د.
محمود عباس
محمود عباس
يقول السيد جريس الهامس، في مقدمة مقالته ( لا للخيانة العظمى في الجزيرة السورية – من يوميات الثورة السورية – رقم 59 ) والمنشورة قبل شهر في الحوار المتمدن.
( لا وألف لا ليست كردستان سورية – إنها الخيانة الوطنية السافرة ؟؟؟ إنها الجزيرة السولاية وما بين النهرين إنها أرض ربيعة وتغلب وطي وتميم وإياد وفروعها من القبائل الحد يثة مثل شمر وغيرها .والسريان في ماردين والرها …)
( لا وألف لا ليست كردستان سورية – إنها الخيانة الوطنية السافرة ؟؟؟ إنها الجزيرة السولاية وما بين النهرين إنها أرض ربيعة وتغلب وطي وتميم وإياد وفروعها من القبائل الحد يثة مثل شمر وغيرها .والسريان في ماردين والرها …)
خلفية تاريخية، لمثقف وسياسي أممي، غارقة في البعدين، القومي العروبي، وإنزياحات فكرية مخالفة للحقيقة بكل أنواعها، أرض ربيعة وتغلب وطي وتميم وغيرهم، ثبتها الجاهليون من الشعراء، وكذلك التاريخ الإسلامي، والقرأن أعظم وثيقة في هذه الأحكام.
جغرافية هذه القبائل العربية من المسلمات التي تعتبر مهزلة حتى الحديث فيها، إلا إذا كانت صحراء الجزيرة العربية وأرض اليمامة واليمن أتجهت تيمناً سيراً إلى كردستان وأندمجت بجبال طوروس!.
كان الأولى التمهل في الكلام وإطلاق الأحكام للتخلص من الأخطاء اللغوية والمطبعية والتاريخية، والتركيز على المنطق في الكلام، والإحتكام إلى العقل في النقد، وتحليل المطروح من قبل حزب ال ب ي د، والتي نقدها الكثيرون من الكرد ذاتهم لكنهم اكتفوا بالمطروح وأصحابه، والحديث عن كردستان الكل أو كردستان سوريا، من المخجل لمثقف بقامة الأخ ( جريس الهامس ) دمج المطروح هكذا جزافاً، والتي هي ليست وليدة الحاضر السياسي المعاش، أو استغلال للفرص، وكان يجب البحث في حضور القبائل الموجودة فعلا على الساحة، وتاريخ حضورهم، والبعد الوطني الجامع بينهم وبين الكرد، والتي يتقبلها كل وطني شريف، ومن ثم التعمق في مجالات التاريخ حول الشعوب السورية الحاضرة في المنطقة ما لهم وما عليهم.
لكن خلفية غامضة من الإنزياح القومي العروبي المدموج مع الفكر الشيوعي والتي هي متناقضة مع الإيديولوجية الأممية، لم تسهل طريق النقد وتبيان الخطأ في الوجود الكردستاني، كما ولم يتمكن من تثبيت المنطق الوطني الذي يتبناه الأخ ( جريس الهامس ) ومنذ عقود، فما طرحه بين وللأسف عن خلفية ثقافية وفكرية متناقضة مع العمق الوطني، وظهرت نقده، بل وفي كثيره تهجمه، شاذة وغارقة في العروبية الملغية للآخر، والتي ربما لا ينتمي هو بذاته التاريخي العرقي لا السياسي إليها.
بنيت ثقافة مشوهة في المجتمع السوري، وعلى مدى قرن من الزمن، مليئة بالأحكام التلقائية، وخالية من المنطق الإنساني، مجردة من حكمة التريث والفهم الحضاري، قادتها سلطات شمولية متتالية، وتشربها مجموعة من السياسيين، والكتاب، والحزبيين القدامى، ومن جميع شرائح الشعب السوري، بعربه وكرده وغيرهم، إلى أن أصبحوا يجرفون الإتهامات بلا رادع أخلاقي أو ثقافي، فكلمة ( الخيانة ) يلقنها البعض ويطلقها جزافاً كحكم قضائي مسنود بذاتية تائهة بين الإنتماءات العديدة المكونة عادة للشخصية المحيرة، والمثقف أو الكاتب السياسي أصبح يلفظها دون قيود، وعند أول اختلاف فكري أو سياسي.
