بعد أكثر من سنتين و نصف من عمر الثورة السورية و بعد سقوط عشرات الآلاف من الضحايا و عشرات المجازر بحق المدنيين العزل وجد المجتمع الدولي نفسه في موقف لا يحسد عليه و خاصة بعد تخطي النظام السوري خطوطه الحمراء خطوة تلو الأخرى و بدا و كأنه قد أعطي له الضوء الأخضر في القتل و الدمار.
بعد ارتياح الحكومة البريطانية و تبرئة ذمة البرلمانيين يبدو أنهم راضين عن القتل و التدمير و هذا يعتبر بمثابة ضربة قاصمة للديمقراطية البريطانية و دفاعها عن حقوق الإنسان و انسحابها عسكرياً عما يجري في منطقة الشرق الأوسط فاجأ اوباما العالم بقراره الرجوع إلى الكونغرس في اتخاذ الموقف من الضربة العسكرية المحتملة و هذ دليل ضعف و ارتباك في موقف الإدارة الأمريكية إلا أن الرئيس أوباما مقتنع بالضربة و يتخذ من الكونغرس حجة حتى لا يتحمل مسؤولية نتائجها لوحده و حتى يثبت للعالم بأنه يعطي المجال للتفاوض أكثر على هذا الأمر مع الروس في رفع الغطاء عن الأسد و عصابته أو الضغط عليه لقبول الحل السياسي و خاصة بعد ورود الأنباء عن وصول علي حبيب إلى تركيا في جعله حصان طراودة و تعليق الآمال عليه في قيادة المرحلة الإنتقالية المقبلة، وبهذا الموقف يحرج أوباما خصومه السياسيين من الحزب الجمهوري حتى لا يستغلوا الموقف من الضربة في مهاجمة أوباما و تسخيرها لصالح الإنتخابات الأمريكية المقبلة سواء إنتخابات الكونغرس أو الرئاسة.
كما إن التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي في توجيه ضربة عسكرية إلى النظام السوري بعد المجزرة يجد نفسه في ورطة كبيرة و محاصراً في زاوية ضيقة و ليس لديه مجال للمناورة أكثر من القيام بالفعل بتوجيه هذه الضربة حتى لا تفقد أمريكا مصداقيتها أولاً و هيبتها كقوة عظمى في العالم قيادتها للعالم الحر ثانياً و لكن لا بد من التذكير بأن الأمر يتطلب استعداداً لمواجهة عواقب الضربة في القدرة على حماية المصالح الأمريكية بالدرجة الأولى و مصالح حلفائها في المنطقة بشكل عام و الأمر الآخر هو في إكتساب الشرعية السياسية من هذه الضربة المحتملة و ذلك في حشد و تأييد أكبر قدر ممكن من الدول في المشاركة فيها أو دعمها عسكرياً أو مادياً أو إعلامياً و هو أضعف الإيمان لضمان نجاح العملية و تكاليفها المادية و لكن الضربة ستكون محدودة لأسباب تتبادر إلى الذهن و هو من سيملأ الفراغ بعد رحيل الأسد و بعد حوالي ثلاث سنوات من القتال الدائر و انتشار الفوضى و المنظمات الإرهابية الغير قانونية و الجماعات التي تدعي الجهاد و كلها لا تنطوي تحت قيادة ما يسمى بالجيش الحر و التي باتت تسيطر على مناطق واسعة من البلاد و تزعزع أمن المواطنين و تنتهك حرماتهم و تسلب و تنهب بدون أي رادع قانوني أو أخلاقي و العمل العسكري الواسع قد يؤدي إلى تمكين الجماعات المتطرفة للسيطرة على الوضع و الدخول في نفق مظلم آخر يعيدنا إلى حقبة نترحم على النظام المجرم.
أما بالنسبة لتصريحات المسؤولين الإيرانيين في الدفاع عن النظام السوري ما هي إلا تصريحات للإستهلاك الإعلامي أولاً و تقوية موقف إيران في التفاوض مع الدول الغربية بشأن برنامجها النووي، و لكن بمجرد رفع روسيا الغطاء عن النظام الأسدي بأنهم لن يدخوا حرباً من أجل الآخرين و هذا ما يبدوا أنهم حققوا شيئاً مما كانوا يطمحون إليه في الحفاظ على مصالحهم في المنطقة فإن إيران تجد نفسها أيضاً في زاوية لا تحسد عليها لأن تهديداتهم تفرغت من محتواها و أصبحت بلا مضمون و تجد نفسها منفردة مع النظام السوري في مواجهة الآلة العسكرية الغربية المتطورة أولاً و مواجهة المجتمع الدولي ثانياً لأن الكارثة كبيرة و تبعاتها أكبر من قوة إيران العسكرية و اقتصادها المنهار و لذلك لن تدخل ايران حرباً خاسرة و لن تضحي ما بنته في سنوات عديدة بلحظة و سوف تنتهج سياسة النأي بالنفس و لكن تبقى الغصة كبيرة في حلق ايران لأن امتداها في المنطقة سوف تصبح متقطعة الأوصال و لن تستطيع الوصول إلى حلفائها في المنطقة و حقيقة هذه الضربة هي العمل العسكري ضد النظام السوري و رسالة موجهة أيضاً إلى حكم الملالي في طهران بأنكم لن تسلموا و حسابكم آت إذا بقيتم على عنادكم.
و هنا لا بد من التذكير بأن بعضاً من المعطيات الداخلية قد تغيرت في داخل المعارضة السورية المتمثلة بالإئتلاف الوطني في وضع اللمسات الأولية بينه و بين المجلس الوطني الكردي في سوريا و كان هذا التغيير السياسي مطلوباً منذ زمن بعيد حتى تنال المعارضة ثقة أكبر شعبياً و دولياً و تثبت نفسها بأنها حامية الأقليات و إن هذا الإتفاق إذا ما تم التوقيع عليه فإنه سوف يساعد كثيراً على تغيير الواقع السياسي و العسكري على الأرض اثناء الضربة و بعدها و هذا ما يساعد على زعزعة القاعدة الشعبية والإجتماعية للنظام الذي طالما يتشدق بها.
06.09.2013