قراءة في الإتفاق المبدئي بين المجلس الكوردي والائتلاف الوطني

بقلم : م.رشيد

أولاً :المقدمة :

     منذ تأسيسه اعتبر المجلس الوطني الكوردي في سوريا نفسه جزءاً من الثورة السورية السلمية انطلاقا من حقيقة أن الكورد جزء رئيسي من النسيج الوطني والتاريخي لسوريا، وقرر التحاور مع كافة أطراف المعارضة الوطنية وتوقيع اتفاقات تعاون وتنسيق مع الأطراف القريبة من رؤاه والملتزمة بمطاليبه على الصعيدين القومي والوطني، وكذلك قررانسحاب مكونات المجلس من كافة الأطر الأخرى، وذلك لتوحيد صفوفه وتفعيل دوره كمجلس سياسي موحّد يمثّل إرادة الشعب الكوردي وطموحاته، لكن بقاء بعض الأحزاب والتنسيقيات والشخصيات المستقلة من المجلس ضمن تلك الأطر أدت إلى تعطيله بسبب البقاء فيها لا بل حاولت باصرار جرّ المجلس بكامله إلى تلك الأطر لغايات وأجندات خاصة بها.
    فبقاء هذه المكونات ضمن تلك الأطر خلقت تنافساً وتسابقاً بين المختلفين في الانتماء والتوجه، لضم المجلس إلى هذا الإطار أو منعه، مما خلق إرباكاً وصراعاً ضمن المجلس سهّلا تمرير أجندات (….) عبر توقيع اتفاق بين المجلس الوطني الكوردي والائتلاف الوطني السوري المعارض أواخر آب 2013، وقد أثار الاتفاق سجالاً ساخناً بين مؤيد ومحايد ومعارض له، كل من منظاره الشخصي أو الحزبي أو القومي أو الوطني، ولأني عضو في لجنة العلاقات الوطنية والخارجية للمجلس وعضو في أمانته العامة كوطنيّ مستقل أراني معنياً بالموضوع حبذت تسليط الضوء على الاتفاق من وجهة نظر شخصية، والموقف النهائي من الاتفاق بالرفض أو القبول يتخذ في المجلس وفق آلياته المعتادة وإجراءاته المتبعة .

   وقبل الخوض في توصيف الاتفاق وما عليه من ملاحظات ومآخذ وتباين في التفسير والتحليل، ندعو القارئ بالعودة إلى رؤية المجلس وقراراته بهذا الشأن.
ثانياً: لاعلاقة للجنة العلاقات بالاتفاق:
    ما إن عقدت لجنة العلاقات الوطنية والخارجية اجتماعها الأول في استنبول أواخر حزيران عام 2013، حتى باشرت بالعمل بناء ًعلى مقررات المجلس والمهام المنوطة بها، فأجرت لقاءً على هامش الاجتماع مع بعض ممثلي الائتلاف الوطني لغاية التعارف وجس النبض ثمّ الانتظار حتى يستقر الائتلاف تنظيمياً ويعتمد موقفاً رسمياً وواضحاً من القضية الكوردية، ثم تتالت اللقاءات بين أعضاء من اللجنة مع ممثلي الائتلاف بشكل انفرادي دون علم باقي أعضائها  والتي أسفرت عن توقيع الاتفاقأسفرت عن توقيع الاتفاق الذي نتناوله بدون حضور وموافقة أكثرية الأعضاء، وفي هذا الصدد يجدر توضيح عدة أمور :
1- لجنة العلاقات غير مخولة وغير مكلفة بتوقيع الاتفاق لا سيما بعد أن تم تشكيل لجنة خاصة بالتواصل مع الائتلاف خارج إطار لجنة العلاقات.
2- اعتذر السيد حكيم بشار عن حضور الاجتماع الأولي للجنة واعتبرها غير مشروعة وبأنه غير ملتزم  بما يصدر عنها من قرارات ، ثم يعود فيما بعد ويفاوض الائتلاف الوطني ويوقع الاتفاق معه باسمها.
3- ترشيح السيد حكيم بشار نائباً لرئيس الائتلاف من قبل السيد عبد الحميد درويش قبل أخذ رأي أعضاء اللجنة أوالرجوع إلى مرجعيات المجلس تصرف شخصي غيرنافذ.
4-  صدور توضيح من الناطق باسم لجنة العلاقات السيد صالح كدو يعبر عن عدم موافقة أكثرية أعضاء اللجنة على توقيع الاتفاق، والمطالبة بعدم استخدام اسم اللجنة بخصوصه ولأي سبب كان.
5- صدور تصريح من السيد كاميران حاج عبدو عضو اللجنة يصف الاتفاق بالمشين ويتحفّظ عليه بسبب عدم دعوته للحضورفي الوقت المناسب وضرورة الالتزام بإجراءات التوقيع المقررة في المجلس أصولاً.