تكمن في هذه الكلمة صراع جدلية الإتهام، والمنطق الذي يعتمد عليه المتهم للآخر بالخيانة أو وصفه بالخائن، علماً إنها تهمة نسبية، كل ينظر إليها من منظوره الذاتي والذي قد يكون غارق في الحقد والكراهية والعنصرية تجاه الآخر، وربما عن خلفية ثقافية ضحلة ومفاهيم بسيطة، فالخائن في نظر البعض يكون وطنياً عند الآخر، وبالعكس.
بلغ الحد بالبعض مثل السيد ( جريس الهامس ) الكاتب السياسي والغارق في أبعاده الوطنية، المستمدة من تاريخ نضالي طويل ضد الإستعمار، والمناضل تحت ألوية الشيوعية، التي دمجها لاحقاً بالعروبية فهماً وبعثية الحوراني من أبوابها الخلفية فكراً، لا يتوانى أن يطلقها على شريحة من الشعب الكردي حتى ولو كانت تحت راية حزب سياسي قد يتعارض والعديد من الأحزاب الكردية الأخرى، لم يتردد في حكمه، والنطق بالخيانة الموجهة للشعب الكردي مبطنة تحت عباءة التهجم على حزب ال ب ي د ، وتحت جنح المطالبة بإدارة كردية لمنطقة جغرافية، لا تأويل عليها، علماً أن المحاورات السياسية حول سوريا القادمة في الأروقة الدبلوماسية تتجاوز منطق الإدارة الذاتية وترقى إلى أعماق الفيدرالية البعيدة، ليست في المنطقة الكردية الممتدة من سواحل البحر الابيض المتوسط إلى مصب الفرات مع العراق تقريباً، وهي منطقة تشمل الكردي والعربي والسرياني والاشوري والآرمني وغيرهم، بل وفي سوريا الكل كنظام فيدرالي، والمنطقة ستكون اقليماً كردستانياً ذات إنتماء سوري متحد كوطن مشترك للكل، إدارة يتعايش فيها الجميع ويديرونها بإرادة مشتركة وقناعة حضارية، وإن حدث نقاش ومحاورة فلنتقدم إلى الديمغرافية والتاريخ والأبعاد الحضارية، ونعود إلى المئات من السنين في العدمية، التي مارستها السطات الشمولية بحق الأمة الكردية، لتقزيم الجغرافية و تمييع الديمغرافية الكردية ومسح تاريخ الكرد وكردستان وبطرق حيرت الإنسان عن إستيعابها وأخرجت من منطق الحصر.
الإنتماء إلى وطن الحاضر ( سوريا ) كردياً، أو إلى وطن الأحلام ( كردستان ) لا تحددها التسميات الإعتباطية التي مرت، إما بعقود قريبة كقامشلو أو قامشلي ( بالمناسبة إنها كلمة تركية وليست سريانية كما يدعي الكاتب ) ، أو إلى قرون في العمق التاريخي كسري كانيه أو رأس العين، أو إلى سنوات البعث القريبة مثل قريتي التي بناها والدي نصران أو منصورة كما أرادها رئيس فرع المخابرات العسكرية محمد منصورة نكاية بصراع لا داعي لسياقها هنا، بل تحددها قوانين متنوعة الأبعاد، سياسية وإقتصادية وديمغرافية وجغرافية وتاريخية وغيرها، وقد لا نستبعد دينياً وإنتماءً ذاتياً قومياً فكرياً أو روحياً، كلية الإنتماء لم تكتمل يوماً في تاريخ الدول ولا في تجمعات الشعوب، إلغاء كردستان كأرض أو تاريخ، وتذويب الكرد كديمغرافية أو كقومية، مارستها جميع الشعوب المجاورة، حفاظاً على سيطرة غارقة في العنصرية وأستندت وبدون مواربة على مفاهيم إلغاء الآخر، وفي هذه لم تختلف حولها الشعوب الصغيرة والمنقرضة بعضها، أو المسيطرة سياسياً، والمدعية بالأكثرية أعتماداً على منطق القوة، وفي الحقيقة الكرد من الشعوب الأكثر نسبة سكانية في المنطقة رغم العهود الطويلة من التعريب والتتريك وغيرها، مع ذلك فمنطق الأكثرية أو الأقلية ملغية في الأحكام الوطنية والإنتماء إلى الكل الموجود، لكن هذا لا يعطي الحق للأخر بإطلاق الأحكام الدونية على شعب بكليته، ويبطنها في خلفية الإدعاء بالوحدة الوطنية، والوحدة من خلال هذا البعد الفكري معدومة، ولا يتقبله المنطق الحضاري، خاصة إذا كانت مرجعيتها الإرغام والإكراه، والكردستان المجزءة جغرافياً وديمغرافياً وتاريخاً ممزقاً، ينهل ذاتها المنطقية من توحيد إختياري مع الآخر من الشعوب عن قناعة وبرغبة مبنية على خلفية فهم للواقع المعاش.
