محمود عباس
طغيان السلطة المركزية ستبقى راسخة، ستلبس جلباب متعثر على الركبة بعباءة خضراء، بعدما كانت رسمية فاقعة السواد، جباه منقعة بالعار وأوسمة الفساد ستتبدل بأخرى موشومة ببدعة زرقاء دينية للتباهي مع لحى عبثت بها الجهالة.
طغاة بأنصاف آلهة بشرية، تصارع دكتاتوريات محمية بقوانين مغلفة بإلاهية، والثورة بينهما تغرق في عدمية الصراع المنافق على السلطة.
مقتنعون، وستحصل تغيرات نحو الأفضل، سياسياً وإقتصادياً وأمنياً، إن حدث المطروح على الساحة، وأبتعدت المعارضة العربية الإسلامية السياسية، والبعثية الإنتهازية، عن استبداديتها الفكرية والتي لا تقل بشاعة عن طغاة آل الأسد والبعثيين سابقاً.
الرافضون لبناء وطنٍ بمنطق ثوري، هم أشد المعارضة رفضاً للمشورة ووحدة سوريا بقناعة وتفاهم، وأكثرهم تمسكاً بجغرافية سايكس بيكو التي صنعها المستعمرون الكفار سابقاً!.
الحل السياسي الذي يطرح اليوم في الأروقة الدبلوماسية، والمتجهة إلى مؤتمر جنيف الميتة، لن يأتي بسوريا ديمقراطية، ولن يخلق شعباً متماسكاً، ولن يجمع بين شرائحها الحب والتفاهم، بل الحلول الكلية حيث منطق الآمان، والتي تبدأ بزوال السلطة الحالية، وتنتهي بإغلاق الأبواب أمام الإنتهازيين العنصريين والتكفيريين أو الغارقين في روحانيات الإسلام السياسي، هي التي ستخلق سوريا التي يطلبها الجميع، متحدة بين أثنياتها وطوائفها، بنظام يشعر الكل فيها بالأمان ويعمل عن قناعة وإخلاص لبناءه، سوريا اللامركزية الفيدرالية، جمهورية الكل، الجمهورية السورية.
ليعلم الجميع المعارض والسلطة الشمولية المجرمة، ليست المنطقة الكردية أول من بادرت على ترجيح هذا المطلب، كما يدعيها المبغضون لحرية الكرد، علماً أن المجلس الوطني الكردستاني – سوريا كان أوضح وأول المنظمات السورية والكردية في رفع شعار اسقاط النظام، وتكوين نظام سوري فيدرالي لكل سوريا ومن ضمنها المنطقة الكردية، وكان ذلك إنعكاسا لواقع سوريا المأزوم، وليست لغايات قومية عنصرية، بل لبناء وطن حضاري لكل من فيه قيمة و أحترام.
بُنيَ هذا الموقف على خلفية دراسة متعمقة لتلك الشرائح التي استولت على الوطن عقود من الزمن، وخلقت ثقافة مليئة بالآثام والشرور بين شرائح المجتمع السوري، فكانت الرؤية الأصوب حاضراً ومستقبلاً، فالكل يعلم أن الوطن نهبتها سلطة بدون رادع أخلاقي، وكانت قد نفذت على أرض الواقع تقسيم واضح المعالم لجغرافية سوريا بكل أنواعها، وفصلت المنطقة العلوية في كثيره عن الوطن، أقتصادياً وسياساً، جعلتها كياناً شبه مستقل بكليته، والآن أصبح في زمن الثورة أكثر وضوحاً، الحكم فيها كان يختلف، وهي المنطقة الوحيدة في سوريا التي كان يرأسها شخصيات من نفس المنطقة، تطورها كان مخالفاً لكل سوريا، الوطن كان مصدر تمويلها، ومنبع النهب لزعمائها، لذلك نراهم الآن يستميتون للإبقاء على منابع النهب.
يصعب على هؤلاء المستعمرين التخلي عن مصدر خيراتهم، ويفضلون تدميرها على أن يتركوها تخرج من بين أيدهم، إلى جانب كل هذا فهي كانت القاعدة التي ينطلق منها عصابات الهلال الشيعي، جعلوها مركزاً وقاعدة لكل الشرور التي حصلت في الشرق الأوسط.
لا يمكن بعد كل هذا الدمار والمجازر التي قامت بها السلطة السورية الحالية والتي شاركت فيها طائفتها بأغلبيتها وبمساعدة مجموعات مفرزة من الهلال الشيعي، أن تبقى سوريا على نفس النوعية من السلطة، ولا يمكن أن يكون هناك أمان في بقاء سوريا تحت سلطة مركزية أخرى، قد يمثلها مجموعات تكفيرية غارقة في جمودية الفكر، والروحانيات الإسلامية الموبوءة بالسياسة، أغلبية الشعب ومن بينهم العلويين والدروز والمسيحيين والكرد يتجهون إلى بناء سلطة لا مركزية على الأغلب ستكون موزعة بين أربعة أقاليم فيدرالية، ليتمكن كل جهة من حماية ذاتها.
