حتى يتحرر الكوردي من كورديته

 إبراهيم محمود

كم عدد الكورد الذين يُقتَلون بين الحين والآخر؟ كم عدد الكورد الذين يتم الحجْر عليهم بالتهديد والوعيد؟ كم عدد الكورد الذين يُطلَب منهم السكوت رغم أنوفهم؟ كم عدد الكورد الذين يجري اغتصابهم في جنسهم ونوعهم وموقعهم؟ كم عدد الكورد الذين يتم تجييرهم في أفكارهم ومشاعرهم باسم الكوردية المثلى؟ كم عدد الذين تجري تزكيتهم وترقيتهم ليكونوا ممثلي الكوردية، وقدوة لها، بينما كانوا حتى الأمس القريب وحتى اللحظة لا يكفُّون عن طرح كل ما هو كوردستاني في سوق القيم والمزايدات سياسياً وكتاباً وباسم الثقافة والفن، وليس بين جنبيهم نبض اعتبار للانتماء الوطني والقومي الكوردستاني، إنما كيفية الالتفاف على العاملين كوردياً بصمت، أعني بعيداً عن الأضواء التي يتقاسمها نهابو الكوردية على مدار الساعة؟ كم عدد الكورد الذين يعلَن عن كونهم أبطالاً بالقوة أو بالمناورة؟
ربما هي أسئلة تثير حفيظة الذين يُشك في أمرهم وما أكثرهم، وهم يستأثرون برموز كوردية لا يُشك في طهرانيتها مقارنة بعهرانية مدبَّرة، ويريدون البقاء في الواجهة الكوردية دون أن يمتلكوا الدليل العملي على أنهم كوردستانيو الشعور والضمير والتفكير والأحلام!
ما أكثر المتسابقين في مضمار الكوردية في الجهات الكوردسانية، وأكثرهم ظهوراً أولئك الذين لا يكفُّون عن إقلاق من يملك تاريخاً لقول وفعل كورديين، ويحفظون درس التشويش والتعمية جيداً على من يعتبرونهم حجَر عثرة في طريقهم: طريق تجلّي كوردستان الواقع!
لنقل: لا يصبح الكوردي كوردياً حتى يتحرر من كورديته ذات الصلة بمقام فئوي أو ملَلي أو أهْلي أو عصبوي أو تكتلي يتنامى هنا وهناك كوردياً.

لا يشار إلى الكوردي كوردياً، حتى يكتشف هذا الكوردي في نفسه ما هو أبعد من حدود البيت والحارة والمدينة والجغرافية الضيقة.

لا يصبح الكوردي كوردياً حتى يصبح ذا رأي  رأي، دون تحريض من أحد، أو لحساب أحد، أو اسم يُعمل على تثبيته مراراً وتكراراً دون انتظار موافقة من أحد فيما يقوله أو يقوم به.
أقول: لا يصبح الكوردي كوردياً حتى يعلنها على الملأ أن الكوردي السائد والمتداول كوردستانياً في المجمل ليس سوى النسخة المزيَّفة لكوردي حداثي طارئ على الحداثة، ليس سوى الكوردي المتهافت على الألقاب والمتاجر بها، وهو على بينة من حقيقتها المريعة حيثما كان،ليس سوى الكوردي الباحث عن اسم مفضَّل بانتهازيته على كل كوردستان وشعبها، ليس سوى الكوردي الذي يلتقي به في البيت والشارع والتلفزيون والإذاعة والساحة والحديقة، مسكون بالأوبئة المعدية، في العصر الحجري الكوردي بأكثر من معنى ..!
حتى يتحرر الكوردي من كورديته يتطلب الوضع إجراء تعرية لهؤلاء الذين مثَّلوا الكوردية طويلاً  بئس تمثيل، وقدموا خدمات باسم الكوردية ليمارسوا كل ما من شأنه تلغيمها وتفتيتها وجعْل الكوردية مثار سخرية العالم من حولهم.

حتى يتحرر الكوردي من كورديته، ليكون – فعلاً- نزيل التاريخ والعصر، لا بد من اعتراف شجاع بالذين يهرولون هنا وهناك متحدثين باسم الكوردية، بأنهم أثْروا الكذب والنفاق والعهر بألوانه، والسفه بصوره، ليتسنى للذين لمّا يزالوا يمتلكون من الكوردية بذور أصالتها أو قدرتها على الارتقاء باسمها بين أمم الأرض وشعوبها.
لم يتحرر الكوردي المعرَّف به في الواجهة الضوئية: الإعلامية والسلطوية، من مرض السلطوية المزمن، من تلك الذات التي تعجز عن تفهم كوردستان جغرافيا تتطلب وعياً يتناسب ورحابتها، وتاريخاً يتجاوب مع عنف تحدياتها، وما أكثر هذه الذوات التي تعتّم على كوردستان أرضاً وشعباً، ما أكثرها في صخبها الشعاراتي المقيت، وحتى يتحرر الكوردي من تلك الكوردية المعمَّمة والمصمَّمة بالتراضي أو بالتناظر، لنتهيأ للمزيد من العواصف والمزيد من الضحايا: القرابين لهؤلاء الذين تدربوا جيداً على أكل لحوم بني قومهم، وإغراء الخصوم والأعداء لاستعبادهم والتلذذ بأعراضهم في عقر دارهم.

كوردستان أكبر من أي كوردي مهما طال وعرِض، من إبراهيم محمود، وهو المثال الوحيد الذي أستطيع التصريح به دون تردد، حيث مآله الفناء إزاء من يُعتبر عصياً على الفناء.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…