عندما تنعدم الأسس الإنسانية في التعامل، وتظهر بوادر تغيير طاغية آل الأسد والبعث بطغاة يحملون مفاهيم دوغماتية تنتمي إلى روحانيات يخلقونها حسب المزادات العلنية والفتاوي النزعية من الإسلام السياسي الغارق في العروبية والمنطق القريشي في الإمارة والسيطرة، فلا شك أن قامشلي ستصبح قامشلو حتى ولو كان التصريف مجرد اسم علم باللغة الكردية يلحق بالمذكر عادة حرف الواو، ونحن هنا لا ننقب عن تاريخ جداً قريب، أعتمد عليها كاتب يظهر عن قامة ما، لبناء فكر سياسي قومي وتاريخ شعب غارق في تاريخ التكوين الإنساني في هذه المنطقة، من سكن قامشلو ومن بناها ومن كانت له أملاك فيها؟ مثل هذه الأسئلة لا تعطي الحق أن نطلق الأحكام على شعب بالخيانة وعلى عدمية كردستان ولا من خلال الإختلافات على أسماء مدن كردية أو أشورية أو سريانية، فسوريا أسم سرياني أرامي، لماذا يحكمها العرب، ولماذا يكون طاغيتها من آل الأسد العلوي، ولماذا السريان هنا تكاد تصبح أقلية منبوذة حسب الدستور السوري، لا يحق لهم رئاسة الدولة السورية؟ أسئلة كان يجب أن تعطي للسيد جريس الهامس عشرات الخيانات بحق العرب والذين سرقوا سوريا من شعبها الأول السريان، ألم يكن المسيح يهودياً، ولا نعلم هنا فيما إذا كان السيد الهامس يبحث في تاريخ السريان كشعب وبناة حضارة، أم كدين، وكثيراً ما تناقشت مع بعض الإخوة السريان على هذه الأبعاد، على أن السريان أصحاب حضارة وهم شعب قائم بذاته، والبقية الموجودون بعضهم إما ينتمون إلى حضارات سابقة، أرامية أو بابلية أو كلدانية أو غيرها ولا نتحث هنا عن حضارة الأشوريين، لكن الإخوة وتحت الظروف السياسية المسيطرة والسلطات الشمولية التي تمكنت من تمييع الكل السوري تقريباً في ثقافة مشوهة، يصرون على إنتمائهم إلى العروبة، وهنا أرى الأخ ( جريس الهامس ) يغرق ذاته في هذا الإنتماء ويحرف تاريخه، فلا عتب إذا حاول تحريف كل كردستان، وأحكم عليها بالخيانة الوطنية لمجرد أن الكرد طالبوا بالحرية وتقرير المصير بالرغبة، والأخطاء العديدة المطبعية والإملائية والتاريخية وغيرها.
والتي قلما نجدها في كتاباته وأنا من المتابعين له، دليلٌ على أن العاطفة ونوعية الثقافة المتراكمة خلال فترة البعث طغت في كثيره على الحكمة والتفكير التحليلي وأحكامه.
