أكثر المُدن الكُردية السورية ذاكرةً هي عامودا، و أقرب الكُرد السوريين إلى القلب هم العاموديين، فالمدينة هي مسلة زمنية مُتحركة يُمكن لباقي الكُرد حيثما تواجدوا، و بسهولة، قراءة يوميات مواطنيها المدونة عليها، حتى أن كل كلمة قد يُطلقها العامودي، و إن كانت في لحظة مرح، قد تُصبح حكمةً أو أُمثولةً أو طرفةً تجوب الآفاق و يتداوالها الكُرد في كل زمانٍ و مكان.
كان إعتقال ثلاثة نشطاء ينتمون إلى مُختلف جهات الحراك المدني في عامودا هو بداية المجزرة الأخيرة، فقد قام مُسلحي حزب الإتحاد الديمقراطي الموالي للنظام السوري، و الذين يُعرفون (بالأسايش) أي الأمن، و جرياً على عادات النظام في التعامل مع ثوار سوريا، بتوجيه تهم أخلاقية مُسيئة للنشطاء و الثورة من قبيل التعامل بالمُخدرات و إثارة الفتن و الخيانة و غير ذلك، حيثُ جرى إعتقال أولئك النشطاء على خلفية تلك الإتهامات، و في الوقت الذي كانوا يتعرضون فيه لتعذيبٍ وحشي حسب شهادة الناشط ديرسم عُمر المُفرج عنهُ لاحقاً، كان يجري إغتيالهم معنوياً في الشارع الكُردي لتقديم عبرة للناس و جعلهم يمضون إلى شؤونهم اليومية، لكن عامودا قررت وقف النسخة الكُردية من مهازل النظام، فتم الإعلان عن بدء إعتصامٍ حتى الإفراج عن المُعتقلين الثلاثة، ثم ما لبث أن تحول إلى إضرابٍ مفتوح عن الطعام إنضم إليه العشرات من شابات و شُبان عامودا.
و هكذا وجد حزب الإتحاد الديمقراطي الذي هو جزء من حزب العمال الكُردستاني التركي، و الذي يضع يدهُ على بعض الشأن الكُردي حيثما تواجد الكُرد بموجب عملية إستلام و تسليم بينهُ و بين النظام، وجد نفسهُ في موقفٍ يشبه موقف النظام السوري من المظاهرات السلمية في المُدن السورية عندما بلغت أوجها، فالتراجع عن إتهاماته للناشطين و إطلاق سراحهم يعني مُجدداً إراقة مياه وجهه المُراقة قبل ذلك آلاف المرات، و يعني كذلك ضياع هيبته التي بناها بفوهة البندقية الأسدية، و هكذا مرت الدقائق ثقيلةً عليه إنتظاراً لحل لا يأتي لوحده و لم يأتي عبر محاولته اليائسة فك عضض المعتصمين و المتظاهرين من خلال إستمرار آلته الإعلامية في بث الأكاذيب المسيئة لهم إلى أن قرر أخيراً، و كما فعل النظام السوري، الهروب إلى الأمام بالأسلوب المعروف في مثل هذه الحالات، فقام بإطلاق النار على المظاهرة المتوجهة إلى خيمة الإعتصام و مهاجمة المعتصمين أنفسهم بمختلف الأدوات الحادة و حرق خيمتهم و من ثم تطويق عامودا و إعتلاء قناصتهُ لأسطحة منازلها و إطلاق النار على المواطنين العزل فيها و فرض حظر التجوال على سكانها، مما نجم عنهُ سقوط ستة شهداء و عشرات الجرحى إضافة إلى مئات المعتقلين، هذا إضافةً إلى إقتحام مكاتب بعض الأحزاب الكُردية و منظمات المجتمع المدني و حرق بعضها في عامودا و غيرها مثلما حدث لمقر منظمة (روني) في القامشلي و التي تهتم بشؤون المرأة و الطفولة، و قد تم إستخدام العنف مع المتظاهرين الكُرد في مُدن أُخرى خرجت تأييداً لعامودا.
الحقيقة أن المجزرة التي أُرتكبت في عامودا لا تختلف عن المجازر التي ينفذها النظام الأسدي في أيّ مكانٍ من سوريا، إلا أن وقع الصدمة على البعض كان كبيراً كونهم كانوا يحاولون دائماً تجاهل واقع أن حزب الإتحاد الديمقراطي هو جزء من منظومة النظام السوري في المنطقة الكُردية، و إن مسؤولي هذا الحزب سيتورعون بسبب لسانهم الكُردي عن تنفيذ أجندة النظام إذا كان ثمن تنفيذها دماً كُردياً، و هو ما أثبتت مجزرة عامودا عدم صحته.