في القضية الكردية السورية

صلاح بدرالدين

      في خضم التجاذبات السياسية حول مستقبل سوريا بعد إطالة أزمتها بفعل التورط الإيراني – الروسي وميليشيات حزب الله وبعض المجموعات الشيعية العراقية بصورة فعلية وعلى الأرض في المواجهة العسكرية المستمرة منذ عامين ونصف  بين نظام الاستبداد من جهة وثورة الشعب السوري من الجهة الأخرى ومحاولات الالتفاف على ثورة شعبها وإزاء انسداد الطريق السلمي لتحقيق مطامح السوريين في استعادة الحرية والكرامة وتحقيق التغيير الديموقراطي بسبب تعنت النظام وتهربه من الاستحقاق الذي لامحال من حدوثه استقواء منه بالدعم الخارجي
 وأمام أسوأ الاحتمالات التي تنتظر مصير البلاد ومن بينها مشروع تفتيت البلد الى كانتونات وامارات كخط دفاعي أخير للنظام المتهالك المتآكل أثارت وسائل الاعلام المحلية والخارجية في الأونة الأخيرة وبشكل غير مسبوق الوضع الكردي السوري كجزء من المشهد السلبي المنتظر في تقسيم البلاد متجاوزة بذلك الحقائق الساطعة والوقائع التاريخية للقضية الكردية وبطريقة انفعالية اتهامية وكأنها بنت اليوم ظهرت بالتزامن مع قدوم جماعات (حزب العمال الكردستاني – التركي) وملحقاته وتنامي الجماعات الإرهابية الموالية لتنظيم القاعدة على الأراضي السورية أو حلقة من سلسلة التآمر على وحدة البلاد لاتخلو من جهل وتجاهل الحقيقة الكردية السورية التي تمتد جذورها الى قرون خلت منذ عهد الإمبراطورية الأيوبية مرورا بالسلطنة العثمانية وعهد الانتداب الاستعماري (السايكس بيكي) وانتهاء بمرحلة الاستقلال وتسلط نظم الاستبداد الى يومنا هذا .

  يتجاهل الكثيرون أن القضية الكردية السورية هي مسألة سياسية ديموقراطية – إنسانية ترتبط عضويا بالحركة الوطنية الديموقراطية السورية العامة وجزء فاعل فيها في كل المراحل التاريخية التي مرت بها سوريا وأن الحركة الوطنية الكردية بتعريفها الواسع كتعبير عن إرادة الكرد بطبقاتهم الوطنية وفئاتهم الاجتماعية وتياراتهم السياسية لاتجد بيئتها المناسبة الا في المناخ الديموقراطي وهي شريكة في النضال المتواصل منذ عقود ضد الاستبداد وكانت قواها الناشطة والفاعلة والملتزمة بالوطن والشعب في مقدمة حركة المعارضة الوطنية وقدمت في سبيل ذلك التضحيات الجسام وواجه مناضلوها السجون والمعتقلات وأقصى العقوبات من أجل الديموقراطية والمساواة والحقوق القومية ومنذ اندلاع الانتفاضة الثورية في البلاد كانت الحركة الوطنية الكردية جزءا فاعلا في الاحتجاجات السلمية في مناطق تواجدها وقدمت الشهداء في أكثر من مكان وحتى لو تغنت مجموعات كردية حزبية بأقاويل مغلوطة مثل سياسة الموالاة للنظام أو – الحياد – بين الثورة والنظام فان الحقيقة التي لاتشوبها شائبة تؤكد على أن مصلحة الكرد عموما وأمنهم وحاضرهم ومستقبلهم هي مع الثورة والتغيير الديموقراطي هكذا تعلمنا عبر تجاربنا الخاصة ودروس تاريخ حركات الشعوب المناضلة من أجل الخلاص من الاضطهاد والقمع والتجاهل .
  طوال تاريخ حركتنا الكردية السورية كان هناك نهجان سياسيان متناقضان : واحد يرى أن حل القضية الديموقراطية العامة في البلاد هو المدخل لحل القضية الكردية الخاصة لذا لابد من التلاحم مع الحركة الوطنية السورية والتحاور معها للاتفاق على صيغة توافقية على قاعدة الشراكة وآخر يستسهل الطريق الى الحل بالانخراط في مشاريع الأنظمة الحاكمة دكتاتورية كانت أم عنصرية أم استبدادية وكم تفاقمت الخلافات والصراعات بين أصحاب النهجين والتي بدأت منذ أيام المحاكمات الأولى لقادة (الحزب الديموقراطي الكردستاني – سوريا) في بداية الستينات وتفجرت وتبلورت وحسمت وانكشفت خيوطها أمام الملأ على شكل اليسار القومي الديموقراطي واليمين منذ كونفرانس الخامس من آب لعام 1965 وعلى هذه القاعدة بالذات واستمرارا لصراع النهجين في الزمن الراهن وباختلافات شكلية غير جوهرية وبمسميات إضافية نجد أحزابا أو مجموعات كردية كبيرة وصغيرة قوية وضعيفة تشذ عن القاعدة في مرحلة معينة كما في هذه الأوقات الا أنها لاتعبر عن الحقيقة الكردية التاريخية قد تتخيل تلك القوى وبعضها الأكثر (جماعات ب ك ك) عن دراية ودراسة وتخطيط مسبق مع أوساط نظام الاستبداد الأسدي أن الوقت مناسب لركوب موجة النظام والعمل في ظل ضوئه الأخضر على التفرد في بناء كيان حزبي – أمني – عسكري رادع في مناطق كردية وهو عمل غير مضمون يزول بزوال النظام إضافة الا أنه يشكل إساءة بالغة الى قدسية ومشروعية الحقوق الكردية بخلطها بأجندة النظام في مواجهة الثورة الوطنية السورية ومحاولة لعزل الكرد عن الشركاء الحقيقيين ورفاق الدرب والمصير المشترك وما يمكن أن يترتب على كل ذلك من مواجهات محلية خاصة في المناطق المختلطة وعلى المستوى الوطني ووضع الشعب الكردي المسالم في موقع لايحسد عليه وبدون ارادته وبمعزل عن أي اجماع وطني .

  مازلنا نعيش أصعب الأوقات في مواجهة النظام ونجتاز المرحلة الأولى من الثورة السورية التي يراهن شعبنا على انتصارها عاجلا أم آجلا والأولوية بالمنظور الوطني لمهمة اسقاط نظام الاستبداد الى جانب التحضيرات اللازمة وتقديم وصياغة برامج لحل القضية الكردية والتمسك بالثوابت في التحاور مع شركائنا الوطنيين العرب وسائر المكونات الأخرى على قاعدة حق الشعب الكردي في اختيار حاضره ومستقبله ومصيره السياسي والإداري في اطار سوريا الواحدة التعددية الديموقراطية حسب ارادته الحرة بأفضل الطرق ودستور يضمن الحقوق والمستقبل .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…