كان الأولى التحدث عن تاريخ الترك الذين ظهروا في بدايات القرن التاسع الميلادي، لا تاريخ الأمة الكردية الحاضرة في هذه الأبعاد منذ ظهور الإنسان، بل هم من أوائل ظهور البشر هنا، ولا يستطيع مؤرخ أنكار هذا، ولا نعني بهذا كما عني بها الأخ جريس الهامس نجعل من مقولة الأخر حول وجوده في المنطقة والمطالبة بحضوره خيانة وطنية كبرى أو صغرى.
كان بالإمكان إبتلاع التهمة، لو أطلقها عابر سبيل مثل البعض من قادة المعارضة الإنتهازية، وما أكثر التصريحات العنصرية التي خرجت من أعماق المؤتمرات، ومن السلطة الشمولية وعلى مدى نصف قرن، إلى أن أصبحنا نسمع من بعض التيارات التكفيرية التي تدعي الثورية تحليل المحرمات من الدم الكردي إلى تحليل سبي نسائهم.
فإتهام الكرد تبطيناً بحزب، بالخيانة من السيد الهامس مقارنة بأبطال المعارضة الإنتهازية المحسوبة على الثورة نفاقاً لا تقل عنصرية وفضاحة لمفاهيم الوطنية التي يستعملونها كسلعة تباع في المزادات الكلامية البخسة، عن عنصرية الذين كانوا يلغون الوجود الكردي في الأطراف الأربعة المجزئة بين الدول السايكس بيكويية.
والتي يؤمن بها الأخ ( جريس الهامس ) الوطني والذي قضى سنوات عديدة من عمره في مظاهرات التنديد بالإستعمار ومخططاتهم، وهو اليوم يلغي كل تلك المظاهرات والمسيرات بمنطق بسيط، وعند أول مجابهة مع الذات الحقيقية، وكأننا نرى شخصيتين أو تكوينين بمفهومين متناقضين في جسم واحد، توثقها الشخصية الحاضرة في مقالته الإتهامية الخيانية، بالإعتراف المطلق بحدود سوريا وجغرافيتها كما أرادها المستعمر السابق، بسلطة مركزية غارقة في الإستبداد، متبرئاً من شخصيته الوطنية الثورية المناهضة للإستعمار ومخططاتهم، وهذا هو التناقض بكل تجلياته، إن لم تكن مناهضة الإستعمار لغايات أخرى آنذاك! والأن يأمل الشعب السوري أن يكون الوطني والمناضل صادقاً مع ذاته قبل أن يكون صادقاً معه ( الشعب )، وفي واقع الحال يتمنى الشعب السوري وعلى مدى سنتين من عمر الثورة أن يتحرر هؤلاء المثقفين من منطق البعث ، كأملٍ في مستقبل باهر، وبناء وطنٍ نقي.
د.
محمود عباس
الولايات المتحدة الأميريكية
mamokurda@gmail.com
جغرافية هذه القبائل العربية من المسلمات التي تعتبر مهزلة حتى الحديث فيها، إلا إذا كانت صحراء الجزيرة العربية وأرض اليمامة واليمن أتجهت تيمناً سيراً إلى كردستان وأندمجت بجبال طوروس!.
كان الأولى التمهل في الكلام وإطلاق الأحكام للتخلص من الأخطاء اللغوية والمطبعية والتاريخية، والتركيز على المنطق في الكلام، والإحتكام إلى العقل في النقد، وتحليل المطروح من قبل حزب ال ب ي د، والتي نقدها الكثيرون من الكرد ذاتهم لكنهم اكتفوا بالمطروح وأصحابه، والحديث عن كردستان الكل أو كردستان سوريا، من المخجل لمثقف بقامة الأخ ( جريس الهامس ) دمج المطروح هكذا جزافاً، والتي هي ليست وليدة الحاضر السياسي المعاش، أو استغلال للفرص، وكان يجب البحث في حضور القبائل الموجودة فعلا على الساحة، وتاريخ حضورهم، والبعد الوطني الجامع بينهم وبين الكرد، والتي يتقبلها كل وطني شريف، ومن ثم التعمق في مجالات التاريخ حول الشعوب السورية الحاضرة في المنطقة ما لهم وما عليهم.