6-  صدور تصريح من مكتب الأمانة العامة للمجلس يصف الاتفاق بالمبدئي وكي يكون مبرماً يحتاج طرفي الاتفاق للعودة إلى مرجعيتيهما.
ثالثاً: الاتفاق من حيث الشكل:
    يسجل المهتم بالشأن السوري العام والكوردي الخاص، والمتتبع لاتفاق استنبول في الوهلة الأولى عدة ملاحظات على الاتفاق نذكر منها :
   1- الائتلاف كيان غير متماسك ومهدد وجوده وشرعيته، بسبب انسحاب عدد لا بأس به من مكوناته، وكذلك تهديد القادة الميدانيين في الداخل بسحب الثقة منه اثر استخدام الكيمياوي في الغوطة، كما أن الاتفاق يحتاج إلى اجتماع للهيئة العامة على التوقيع النهائي، وانضمام المجلس الكوردي له يعتبر سيروماً مسعفاً يعيد له الحياة والنشاط.
   2- المجلس الوطني الكوردي غير موحد بمكوناته تجاه الاتفاق وتمريره يحتاج إلى نقاش وحوار معمقين ومن ثم إلى توافق، وإلا فمصير المجلس مجهول .
   3- يرى بعض أعضاء المجلس أن الاستعجال في توقيع الاتفاق تكمن وراءه غايات واستفهامات (!؟)، فلماذا لم يؤجل لما بعد انعقاد المؤتمر القومي الكوردي ومؤتمر جنيف2 (؟!).
   4- في ضوء دعوة موسكو للكورد، ودعمها لحضورهم ككتلة كوردية موحدة ومستقلة في جنيف (2)، يفضل البعض في المجلس هذا الخيار على الانضمام إلى الائتلاف والتمثيل ضمن وفده.
   5- تجاهل الموقعين على الاتفاق من قبل المجلس لشركائهم في الهيئة الكوردية العليا (مجلس شعب غربي كوردستان )، أثار حفيظتهم وكثف جهودهم لإجهاض الاتفاق أو نسفه .
   6- حضور النظام على الأرض وسيطرته على بعض المناطق الكوردية، تؤمن له موقفاً حاسماً وحازماً في الموضوع.
   7- الاتفاق هو نتيجة توافقات وتقاطعات إقليمية، تم اخراجه وتوقيعه باشراف ورعاية تركية وعلى أراضيها،ولا بد أن يكون موافقاً  لسياساتها وأجنداتها تجاه القضية الكوردية خاصة والسورية عامةً ومنها:
أ‌)       تحجيم دور المجلس الوطني الكوردي عبر احتوائه من قبل الائتلاف.
ب‌)  تفتيت البيت الكوردي وإشعال الصراع والاقتتال فيه، وخاصةً بين المجلسين الكورديين.
         جـ) تعريض المناطق الكوردية للقصف والتدمير والتهجير من قبل النظام عقاباً من جهة، ومن جهة أخرى من قبل المجاميع الاسلامية المسلحة المتطرفة ( كجبهة النصرة المدعومة من تركيا) تهديداً.
رابعاً: الاتفاق من حيث المضمون:
    من خلال القراءة الأولية لنص الاتفاق يكتشف القارئ صعوبة التنفيذ على الأرض حاضراً ومستقبلاً وذلك للأسباب التالية :
      1- عدم وجود طرف ثالث بمثابة راع وشاهد وضامن لتنفيذ الاتفاق.
     2- عدم تثبيت بنود الورقة التفاوضية المقررة من قبل المجلس الوطني الكوردي بروحها ونصها في الاتفاق.
     3- صدور تصريحات رافضة ومناقضة لمضمون الاتفاق من بعض ممثلي طرفي الاتفاق فمثلاً : (رئيس الائتلاف يقول: أن سورية عربية وستبقى عربية أبد الدهر…وأن اسم الدولة سيطرح للاستفتاء … ولا توجد مناطق كوردية ..إلخ).
    4- انضمام المجلس الكوردي للائتلاف يعرض الكورد ومناطقهم للعمل العسكري لأنهم يتخلون عن شعارهم (المجلس جزء من الثورة السلمية) ويصبحون جزءاً من الائتلاف المتبني للكفاح المسلح المتمثل بالجيش الحر.
    5- غياب الإجماع الكوردي على الاتفاق ضمن المجلس خاصة وكورد سوريا عامة، يضعف موقف الموقعين على الاتفاق ويجردهم من الصلاحية والشرعية لتقرير مصير الشعب الكوردي، ناهيك عن احتمال التصادم العنيف بين المؤيدين  والمعارضين للاتفاق.
   6- سبق واعتبر الائتلاف إطاره غطاءً سياسياً لبعض الكتائب المسلحة التي تبيح دماء الكورد وأموالهم وأعراضهم مثل جبهة النصرة التي عقدت اتفاقاً مع قادة YPG بعد أحداث رأس العين (سري كانيي) ووقع باسمها ممثلون عن الائتلاف.


