الهجرة الكردية معادلة أعتقلت حلولها

كريمة رشكو

سؤال يطرح نفسه منذ إندلاع الثورة السورية ومشاركة الشعب الكردي في هذه الثورة ,فقد شارك الشعب الكردي كما بقية الشعب السوري من الخروج للمظاهرات في الشوارع مطالبا بإسقاط نظام الأسد وأيضا قام بنشاطات إغاثية ربما قبل كل المحافظات السورية من إرسال الأدوية و الكساء و السلات الغذائية للمناطق التي تعرضت للقتل و نقص مواد المعيشية , إلا أن المناطق الكردية لم تتعرض كما باقي المدن و المحافظات السورية من القتل و القصف و الذبح و المجازر ..

تعرضت المناطق الكردية في بداية الثورة من الإعتقالات ولا سيما إعتقال الشباب الثائر و الناشطين المحركين للمظاهرات و ذوو تأثير على الشارع الكردي , و أيضا تعرضوا للملاحقات والتعذيب داخل السجون , ولكن لم تتعرض للقتل و القصف كما ذكرت آنفا في بقية المدن و المناطق السورية.


تم هجرة بعض من الناشطين نتيجة ملاحقتهم من قبل النظام البعثي و مداهمة منازلهم و حيث تواجدهم ليلا و زجهم في السجون , مما إضطروا للخروج من سورية إلى الدول المجاورة من تركية و كردستان العراق ولا سيما المطلوبين للخدمة العسكرية  , وكان  لابد من هذه الهجرة للحفاظ على حياتهم و إستمرارية نشاطهم حتى ولو كان في دولة أخرى سواء كان النشاط  إعلامي أو إغاثي أو محاولة إيصال القضية الكردية و مشاركة الكرد للمنظمات الدولية وللرأي العام.


وما حصل بعد سنة من إندلاع الثورة ولا سيما بعد إستشهاد المعارض الكردي السوري مشعل تمو و تشكيل المجلس الوطني الكردي من هجرة العائلات الكردية إلى إقليم كردستان العراق رغم عدم وجود القتل و القصف و الإعتقالات و ثم بدأت هجرة الشباب الكرد المطلوبين للخدمة الإلزامية و الشباب المنشقين عن الجيش السوري بهدف تدريبهم في إقليم كردستان العراق و جعلهم على أهبة الإستعداد لأي خطر يقترب من المناطق الكردية , وزادت نسبة هجرة هذه الفئة حيث دفعت بهم تشجيعهم وإرادتهم للإنضمام للبشمركة والدفاع عن مناطقهم .
في الشهر العاشر من عام 2012 وصل عدد الكرد في مخيم دوميز لأكثر من خمسين ألف كردي مهاجر من مناطق متعددة من كردستان سورية ,ناهيك عن وجودهم في هولير ودهوك وزاخو, وعند الإستفسار عن سبب الهجرة كان أغلب الأجوبة :           
 هربا من القتل و الموت …
أي قتل و أي موت ؟؟ و من من القتل و بيد من الموت ؟؟  
وكانت النسبة الكبيرة منهم من المناطق البعيدة كل البعد عن إحتمال حدوث القتل و الإعتقالات  وهذا ما يطرح عدة أسئلة لابد من وجود أجوبة مقنعة للشعب الكردي الباقي  في الوطن والراحل عن الوطن دون أن يكون مقتنعا بالأجوبة المتداولة بينهم  .
من يحرض على الهجرة الكردية ؟ 
على من تقع مسؤولية الحفاظ على الشعب الكردي على أرضه ؟ 
كيف إنهار الإقتصاد الكردي ؟ 
لماذا تدهورت  مصادر العيش تدريجيا ؟
لماذا خاب أمل الشعب بالهيئة الكردية العليا ؟ 
 السؤال الذي لا يحتاج للجواب … من من ولماذا يهرب الشعب الكردي ؟
وبعد المجزرة التي حصلت في مدينة سرى كانيىه نتيجة الإشتباكات التي حصلت بين حزب الإتحاد الديمقراطي وكتائب الجيش الحر أو بالأحرى جبهة النصرة و من ثم الأتفاقيات التي حصلت بينهما , والأخبار التي شاعت بين الشعب بقدوم جيش الحر والكتائب الإسلامية إلى المناطق الكردية مما سيؤدي إلى قصف المنطقة من قبل النظام على أي منطقة تتواجد فيه هذه الكتائب زادت الهجرة أكثر و أكثر .

