الأكراد في ضيافة الأسد

 إبراهيم محمود

“الأكراد” المعنيون بقضيتهم في سوريا هم الآن ومنذ حين من الوقت في ضيافة الأسد، وليس بمستغرب أنهم يشربون القهوة العربية المرَّة رشفة تلو رشفة، وأن القهوجي العتيد هو برهان غليون، والحكواتي هو الجربا، وثمة من يدبكون مرحّبين بهم على وقع رصاصهم من ذوي اللحى بملِلهم ونحلِهم، وملتقط الصور التذكارية هو بان كي مون وأفضل مشجع هو أوباما ومعه بوتين، بينما في الجوار القريب يكون الوسيط دون وساطة: نبيل العربي، والملعب الساخن من كل جهاته: سوريا طبعاً، لكن تمريرات الكرة الملتهبة تتجه صوب المدرجات، والجمهور الافتراضي في قلب الساحة.
لا يمكن لأحد أن يصف شعور الأسد في ابتهاجه عما يجري في مضافته المغيَّبة عن أنظار العاديين، كيف لا وثمة من يتم رصدهم بالقرب منه أو يحسَبون عليه وإن بدوا أشد المعارضين له، حيث الضيافة تتناسب قواعدها المستحدثة طرداً مع فنون العولمة وما بعدها، وأمد اللعبة خارج عن السيطرة، حيث لا يستطيع أيُّ ابن أمه أن يقدّر نهايتها.
على ذكر العنوان، والجاري تثبيته لاحقاً، لا أريد من أي قارئ أن يضع خطوطاً تحت الكلمات أو العبارات النافرة أو الكلمات المعتبَرة نشازاً..

في الحالة هذه: المكتوب كله مرفوض، إلا أن لوثة عقلية بلغت بي درجة من الذهاب باحتياطيّ خيالي إلى تقديم القائم بالطريقة السالفة سوى أن ثمة ضرورة لتغيير نمط التفكير والرصد الفكري بمعايير أخرى، حيث إن المقدَّم بقالب سوريالي قد يثير الضحك، وأن أول من يضحك على ” فعلته”، لكن اختلاط أوراق اللعبة، وصعوبة تحديد اللاعبين ونوعية الكرة والمراقبين وناقلي الصورة ومراقب الزمن والمعنيين بأخطاء اللعبة هذه..

كل ذلك يدفع بتحرّي ما يدور داخل سوريا وخارجها، وتحديداً بالنسبة للكُرد الذين يبدو عليهم من ناحية أن” ثيابهم قد لفَّت رؤوسهم” كما يقول المثل الكُردي، وهم مكشوفون الآن في ” اللعبة” التي يعتمدونها في التعريف بذواتهم بشعارات وهتافات، أكثر من أي وقت مضى، إنما هم أيضاً يبدون أقرب إلى العري فيما هم عليه، لأن ما يتردد حول كونهم في ضيافة الأسد، إزاء نسبة ملحوظة منهم، على أكثر من صعيد، وأنهم يتلمظون بانتظار المائدة العامرة التي ستقدَّم لهم على مستوى مضافتهم حيث يروَّج عن الأسد أسدهم، أسد كردي أو مستكرَد، غير متنبهين لما يُعدُّ لهم هنا وهناك من ناحية أخرى، يضعهم في واجهة تحديات لم يحسبوا لها حساباً، طبعاً كعادتهم في الملمَّات الكبرى، لأن ثمة كرماً خاصاً بهم في غض النظر عن مسالك أمام أعدائهم وخصومهم للنيل منهم، ليثبتوا أنهم ضحايا دائماً، وهذا يستوجب النظر جلياً في المقدَّم لهم على أيدي من ذكرتهم، دون التقليل من قيمة أي منهم، سوى أنها لعبة استأثرت باهتمامي الذاتي، كان علي أن أطلق سراحها في ساحها، لإمعان النظر فيما أشرت إليه، أما عن كيفية الربط بين الذين وردتْ أسماؤهم بأدوار قد تستفز البعض وربما الكثيرين، فحسبهم أن يذهبوا بخيالهم بعيداً عن مسرح الأحداث الجارية محلياً وإقليمياً وسورياً، المسرح المتعدد الأدوار والطبقات، ليكون في مقدورهم رصد الثابت في مكانه وهو يتحرك دون دراية منه، والمتحرك وهو مثبت في مكانه، والمرئي في موقعه وهو لا يعدو أن يكون شبحاً أو طيفاً في الحد الأقصى من الرؤية الفعلية، والمعمَّر من المكان بمن فيه وحقيقة المقيمين فيه ومن يشرف عليه ويقيّمه داخلاً وخارجاً..

وأما أن يكون العنوان المحرِّض على المساءلة بطابعه الكردي حاملاً لكامل المقال، ففيه حكمة فالتة من مجنون” هو الداعي” مأخوذ بالفانتازيا، مستباح فيها الواقع الذي كان يشار إليه حتى الأمس القريب، في حكمة هذا المجنون الذي ينسبها إلى نفْسه اضطراراً، ما يحفّز على النظر فيما تلبَّسه جنونه.

الأكراد في ضيافة الأسد..

ليس أكثر من فذلكة دفعت بها إلى واجهة النشر، حيث الخرائب ” تزخرف” البلاد، وربما لأن الأكراد لم يتلمسوا مواقعهم بعد كما ينبغي، وقد استعدُوا الكثيرين داخل النظام وخارجه، بينما هم ثملون، كما يظهر، بما يتردد حولهم إعلامياً وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وربما يحضّرون أنفسهم لرد المعروف باستضافة أسدهم، عبر عنوان آخر يستقطر وراءه لائحة أخرى من التصورات ومشاهد سوريالية: الأسد في مضافة الأكراد: كُردستانهم!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين تمر سوريا بظروف سياسية واقتصادية واجتماعية مُعقّدة ، يجد الإنسان السوري نفسه في ظلِّها أمام تحدّي التوفيق بين هوياته المتعدّدة. فهو من جهة ينتمي إلى الوطن السوري، وهو الانتماء الجامع الذي يحمل الهوية وجواز السفر والشهادة ، ومن جهة أخرى، يرتبط بانتماءات فرعية عميقة الجذور، كالقومية أو العرق أو الدين أو الطائفة. ويخلق هذا التنوّع حالة من…

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…