خامساً :الاتفاق من حيث التفاصيل :
    صحيح أن القراءة بين السطور هي من شأن المختصين في القانون والسياسة وذلك لغاية التفسير والتأويل أومعرفة الغايات والمقاصد أوتحديد النتائج والتداعيات، وبالفعل يكمن الشيطان في التفاصيل وفيما يلي نورد بعض المفارقات والمخالفات :
البند (1):  ورد فيه : ((الاعتراف بهوية الشعب الكوردي القومية..

)) بدلاً من ((الاعتراف الدستوري بوجود الشعب الكوردي )) وهذا يلغي الكورد كشعب وكمكون رئيسي في البلاد ويعتبرهم أقلية وفق التعريف والتوصيف القانوني والسياسي.
 كما ورد فيه ((..ضمن وحدة سوريا أرضاً وشعباً )) يعني عدم الاعتراف والتشكيك بوجود مناطق كوردية محددة، وعدم وجود شعب كوردي متميز له خصوصياته القومية .

    
 البند (2): ورد فيه (( العمل على إلغاء جميع السياسات…)) لماذا لم يتم التأكيد على الإلغاء بدل العمل على الالغاء؟ وهذا يعني تهرب متعمد من الالتزام بتنفيذه.
البند (3): ورد فيه ((سوريا الجديدة دولة ديمقراطية مدنية تعددية)) وهذا مخالف لرؤية المجلس (( سوريا الجديدة دولة ديمقراطية علمانية تعددية)).
كما ورد فيه ((اعتماد نظام اللامركزية الإدارية..)) يخالف رؤية المجلس حيث اعتمد اللامركزية السياسية أو الفدرالية – والنص الحرفي هو :(( يرى المجلس أن أفضل صيغة للدولة هي الاتحادية)).
البند(5): البند بأكمله جاء في غير سياقه ويفرغ رؤية المجلس من محتواها، حيث أن النص الأصلي هو: ((الإقرار بحقوق الشعب الكوردي القومية وفق العهود والمواثيق الدولية)).
البند(9): ورد فيه ((تلتزم القوى …وفي المقدمة بالبرنامج السياسي..))وهذا يشير إلى وثيقة القاهرة التي انسحب الكورد من جلسة اقرارها لعدم تلبيتها لمطاليبهم  وعدم تضمينها لحقوقهم المشروعة نصاً صريحاً.
البند(10): لماذا لم يذكر صريحاً اسم الدولة بالجمهورية السورية ؟
كما أن علم الاستقلال لا يحمل أي أشارة ترمز للمكون الكوردي فيه، وفقاً للأسس والمبادئ المتعارف عليها عالمياً عند تصميم أعلام الدول واعتمادها بحيث تشير رموزها إلى مكوناتها.
البند(12): ورد فيه ((يعمل المجلس الوطني الكوردي على إعطاء الصبغة الوطنية لأنشطته وفعالياته…)) فهذا يشير بوضوح إلى التشكيك بوطنية المجلس ثم يلزم المجلس وحراكه ونشاطاته القومية ((الاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية…)) بضوابط ومقتضيات الصبغة الوطنية وضروراتها، فبموجبها يمكن الغاء كل الصبغات القومية الكوردية.
