تركيا في إقامته بين قامشلو ونصيبين ضمن مسافة معينة قابلة للتوسع فيه، ليكون استمراراً لشريط الأسلاك الشائك، وضمناً شريط حقل الألغام، وهو ثالث من نوع آخر قابل من جهته للتنوع والزيادة طالما أن فوبيا الكرد تتأصل أكثر فأكثر في الذهنية الأمنية العسكرية التركية، ولعله من الصعب إن لم يكن مستحيلاً وجود مثل هذا الخوف والتخوف المتجهين صوب الكرد لدى سلطة أخرى، حتى بالنسبة لاسرائيل وجدار فصلها العنصري، والضجة العالمية بأكثر من معنى التي أحدثها هنا وهناك مهندسوه في الداخل، ليبقى الكرد الاستثناء العالمي: الدولي، بدقة أكثر، أكثر أهلية وقابلية ليكونوا ضحايا ورثَة الاتفاقيات التي سبقت سايكس بيكو وأعقبت لوزان، وهم جنرالات دون بزات عسكرية، لكنهم على استعداد في أن يطيحوا بشعوب وأمم مجدداً وهم في متروبولات امبريالية ومعهم وتحت إمرتهم أباطرة صغار ومتعاظمون يقلّدونهم، تعبيراً عن الاستعمار مستحدث ومركَّب بصيغ مختلفة خارجاً، وتدخل في تفعيله كل وسائل الإعلام الحديثة: الفضائية والأرضية، والمعارف الانترنتية، وخبراء الأسلحة، وواضعو الخطط الأكثر دموية عند اللزوم، إذا دعا الداعي( أذكّر بمن يعنيه الأمر، الخداع العابر للحدود لكل من أوباما الأمريكي  ورولاند الفرنسي، على الأقل، للمعارضة السورية، أو” الائتلاف ” السوري المعارض، جرّاء جريمة النظام في استعمال الأسلحة الكيمياوية في الغوطتين: الشرقية والغربية، والحماس الذي حرّك المزيد من القوى الاحتياطية في قوى ” الجيش الحر “على الأرض، وهي تنتظر ساعة الحسم؟، وإذا بها في مصيدة الوعود الكاذبة، أعني لعبة الدول العظمى واستهتارها بكل آلاف المعذبين المشردين، وأوجاع الضحايا والمهجّرين..).
يمكن لتركيا أن تثبت أنها عالمية: أوربية الانتماء في نسبها” الأطلسي : وحلفه الشمالي، وناتويته”، بداية، وأنها آسيوية ليس من باب التمايز، وإنما لتثبت لدول الجوار أنها الأكثر رقياً بشفيعها الأوربي في الطرف الآخر من البوسفور، أكثر تفهماً لدور الدين الحداثي المظهر من أي كان، وأنها تركية عثمانلية بما لا يقاس، وأن تدشّن لحمامات دماء دون أي رادع في حق مقاومي بارونايا صورتها في مرآة تجليها الامبراطوري: والكرد هم في الواجهة.
أستغرب كيف أن ثمة عدداً كبيراً من المعنيين بأمور السياسة والثقافة الكرد، يطرحون أكثر من سؤال يقوم على مبدأ: المكر أو الخداع  التركي أو مناورته، كما لو أن تركيا وعَدتهم بأنها ستكون كما يريدون، وثمة أجهزة ايديولوجية: مادية ومعنوية.

وفي أعلى مستوى من إدارة أمور الدولة، تعرّف بتركيا: النظام والثقافة: يلتقي أردوغان بكَول بمنظّر لسياسة العسكر في العمق لحظة الشعور بأن تركيا المرسومة على خلفية من صدى صوت” أتاتورك ” وجهامة صورته، معرَّضة لخطر إزاحة ولو نسبية.

إن كل ما سعت إليه تركيا حتى الآن، ومنذ تفجر الأوضاع” هل أقول” الثورة” وبأي معنى راهناً أكثر؟” في سوريا، هو كيفية استباق الأحداث أو تهدئة وتيرتها أو تنشيط دورها تبعة لاتجاه بوصلة مصالحها العليا: الضيقة !
المتردَّد أن الجدار المبني أو المباشَر في تدشينه في أروقة السياسة التركية وخارجاً، وبالنسبة لمن في نفسه زيغ، ورغبة في التقليد…الخ، سببه التطرف الكردي، والإرهاب الكردي، ومثيرو المشاكل الكرد..

كل هذا جائز مائة بالمئة، لأن ثمة الكثيرين يقولون: نعم، هو الأمر كذلك، لدى دول الجوار، حتى أكثرها معاداة ظاهرية لها: النظام السوري، أكثر من ذلك: جل الذين هبُّوا وانتفضوا تحت راية الثورة السورية المعتبرة، حتى بالنسبة للذين بالكاد سمعوا بأن هناك شعباً يسمى: الكرد.

المهم، هو أن ثمة تكراراً وتشديداً على أن الكرد ” ياجوج وماجوج ” الشرق، وأس البلاء فيه وخارجه.
إن لم تصدقوا مثل هذه الدعابة” هل هي دعابة حقاً؟” فبالوسع مراجعة المدوَّن عن الكرد في الأدبيات السياسية لدول عظمى غزت منطقة، ودول صغرى اعتبرت ذاتها دولاً: هي فزاعاتها من بعدها في تقاسم جغرافية الشرق، لأن الكرد لم يشأوا حتى الآن أن يخفضوا جناح الذل حسب مشيئة هذه الدولة أو تلك من تلك التي تحكمت بمصائر الكرد.
هنا ينظَر في جدار الفصل المقام باعتباره رد فعل دفاعياً تركي العلامة، على اجتياح وبلبلة كرديين شمالاً وجنوباً، على الأقل، وما في ذلك من تبريك له من الدول الأكثر تحفظاً على أدوار السياسة التركية.
إزاء هذا التداخل بين قوى ظاهرة وأخرى خفية، يجد الكرد الذين يحاصَرون بين دولة ثمة من يقاتل عنها بالوكالة، هي بعد من أبعاد سياستها الحديثة والمعاصرة: تركيا، وجماعات تحمل في تشرذمها وتنوعها رايات تحمل بصمات تسمي قوى خارجة لدول في الجوار وأبعد منها، ولتكون سوريا المذبحة الكبرى لشعوب يمثَّل فيها، تمتزج فيها دماؤها: عرباً وكرداً قبل كل شيء، وما يترتب على ذلك من وجوب اعتماد سياسة دفاعية ضد ما يجري، واحتوائية لما يجري، يكون الكرد في الواجهة التي لم يعد في وسعهم الانسحاب، إذ باتت الأوراق مكشوفة، والإجراء الوحيد الذي يكون في مقدور الكرد من خلال ممثليهم هو كيفية النظر إلى الأرض ومن عليها،وتوقع الأسوأ في حال تقاعس ما، وثمة بصيص أمل وحيد، يمكن أن يصيّرهم كُرداً ذوي اعتبار سياسي وجغرافي وسلطة، مع قدر أقل من الإيديولوجيا، من جهة الدول التي تتنفس تحول أدوار التاريخ وتنوع قواه، فيكون للباطل” الدولي”  آخر جولة، وللكردي دولة !

دهوك

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…