   
بقاء المواطن الكردي في الوطن وعيشه على الإشاعات بقدوم الكتائب وعدم قدومهم وضعه في وضع لايحسد عليه كمن يراقب آخر أيامه دون أن يعرف كيف تنتهي .

 
أما موضوع معبر سيمالكا و الصراع عليه من قبل البارتي و ب ي د على حساب حياة المواطن الكردي ,بات الشعب يعيش مهاجرا في وطنه .بقيت المناطق الكردية في نقطة بعيدة ومغلقة عن كل المناطق وبعيدة عن مصادر العيش وبدأ تجار الحروب بالإستفادة من الوضع ومن إغلاق المعابر و التحكم بالأسعار وبدأ الشعب الكردي يعيش الفقر الحقيقي وتحولت المدن الكردية إلى شبه منكوبة …حيث ليس من الضروري أن تطلق هذه الكلمة على المناطق التي تتعرض للحرب و القصف و القتل بل حيث المعايير الدولية عدم وجود مصادر الطاقة و الماء ومصادر العيش تتحول المدينة إلى مدينة منكوبة وهذه هو حال المدن الكردية .
وماجرى في مدينة عامودا من مجزرة و إعتقالات عشوائية وإحراق المكاتب الحزبية و مراكز المنظمات المدنية دون سبب يذكر , وضع العقل الكردي في وضع من الجمود و الحيرة , حيث أن المسبب ليس العدو الذي نقاتله ,ليس نظام بشار الأسد وليس الكتائب الإسلامية و السلفية وجبهة النصرة.

بل المسبب هو من ذات القومية وذات التاريخ وذات اللغة .

 لم يتمكن الكردي من الوصول إلى حلول سوى شد الأحزمة و مغادرة الوطن دون رغبة  منه في ترك منزله و وبلده ووطنه.


إما الأحداث التي حصلت في تل أبيض وتل عران وكوباني من إعتقالات و قتل و تهجير الشعب على يد جبهة النصرة و الكتائب الإسلامية المعادية للفكر والقومية الكردية وحال التشرذم و الفوضى بين صفوف أحزابنا الكردية و الصراع فيما بينهم من جهة و الصراع بينهم وبين ب ي د من جهة أخرى وعدم وجود قوة كردية موحدة بإسم واحد و هدف واحد ..فقد الشعب الكردي الثقة بشكل تام وخاب أملهم في تمكين القيادات الكردية من حمايتهم في وقت لايزالون يتنافسون ويتصارعون على الكراسي وحصر نشاطهم في كتابة بيانات التنديد والإستنكار دون العمل على أرض الواقع .