لكن خلفية غامضة من الإنزياح القومي العروبي المدموج مع الفكر الشيوعي والتي هي متناقضة مع الإيديولوجية الأممية، لم تسهل طريق النقد وتبيان الخطأ في الوجود الكردستاني، كما ولم يتمكن من تثبيت المنطق الوطني الذي يتبناه الأخ ( جريس الهامس ) ومنذ عقود، فما طرحه بين وللأسف عن خلفية ثقافية وفكرية متناقضة مع العمق الوطني، وظهرت نقده، بل وفي كثيره تهجمه، شاذة وغارقة في العروبية الملغية للآخر، والتي ربما لا ينتمي هو بذاته التاريخي العرقي لا السياسي إليها.
بنيت ثقافة مشوهة في المجتمع السوري، وعلى مدى قرن من الزمن، مليئة بالأحكام التلقائية، وخالية من المنطق الإنساني، مجردة من حكمة التريث والفهم الحضاري، قادتها سلطات شمولية متتالية، وتشربها مجموعة من السياسيين، والكتاب، والحزبيين القدامى، ومن جميع شرائح الشعب السوري، بعربه وكرده وغيرهم، إلى أن أصبحوا يجرفون الإتهامات بلا رادع أخلاقي أو ثقافي، فكلمة ( الخيانة ) يلقنها البعض ويطلقها جزافاً كحكم قضائي مسنود بذاتية تائهة بين الإنتماءات العديدة المكونة عادة للشخصية المحيرة، والمثقف أو الكاتب السياسي أصبح يلفظها دون قيود، وعند أول اختلاف فكري أو سياسي.
تكمن في هذه الكلمة صراع جدلية الإتهام، والمنطق الذي يعتمد عليه المتهم للآخر بالخيانة أو وصفه بالخائن، علماً إنها تهمة نسبية، كل ينظر إليها من منظوره الذاتي والذي قد يكون غارق في الحقد والكراهية والعنصرية تجاه الآخر، وربما عن خلفية ثقافية ضحلة ومفاهيم بسيطة، فالخائن في نظر البعض يكون وطنياً عند الآخر، وبالعكس.
بلغ الحد بالبعض مثل السيد ( جريس الهامس ) الكاتب السياسي والغارق في أبعاده الوطنية، المستمدة من تاريخ نضالي طويل ضد الإستعمار، والمناضل تحت ألوية الشيوعية، التي دمجها لاحقاً بالعروبية فهماً وبعثية الحوراني من أبوابها الخلفية فكراً، لا يتوانى أن يطلقها على شريحة من الشعب الكردي حتى ولو كانت تحت راية حزب سياسي قد يتعارض والعديد من الأحزاب الكردية الأخرى، لم يتردد في حكمه، والنطق بالخيانة الموجهة للشعب الكردي مبطنة تحت عباءة التهجم على حزب ال ب ي د ، وتحت جنح المطالبة بإدارة كردية لمنطقة جغرافية، لا تأويل عليها، علماً أن المحاورات السياسية حول سوريا القادمة في الأروقة الدبلوماسية تتجاوز منطق الإدارة الذاتية وترقى إلى أعماق الفيدرالية البعيدة، ليست في المنطقة الكردية الممتدة من سواحل البحر الابيض المتوسط إلى مصب الفرات مع العراق تقريباً، وهي منطقة تشمل الكردي والعربي والسرياني والاشوري والآرمني وغيرهم، بل وفي سوريا الكل كنظام فيدرالي، والمنطقة ستكون اقليماً كردستانياً ذات إنتماء سوري متحد كوطن مشترك للكل، إدارة يتعايش فيها الجميع ويديرونها بإرادة مشتركة وقناعة حضارية، وإن حدث نقاش ومحاورة فلنتقدم إلى الديمغرافية والتاريخ والأبعاد الحضارية، ونعود إلى المئات من السنين في العدمية، التي مارستها السطات الشمولية بحق الأمة الكردية، لتقزيم الجغرافية و تمييع الديمغرافية الكردية ومسح تاريخ الكرد وكردستان وبطرق حيرت الإنسان عن إستيعابها وأخرجت من منطق الحصر.
