حلم المدنية و صراع الطائفية

  هوزان إبراهيم

بدأت الثورة السورية بشعارات السلمية و الدولة المدنية لإسقاط  نظام البعث و أسرة الأسد و هيمنة القبضة الأمنية , فعمت المظاهرات كافة أنحاء البلاد و شارك السوريون فيها بمئات الآلاف , إلا أنها تحولت شيئاً فشيئاً إلى صراع مسلح  حيث تم تشكيل لواء الضباط الأحرار و من ثم  الجيش السوري الحر من الجنود و الضباط المنشقين عن جيش النظام و ذلك بغرض حماية المتظاهرين السلميين , و من ثم تدفق المتطوعون المدنيون للمشاركة إلى جانب المنشقين في القتال ضد النظام و هنا تحول الجيش الحر من مرحلة الدفاع إلى الهجوم إثر تنامي قوته .
و قد أصر النظام منذ بدء الثورة على القمع الوحشي و ارتكاب المجازر في المناطق ذات الأغلبية السنية و ذلك لتحويل مسار الثورة المطالبة بالحرية إلى صراعٍ طائفي  يهدد المنطقة بأكملها , ليظهر كآخر قلاع العلمانية في المنطقة و السد المنيع في مواجهة التطرف الإسلامي , و مما زاد في تأجيج هذا الصراع هو المشاركة العلنية لمليشيا حزب الله إلى جانب قوات النظام في ضرب معاقل الثوار بحمص و ريفها بحجة حماية المراقد الشيعية , بعدما ما كانت تخفي انخراطها في أي أعمال قتالية مع النظام  فيما مضى .

كل هذه العوامل أدت إلى توفير بيئة خصبة للتطرف الإسلامي على الأراضي السورية و التي باتت نقطة جذبٍ للمتشددين الإسلاميين من كافة أنحاء العالم , بدءاً من جبهة النصرة التي تم الإعلان عن تشكيلها أواخر عام 2011 و سرعان ما تنامت قوتها نتيجة الدعم الهائل الذي كانت تتلقاه من حيث السلاح و العناصر المدربين  لتصبح أقوى المجموعات المقاتلة ضد النظام , و بدأت بتكتيك العمليات التفجيرية و حققت الكثير من الانتصارات لتبسط سيطرتها على جزء كبير من المناطق المحررة , و ظهرت بعض الجماعات السلفية الأخرى كأحرار الشام و التي أعلن قائدها العام عن أن الشكل المثالي الذي يطمحون إليه في سوريا المستقبل ألا و هو الخلافة الإسلامية في أفغانستان , و أيضاً صقور الشام و غيرها التي انضمت إلى جبهة تحرير سوريا الإسلامية  , و من بعدها ظهرت الدولة الإسلامية في العراق و الشام و التي تباينت المواقف حول اندماج جبهة النصرة معها أم لا و من ثم تم الإعلان أن عملهما منفصل و قد وصلوا لدرجة تكفير بعضهم البعض نتيجة الخلاف حول المرجعية و المبايعة .

 و بدأت فصول  فرض الإسلام المتشدد في المناطق المحررة و تطبيق الشريعة عنوةً على المجتمع السوري الذي عرف بتسامحه , و بدأت هذه الجماعات من النصرة و دولة العراق و الشام بالتكشير عن أنيابها لتدمير البنية التحتية للمشروع الوطني المتمثل بالجيش السوري الحر و ذلك بعمليات اغتيالٍ للقادة الوطنيين و كل من يعارض توجههم , مطالبين في بعض المناطق باقي المجموعات بتسليم سلاحها و الانضواء تحت رايتها و حدثت مواجهات عنيفة إثر ذلك , و تكشفت صلات النصرة بالنظام السوري من خلال إمداده بالنفط من مناطق سيطرتها مقابل مبالغ بملايين الدولارات و غيرها في الكثير من الحوادث , و أخيراً و ليس آخراً إعلان حركة طالبان عن انخراطها في الصراع على الأراضي السورية بناءاً على طلبٍ من دولٍ عربية على حد زعمهم , و قد أعلنت أنها قد بدأت دراسة الوضع في سوريا منذ 6 أشهر من خلال ما يسمى خلية رصد الجهاد , و سيبدأ مقاتلوها بالتوافد لمحاربة المد الشيعي و إعلان الخلافة الإسلامية الراشدة على أرض الشام .

و المعطيات تشير إلى إطالة أمد الصراع و ذلك من خلال لعبة الشد و الجذب من الدول الداعمة بالنسبة للتسليح , إضافة إلى تبديد جهود الجيش الحر بين محاربة النظام و الجماعات المتشددة في آنٍ واحد من حيث وقوعه تحت ضغوطٍ دولية لمحاربة المتشددين أولاً كشرطٍ لازم للحصول على السلاح لمواجهة النظام , كل هذا يؤدي إلى  أن سوريا ماضيةٌ في طريق لا رجعة فيه من تفكك في بنية نسيجها المجتمعي نتيجة الصراعات الحاصلة و التي هي عبارة عن حرب عالمية تدار بالوكالة على أرضها , و أكثر الخاسرين هو   الشعب من خلال 100 ألف شهيد و ضعفهم من الجرحى و المعتقلين و ملايين النازحين بين الداخل و الخارج و تدمير عشرات البلدات و المدن , و تبدد حلم الدولة المدنية الذي كان أساساً في قيام الثورة لصالح مستقبلٍ غامض لا يستثنى منه أي احتمال .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…