البند(14): ورد فيه ((هذه الوثيقة قابلة للتطوير…)) ولكن حسب التعريف القانوني: إن الاتفاق المبدئي أو الموقع بالأحرف الأولى يعني أن النص غير قابل للتعديل أوالتطوير، فقط قابل للمصادقة قبولاً أو رفضاً من قبل المرجعية.
سادساً: الخاتمة :
    وفي الختام نذكّر القارئ الكريم بحدثين بارزين في فترة تواجد الأمانة العامة للمجلس بكامل أعضائه في هولير في أواخر تشرين الثاني عام 2012 ، جديرين بالوقوف عندهما:
الأول: بسبب إلحاح بعض أحزاب المجلس الانضمام إلى الائتلاف وصلنا رداً خطياً من رئيس الائتلاف آنذاك الشيخ معاذ الخطيب لاستبيان موقف الائتلاف من القضية الكوردية فكان جوابه أن حقوق الكورد مسألة فنية ستبحث تحت قبة البرلمان بعد إسقاط النظام.
الثاني: أثناء لقاء الأمانة العامة بفخامة رئيس الإقليم السيد مسعود البرزاني تحدث إلينا طويلاً، استخلصنا من حديثه عدة نقاط بما يتعلق بالائتلاف الوطني أهمها:
–  وصف الائتلاف الوطني بأنه إطار غير شامل وغير نهائي للمعارضة السورية، وهذا يظهر عدم تحمسه للانضمام إليه والتريث فيه لاشعار آخر.
– نصح بعدم توقيع أي اتفاق مع أية جهة ما لم تثبت فيه الاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكوردي بشكل كامل وصريح.
– أكد على ضرورة وجود طرف ثالث راع وضامن للاتفاق كالجامعة العربية أو الأمم المتحدة أو غيرها.
–  أكد وأصر على ضرورة وأهمية وحدة الصف الكوردي ، واشترط مساندة الإقليم ودعمه للمجلس بها.
   كما تطرق جنابه إلى تجربتهم مع المعارضة العراقية قبل سقوط النظام وبعده، فكان لحديثه وقعاً كبيراً في نفسي وتأثيراً مباشراً في حسم موقفي بالرفض، وطرحته بجرأة في الاجتماع المخصص لاتخاذ الموقف النهائي للانضمام إلى الائتلاف.


سابعاً:الاقتراح:
    حرصاً منا وحفاظاً على المجلس الوطني ووحدة الصف الكوردي وعقد المؤتمر القومي الكوردي اقترح تأجيل مناقشة المصادقة على الاتفاق من عدمه ضمن المجلس لحين صدور الموقف النهائي من الهيئة العامة للائتلاف الوطني، وكذلك إلى ما بعد انعقاد المؤتمر الوطني الكوردي في هولير المزمع عقده في أواسط الشهر الجاري.

                           —————  انتهت —————–

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…