افكار الدمار الشامل *

   فرحان مرعي

اننا نستغرب ونتألم في نفس الوقت من هذا اللغط السياسي الدائر في الاوساط الدولية حول النظام السوري وما آلت اليه الثورة والحرب الدائرة في سوريا ، اننا نستغرب ويثيرنا الغثيان من هذه المطمطة واللف والدوران حول الحقيقة ، يستفزنا هذا التسخين والتبريد والاخذ والرد والتبرير والقلب على الف وجه ووجه ، المسألة واضحة مثل عين الشمس ولا يحتاج الى كل هذا اللغط السياسي ، المسألة واضحة ان المعنيين بالقضية السورية لا يريدون حلاً وطنياً وشعبياً لسوريا لأن المصالح الدولية تتقاطع في نقطة معينة لذلك يتلاعبون بالقضية السورية .
الحقيقة ان النظام السوري قتل بالاسلحة التقليدية اكثر من مائة وخمسين الف، ودمر البلاد ، واعتقل ربع مليون ناشط ومعارض، ونزح من البلاد الملايين من البشر خوفاً من القتل والتدمير ….الخ ولم يتحرك الضمير العالمي بل ظل صامتاً ، وعندما قتل النظام عدة آلاف من الشعب بالسلاح الكيمياوي ( استيقظ الضمير الدولي فجأة)، ان (صحوة الضمير الدولي) هذا يستدعي الاستغراب والاستهجان، ان ازدواجية الفهم لعملية قتل الشعب السوري يضع الاخلاقية الاوربية والامريكية على المحك .
المشكلة عند النظام السوري ليست في نوعية السلاح الذي به يقتل الشعب ، لانه في النتيجة هناك من يموت ويقتل ، المشكلة ليست في ترسانة الاسلحة التي يمتلكها النظام ، سلاح كيمياوي ، نووي ، ذري ، تقليدي ، ….الخ المشكلة الحقيقية في الفكر والعقل المدبر لعمليات القتل ، ان القاعدة الارهابية التي وضعها النظام منذ اليوم الاول للثورة السورية اما الاسد او نحرق البلد، هذه القاعدة تنسف كل المحاولات لوقف القتل ما لم يتوقف العقل المدبر والفكر المخطط ، وهذا الفكر اشد فتكاً من السلاح الكيمياوي والنووي ، السلاح لا قيمة له ، مادة جامدة ، يحركه فكر وايادي قذرة .

ان الاعمال والافعال في النهاية ما هي الا المحصلة والنتيجة الواقعية للافكار والنظريات .
يخطأ من يتصور ان هناك حداً فاصلاً بين الفكر والفعل ، فالفعل هو ثمرة للفكر وهذه الفكرة تنضج في اطارات مختلفة عادة في حالة تسييس الدين او تديين السياسة وفي حالات الفكر الشمولي المتعدد ، ديني ، قومي ، ماركسي ، حيث تصبح الفكرة حدية مطلقة ولا تعرف أي قدر من النسبية ومن ثم يكون الفكر الاخر مرفوضاً رفضاً قاطعاً وهكذا يبدأ الارهاب فكراً وينطلق من التفسير الحرفي للنصوص كما في النصوص الدينية : قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ..

قاتلوهم يعذبهم الله على ايديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم المؤمنين ….

( سورة التوبة ) الخ ، وكما في هذا النص الفاشي الشوفيني ل محمد طلب هلال العضو في حزب البعث السوري بخصوص الكرد في سوريا على سبيل المثال وليس الحصر :
تهجير الاكراد الى الداخل مع التوزيع والانتشار في اماكن متفرقة .
تطبيق سياسة التجهيل وسحب الجنسية من الاكراد وسد ابواب العمل امامهم 
تحريض العناصر العربية على الاكراد وضرب بعضهم ببعض .
نزع الصفة الدينية عن مشايخ الدين الكرد 
اسكان عناصر عربية وقومية في المناطق الكردية ….
……..
…… الخ 
وهنا نتساءل : ما الفرق بين هذا المشروع وبين استخدام السلاح الكيمياوي ؟؟؟
ان استخدام السلاح الكيمياوي وغيره يتسلل من ثغرات وبوابات الفكر الشمولي والعقائد المطلقة والنظم الاحادية ، ومن ثم ان مواجهة الارهاب والحد من التسلح لا بد من مواجهة هذا الفكر واجتثاثه من جذوره واجتثاث حاملي هذا الفكر ، وهذا ينطبق تماماً على فكر النظام السوري الذي يعتبر اشد فتكاً وعنفاً من السلاح الكيمياوي الذي يمتلكه واذا اراد المجتمع الدولي حقاً حل القضية السورية ليبدأ اولاً من اجتثاث الفكر البعثي الشوفيني واجتثاث الفكر الاسدي وقاعدته الارهابية : اما الاسد او نحرق البلد .


*
*افكار الدمار الشامل عنوان لمقالة كتبتها في حزيران عام 2004 في جريدة يكيتي لحزب يكيتي الكردي في سوريا ودون ذكر اسمي عليها ، وتم صياغة المقالة من جديد و بما يتناسب والوضع الحالي لسوريا .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…