أصبحت هذه من المسلمات التي لا يمكن لإنسان واع نكرانها، ينافق عليها أولئك الذين يبيعون الوطن في أسواق النفاق السياسي، بإسم وحدة سوريا، ويتاجرون بالوطنيات لغايات، أو لخلفيات ثقافية مهترئة.
الكل يدرك أن بشار الأسد مع قوى الهلال الشيعي تمكنوا من أعدام الثقة بين شرائح المجتمع السوري، والتيارات السلفية التكفيرية بكل أسماءها الشاذة التي لوثت الثورة داخليا وخارجياً ومعها أرض سوريا الوطن، ساعدوا سلطة الإجرام على فعلته، ومددوا في عمرها، وأبعدوا الحلول المنطقية، وحكموا على التدخلات الخارجية بالعدمية، والغريب أن السلطة الغارقة في الإجرام وبعض تيارات الإسلام السياسي الذين يعبثون بمناطق الوطن والتي هي في حقيقتها لا تؤثر على مجريات الثورة ولا على عملية إسقاط السلطة.
تنافست السلطة والأحزاب الإنتهازية في المعارضة على شعارات متناسقة، منها عدم التدخل الخارجي، ومن ثم بعد الآلاف من الشهداء أتجهوا نحو الحوار عن طريق القوى الكبرى، وهم الآن أكثرهم نفاقا وتهالكاً على الحلول السياسية، يخدعون ذاتهم أولاً والثوار الحقيقيين ثانياً.
وغيرهم من المعارضون الإنتهازيون المتواجدون في دمشق تحت أسم هيئة التنسيق الوطنية يتحركون للإبقاء على السلطة الحالية حتى ولو باشكال مختلفة، وكل ذلك لنهب الوطن بكليته، لا يبحثون عن أية حلول منطقية لسوريا المتنوعة، وإن ظهرت بعض البوادر فهم ومع السلطة يهمشونها، ولا يريدون للحرب أن تقف، مثلما لا تريد السلطة أن توقف التدمير والمجازر في الوطن، معظمهم يخدمون الأسد وعصابته ويفعلون على الارض وفي أروقة المؤتمرات الخارجية مثلما تلائم السلطة وتجار الحروب فيها، وأطراف إنتهازية من المعارضة الخارجية، للإبقاء على سوريا تحت سلطة مركزية دكتاتورية ومنبعاً أبديا للنهب.
إذا لم تبقى سيطرة السلطة الحالية ممكنة على سوريا الكل، وهذا ما سيكون، فإن الإستعمار العلوي هم أول من سيخرجون بحلولهم المدروسة سابقاً، وسيقومون بالإعلان عن كيانٍ يمكنهم فيه الدفاع عن الذات، حتى ولو كانت في العمق تابعة لسلطة لامركزية، ومخططهم هذا منتهي أمره، وكذلك الشرائح الأخرى، والتيارات الإسلامية السياسية، ومعهم البعثيون السنة، المتمثلون بالضباط المنشقين عن السلطة لغايات ذاتية، يريدونها سلطة مركزية بكتلة متكاملة للسيطرة فقط، لا لبنائها بالشكل الأمثل، بل لبقائها كملكية خاصة لذاتهم، حيث لا وجود للآخر فيه سوى كتابع معطوف عليه، ورغم كل هذا يبقى الكرد الأكثر إتهاماً، لأنهم الأكثر صراحة وصدقاً مع الذات ومع المعارضة الثورية والشعب السوري، وربما أعلاهم صراخاً إعلاميا حول إقامة منطقة فيدرالية أو ماشابه تحت نظام سوريا اللامركزية، ورغم أن العلويين يقومون بها بشكل أعمق وأوسع، وكذلك الدروز يتلقون دعماً من الأطراف بصمت، لكن الأنظار تتجه الى الكرد بسبب عنصرية الذين يحيطون بهم حاملي الثقافة المشوهة، الثقافة التي خلقت منهم تيارات تعادي الكل وبشكل خاص الكرد كشعب وقومية، وهذه حقيقة يجب تعريتها ومواجهتها بوضوح، لنتمكن من خلق حوار إنساني نقي واضح المعالم، فكل هذه الهجمات المسعورة من الإسلام السياسي التكفيري، ضد الكرد، ونهب مدنهم وإعلان النفير ضد الكرد وتكفيرهم بفتاوي مليئة بالنفاق من منابر الجوامع، مبنية على هذه الخلفية الفاسدة، المشابهة لما قام بها سابقاً الخميني الثوري المتدين، صاحب الفتاوي الشريرة، رغم التعاون والإسناد، والوعود والإتفاقيات، مع الكرد في زمن فرنسا.
د.
محمود عباس
الولايات المتحدة الأميريكية
mamokurda@gmail.com