الجانب الكوردي سيدافع عن ذاته ومناطقه

نوري بريمو

عندما إندلعت الثورة السورية في إطار الربيع الشرق أوسطي الذي أثّر على بوصلة السياسة في منطقتنا وغيّر وجهتها عبر استفاقة شعوبها التي إنتفضت وأسقطت بعض الأنظمة الدكتاتورية التي كانت تحكم بلدانها بالحديد والنار…، تفاءل السوريون بإنفراجية المشهد وتنفسوا الصعداء لبروز بوادر أمل تخلصهم من طغيان نظام البعث وظنوا بأنهم سيحققوا النصر بنفس السرعة والسهولة التي تخلص فيها أهل تونس وليبيا ومصر واليمن من طغاتهم بن علي والقذافي ومبارك وعلي عبد الله صالح!، لكن ظنّهم مالبث أن خاب وآمالهم ما برحت أن تلاشت لأنهم إصطدموا بقساوة السيناريو السوري الذي إختلف كثيراً عن سابقيه نظراً لأن الطبائع الإستبدادية والطائفية للنظام السوري تختلف عن باقي أقرانه من الأنظمة الحاكمة في المنطقة،
فقد أدخل هذا النظام البلاد في دوامة حرب أهلية دامية ودامت بشكل عنفي على مدى حوالي سنتين ونصف شهدت خلالها وما تزال البلاد تشهد مسلسلاً من صراع الأضداد التي تمارس الإرهاب المتبادل وتفرض توازن الرعب وترتكب القتل والمجازر الجماعية والتدمير والتشريد والنزاعات الطائفية الدموية، والتدخلات الاقليمية الجارية على قدم وساق وبشكل مباشر وغير مباشر حتى باتت سوريا اليوم فريسة للفلتان الأمني والإدراي بشتى الأشكال والألوان على مركوب أسلَمة الثورة وإفراغها من محتواها وإتساع دائرة العنف والعنف المضاد والاختلال السياسي والانتكاس الاقتصادي والافتراق الاجتماعي والإرتزاق المسلح و….إلخ، مما أدى إلى تعكير صفوة الحياة لا بل إعدامها في عموم أنحاء البلد وتهجير ملايين المواطنين وتدمير البنى التحتية للمدن والأرياف وقتل وجرح مئات الآلوف من الآدميين الأبرياء.
وفي غضون السنتين والنصف المنصرمة من عمر الثورة السورية، برزت في الساحة جماعات إسلامية متطرفة ومتأطرة تحت أسماء ويافطات مختلفة، وفاقمت الساحة بالمشاكل وزادت الطين بّلة لأنها سرقت الثورة من أهلها وإستولت عليها طولاً وعرضاً، وتوعّدت وتتوعّد بأنها ستواصل تنظيم صفوفها ومجاميعها ومريديها وستتأمّر على المعارضة السورية وستستأثر بالقرار السوري لصالح الأكثرية العربية السنية وخاصة لصالح “السلف الصالح” وستطبق الشريعة الإسلامية وستقصي الآخر وستلغي الأطياف الأخرى (الكورد والعلويين والدروز والمسيحيين وغيرهم) من الخارطة السورية!، حتى باتت الأمور تسير من سيئ إلى أسوء في ظل سريان مفعول إحتقان المجتمع وتدخلات دول الجوار الإقليمي الطامعة ببسط النفوذ وتحقيق مزيد من المصالح على حساب أمن وسلامة أهل البلد.
ولعلّ الغزو والإغارة والسطو المسلح وأخذ الغنائم ومداهمة ديار الآخرين وأسر الرجال وسبي النساء و…إلخ، وكل هذه الأساليب التي تتّبعها المجاميع الإسلامية المتطرفة في بلدة تل أبيض المتآخية ـ بين الكورد والعرب ـ هي أشبه ما تكون بحملة تطهير عرقي تجري ضد شعبنا الكوردي المتشبث بأرضه التي توارثها عن آبائه وأجداده منذ العصور، وهي الشاهد الأكثر دلالة على أنّ الإئتلاف السوري المعارض لم يبق محايداً وقد يكون متورطاً بشكل غير مباشر في هذه تطبيق هذه الحرب الشوفينية المعادية للكورد لأنه لم يتدخل في الوقت المناسب ولم يوقف هذه الحملة الشعواء التي تستهدف مدينة تل أبيض وريفها الكوردي، وإن كان البعض من قوى المعارضة تلتزم بالصمت وتتحجج بالضعف الذاتي وبعدم السيطرة على الأرض وأنّ هذه المجاميع المسلحة تعمل خارج إرادتها!؟، فإن المشهد الحالي يتطلّب من الجميع إتخاذ موقف واضح وأن هذه الحجج والذرائع لم تعد تجدي نفعاً ولا يمكن تفسير هذا السلوك للإئتلاف سوى بالسلبية لأنه يدير ظهره ويتفرّج على هذه الجرائم التي تقترفها المجاميع الإسلامية المتطرفة في ريف تل أبيض الجريحة والحزينة على أهلها الكورد الذين هجروها ونزحوا منها هربا من بطش وظلم ذوي القربى والجيران.
وللعلم والتذكير فأنّ السوريين سُرقت ثورتهم في منتصف مسيرتها، وأصبح تجار الحروب قادة فعليين للثورة وأسياد للموقف وأبطال للساحة، وأمست الحدود مفتوحة والساحة مستباحة امام تسلل وتسلط الأصوليين الذين يبدو أنهم ينوون فعلا أن ينخرطوا في تطويق وعزل المناطق الكوردية وفي إفتعال حرب تطهير عرقي ضد غيرهم وخاصة ضد الكورد في تل ابيض وغيرها وقد يكون الحبل على الجرار!، ولكن هيهات…هيهات ما بين أحلامهم ومراميهم وأحقادهم الدفينة وسياساتهم الشوفينية، وما بين الواقع لا بل الجدار المتين للبيت الكوردي الموحد الذي سيصطدمون به اليوم وغداً، فالجانب الكوردي المرصوص بكل مكوناته ينحو نحو الخيارات السلمية وينبذ عسكرة الحلول ولكنه حين اللزوم لن يسكت عن حقه وسيدافع عن ذاته وعن مناطقه الكوردية ضد أية جهة غريبة تتربص بها وتفكر بمداهمة دياره الآمنة، ولن يسمح الكورد من الآن فصاعد بأن يحكمهم الآخرون بغير وجه حق، وسيسعون مع أخيار هذا البلد إلى بناء سوريا جديدة يحكمها كل السوريون وفق مبدأ التوافق السياسي الديموقراطي وبحسب الدستور والمعايير الدولية للحق والعدل والقانون وفي ظل نظام اتحادي ديموقراطي تعددي لامركزي يحتضن جميع المكونات السورية ويمنح الفدرالية لكوردستان سوريا.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…