 وعدم وجود إستعداد لأي حالة في المناطق الكردية كما الحادثة الأخيرة ,تهجير الكرد من تل أبيض وعدم وجود أماكن لهم في بقية المناطق الكردية في سورية مما جعلهم في حالة الهجرة الى إقليم كردستان بهذه العدد الهائل .
 ومن جهة أخرى , إنقطاع مصادر الطاقة في المناطق الكردية بشكل تام تقريبا سوى بضعة ساعات في اليوم وإرتفاع سعر الغاز بشكل يفوق طاقة المواطن الكردي وإنعدام حليب الأطفال وإن وجد أيضا بسعر يفوق طاقته إذ لا يتجاوز إجرةعمل  المواطن الكردي في اليوم الواحد 250 ليرة سورية أي دولارا واحدا في اليوم .كما إرتفاع إسعار المواد الغذائية نتيجة إغلاق المعابر الحدودية وعدم وصول الموارد من المناطق السابقة التي كانت تصل منها إلى مناطقنا مثل حلب وحمص ودمشق وعدم قدرة القوى الكردية السياسية الموجودة في كردستان سورية من السيطرة على هذا الوضع ووضع حلول لهذه المشكلة أدى بالشعب إلى ترك الوطن والبحث عن لقمة العيش والعمل لأجل الحفاظ على أرواح أولادهم وتأمين وارد العيش لهم .
أعتقد أن السبب الحقيقي لهذه الهجرة التي تحصل في مناطقنا الكردية كما ذكرت ليس بسبب الثورة أو القتل أو القصف , بل السبب الحقيقي هي القوى الكردية الغير قادرة على حماية شعبها والغير مؤهلة للمسؤولية التي يحملونها وعدم التفكير بمصير ومستقبل الشعب ,
إن إدارة المناطق ليس فقط بالسيطرة على المناصب في المجلسين والهيئة التي شكلوها دون تفعيلها حتى يومنا هذا , الإدارة تكون بإدارة كافة الدوائر الخدمية  من كهرباء و ماء وتأمين مستلزمات الحياة و الخدمات العامة للمواطن وهذا ماتفتقده القوى الكردية و المجالس الكردية والهيئة الكردية .
هجرة إكثر من عشرون إلف كردي خلال ثلاثة أيام إلى إقليم كردستان , تعتبر كارثة تاريخية إذ أن هذه الهجرة لن تتوقف عند هذا العدد بل إن إستمر الوضع على هذا الشكل وهذا الوضع ستزداد الهجرة حتما.

 هجرة الشباب الكردي من مناطقهم بهذا العدد سيؤدي إلى إفراغ المدن الكردية وسهولة مهاجمتها و السيطرة عليها وهذا ما يحقق هدف النظام .
ماذا لو أرسلت حكومة إقليم كردستان المعونات وموارد العيش والمساعدات والإحتياجات الطبية  بهذا المبلغ الذي يؤمنون لهم الآن في هولير ودهوك  والحفاظ على إبقاء الشعب في مدنهم و مناطقهم وماذا لو سمح حزب الاتحاد الديمقراطي بوصول هذه المعونات دون السيطرة عليها وإعطاء الفرصة للمنظمات المدنية بالقيام بعملها والسماح بتوزيع المعونات والمساعدات والإحتياجات الطبيةبشكل عادل بين الشعب وعدم السماح للتجار بالتحكم بالأسعار..هل فكرة الهجرة ستكون قائمة في ذاكرة المواطن الكردي ؟؟
الوضع المستاء الذي وصله المواطن الكردي ولاسيما بوجود مصادر الطاقة وموارد العيش في مناطق دون الأخرى ..جعل من الكردي يدرك المعادلة الحقيقية ويدرك أن الهجرة وترك الوطن هي الفكرة الأكثر صوابا .عند إفتقاد رغيفا واحدا ,نجد الخبز يباع في الشوارع بأسعار خيالية ..وعند إنقطاع البنزين و الغاز ..يباع إيضا في شوارع دون السيطرة عليها أو محاسبتها .

وعدم إقتراب النظام و قوات الأمن منهم …يثير شكوكا وتساؤلات كثيرة ..

إن ما أكتبه قد يثير غضب و إستياء الكثيرين ..ولكن هذه هي الحقيقة المرة والتي لابد من معرفتها ..الهجرة لم تحدث نتيجة القصف بل نتيجة الحرمان و السيطرة على الحياة والتحكم الغير سليم و موفق بموارد الحياة ..إيقاف الهجرة معادلة لها عدة حلول وليست معادلة مستعصية ومستحيلة الحل , والحلول هي في خزائن القوى السياسية الكردية الموجودة في سورية.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…