الإنتماء إلى وطن الحاضر ( سوريا ) كردياً، أو إلى وطن الأحلام ( كردستان ) لا تحددها التسميات الإعتباطية التي مرت، إما بعقود قريبة كقامشلو أو قامشلي ( بالمناسبة إنها كلمة تركية وليست سريانية كما يدعي الكاتب ) ، أو إلى قرون في العمق التاريخي كسري كانيه أو رأس العين، أو إلى سنوات البعث القريبة مثل قريتي التي بناها والدي نصران أو منصورة كما أرادها رئيس فرع المخابرات العسكرية محمد منصورة نكاية بصراع لا داعي لسياقها هنا، بل تحددها قوانين متنوعة الأبعاد، سياسية وإقتصادية وديمغرافية وجغرافية وتاريخية وغيرها، وقد لا نستبعد دينياً وإنتماءً ذاتياً قومياً فكرياً أو روحياً، كلية الإنتماء لم تكتمل يوماً في تاريخ الدول ولا في تجمعات الشعوب، إلغاء كردستان كأرض أو تاريخ، وتذويب الكرد كديمغرافية أو كقومية، مارستها جميع الشعوب المجاورة، حفاظاً على سيطرة غارقة في العنصرية وأستندت وبدون مواربة على مفاهيم إلغاء الآخر، وفي هذه لم تختلف حولها الشعوب الصغيرة والمنقرضة بعضها، أو المسيطرة سياسياً، والمدعية بالأكثرية أعتماداً على منطق القوة، وفي الحقيقة الكرد من الشعوب الأكثر نسبة سكانية في المنطقة رغم العهود الطويلة من التعريب والتتريك وغيرها، مع ذلك فمنطق الأكثرية أو الأقلية ملغية في الأحكام الوطنية والإنتماء إلى الكل الموجود، لكن هذا لا يعطي الحق للأخر بإطلاق الأحكام الدونية على شعب بكليته، ويبطنها في خلفية الإدعاء بالوحدة الوطنية، والوحدة من خلال هذا البعد الفكري معدومة، ولا يتقبله المنطق الحضاري، خاصة إذا كانت مرجعيتها الإرغام والإكراه، والكردستان المجزءة جغرافياً وديمغرافياً وتاريخاً ممزقاً، ينهل ذاتها المنطقية من توحيد إختياري مع الآخر من الشعوب عن قناعة وبرغبة مبنية على خلفية فهم للواقع المعاش.
عندما تنعدم الأسس الإنسانية في التعامل، وتظهر بوادر تغيير طاغية آل الأسد والبعث بطغاة يحملون مفاهيم دوغماتية تنتمي إلى روحانيات يخلقونها حسب المزادات العلنية والفتاوي النزعية من الإسلام السياسي الغارق في العروبية والمنطق القريشي في الإمارة والسيطرة، فلا شك أن قامشلي ستصبح قامشلو حتى ولو كان التصريف مجرد اسم علم باللغة الكردية يلحق بالمذكر عادة حرف الواو، ونحن هنا لا ننقب عن تاريخ جداً قريب، أعتمد عليها كاتب يظهر عن قامة ما، لبناء فكر سياسي قومي وتاريخ شعب غارق في تاريخ التكوين الإنساني في هذه المنطقة، من سكن قامشلو ومن بناها ومن كانت له أملاك فيها؟ مثل هذه الأسئلة لا تعطي الحق أن نطلق الأحكام على شعب بالخيانة وعلى عدمية كردستان ولا من خلال الإختلافات على أسماء مدن كردية أو أشورية أو سريانية، فسوريا أسم سرياني أرامي، لماذا يحكمها العرب، ولماذا يكون طاغيتها من آل الأسد العلوي، ولماذا السريان هنا تكاد تصبح أقلية منبوذة حسب الدستور السوري، لا يحق لهم رئاسة الدولة السورية؟ أسئلة كان يجب أن تعطي للسيد جريس الهامس عشرات الخيانات بحق العرب والذين سرقوا سوريا من شعبها الأول السريان، ألم يكن المسيح يهودياً، ولا نعلم هنا فيما إذا كان السيد الهامس يبحث في تاريخ السريان كشعب وبناة حضارة، أم كدين، وكثيراً ما تناقشت مع بعض الإخوة السريان على هذه الأبعاد، على أن السريان أصحاب حضارة وهم شعب قائم بذاته، والبقية الموجودون بعضهم إما ينتمون إلى حضارات سابقة، أرامية أو بابلية أو كلدانية أو غيرها ولا نتحث هنا عن حضارة الأشوريين، لكن الإخوة وتحت الظروف السياسية المسيطرة والسلطات الشمولية التي تمكنت من تمييع الكل السوري تقريباً في ثقافة مشوهة، يصرون على إنتمائهم إلى العروبة، وهنا أرى الأخ ( جريس الهامس ) يغرق ذاته في هذا الإنتماء ويحرف تاريخه، فلا عتب إذا حاول تحريف كل كردستان، وأحكم عليها بالخيانة الوطنية لمجرد أن الكرد طالبوا بالحرية وتقرير المصير بالرغبة، والأخطاء العديدة المطبعية والإملائية والتاريخية وغيرها.
والتي قلما نجدها في كتاباته وأنا من المتابعين له، دليلٌ على أن العاطفة ونوعية الثقافة المتراكمة خلال فترة البعث طغت في كثيره على الحكمة والتفكير التحليلي وأحكامه.
كان الأولى التحدث عن تاريخ الترك الذين ظهروا في بدايات القرن التاسع الميلادي، لا تاريخ الأمة الكردية الحاضرة في هذه الأبعاد منذ ظهور الإنسان، بل هم من أوائل ظهور البشر هنا، ولا يستطيع مؤرخ أنكار هذا، ولا نعني بهذا كما عني بها الأخ جريس الهامس نجعل من مقولة الأخر حول وجوده في المنطقة والمطالبة بحضوره خيانة وطنية كبرى أو صغرى.
كان بالإمكان إبتلاع التهمة، لو أطلقها عابر سبيل مثل البعض من قادة المعارضة الإنتهازية، وما أكثر التصريحات العنصرية التي خرجت من أعماق المؤتمرات، ومن السلطة الشمولية وعلى مدى نصف قرن، إلى أن أصبحنا نسمع من بعض التيارات التكفيرية التي تدعي الثورية تحليل المحرمات من الدم الكردي إلى تحليل سبي نسائهم.
فإتهام الكرد تبطيناً بحزب، بالخيانة من السيد الهامس مقارنة بأبطال المعارضة الإنتهازية المحسوبة على الثورة نفاقاً لا تقل عنصرية وفضاحة لمفاهيم الوطنية التي يستعملونها كسلعة تباع في المزادات الكلامية البخسة، عن عنصرية الذين كانوا يلغون الوجود الكردي في الأطراف الأربعة المجزئة بين الدول السايكس بيكويية.
والتي يؤمن بها الأخ ( جريس الهامس ) الوطني والذي قضى سنوات عديدة من عمره في مظاهرات التنديد بالإستعمار ومخططاتهم، وهو اليوم يلغي كل تلك المظاهرات والمسيرات بمنطق بسيط، وعند أول مجابهة مع الذات الحقيقية، وكأننا نرى شخصيتين أو تكوينين بمفهومين متناقضين في جسم واحد، توثقها الشخصية الحاضرة في مقالته الإتهامية الخيانية، بالإعتراف المطلق بحدود سوريا وجغرافيتها كما أرادها المستعمر السابق، بسلطة مركزية غارقة في الإستبداد، متبرئاً من شخصيته الوطنية الثورية المناهضة للإستعمار ومخططاتهم، وهذا هو التناقض بكل تجلياته، إن لم تكن مناهضة الإستعمار لغايات أخرى آنذاك! والأن يأمل الشعب السوري أن يكون الوطني والمناضل صادقاً مع ذاته قبل أن يكون صادقاً معه ( الشعب )، وفي واقع الحال يتمنى الشعب السوري وعلى مدى سنتين من عمر الثورة أن يتحرر هؤلاء المثقفين من منطق البعث ، كأملٍ في مستقبل باهر، وبناء وطنٍ نقي.
د.
محمود عباس
الولايات المتحدة الأميريكية
mamokurda@gmail.com