حسين جلبي
في الطريق إلى هولير، متوجهاً من العاصمة التركية إلى العاصمة الكُردية، و خلال السويعات الأخيرة من الرحلة، و أنا مُعلقٌ بين السماء و الأرض، كانت عيناي تتنقلان بسرعة بين النافذة و شاشة العرض أمامي، إنتظرتُ طويلاً و دون جدوى، و حتى لحظة الهبوط، أن تتغير أسماء المُدن العراقية التي تعرضها شاشة شركة الطيران التركية، غير أنها بقيت كما هي: (بغداد ـ الموصل ـ النجف)، لا وجود لهولير أو السليمانية أو دهوك أو حتى كركوك على الخارطة التركية رُغم أني متوجهٌ إلى إحدى هذه المُدن،
في الطريق إلى هولير، متوجهاً من العاصمة التركية إلى العاصمة الكُردية، و خلال السويعات الأخيرة من الرحلة، و أنا مُعلقٌ بين السماء و الأرض، كانت عيناي تتنقلان بسرعة بين النافذة و شاشة العرض أمامي، إنتظرتُ طويلاً و دون جدوى، و حتى لحظة الهبوط، أن تتغير أسماء المُدن العراقية التي تعرضها شاشة شركة الطيران التركية، غير أنها بقيت كما هي: (بغداد ـ الموصل ـ النجف)، لا وجود لهولير أو السليمانية أو دهوك أو حتى كركوك على الخارطة التركية رُغم أني متوجهٌ إلى إحدى هذه المُدن،
غير أن ما كُنتُ أراهُ على الأرض كان أشدَّ وطأةً، أراضي على إمتداد النظر، لا نهاية لها، لوحة غنية رائعة الجمال، جبالٌ و وديان خضراء و أنهارٌ تجري، عجزت الطائرة عن التغلب عليها و قطعها رُغم سرعتها الجنونية، لأول مرة أشمُ رائحة عرق البطولة و أُرى آثار أقدام الشهداء، لأول مرة أشعر بارواحهم و هي ترفرف في المكان، لأول مرة أشعر بالجريمة الكُبرى: حين يمنح من لا يملك من لا يستحق، حين يُغير أحدهم، هكذا، و بكُل بساطة مُلكية الزمان و المكان، تُرى هل ما يجري على الأرض، حيثُ ثمة من يُسابق الطائرة لإخلاء المكان، يُفسرُ غياب هولير من على شاشة (التركية للطيران)!؟
* * *
كأنني كُنتُ أعرفُ كل من كان ينتظرني في هولير، كأنني كُنتُ قد ودعتهم منذُ الأزل حتى صحُّر الشوق حياتي، حرارة الإستقبال في المطار لم تُزل بعض التوتر الذي يلازم عادةً من يذهب إلى اللقاء الأول، بدأتُ الدخول إلى عالم الثلاثين فارساً، إبراهيم محمود يهزُ سُبابته في وجهي و هو يقرعني قائلاً: أيها الشقيُّ النقيُّ..
فاعودُ طفلاً يُعيد تجميع لُعبته التي حطمها، إبراهيم الآخر، اليوسف، أدخل معهُ في عناقٍ أخوي، و هكذا تتوالى فصول المشهد، النجم جان دوست و إبتسامتهُ التي تملأ المكان، خالد جميل محمد الذي يأخذني جانبا فنحكي عن شقاواتنا، مصطفى إسماعيل و صمودهُ، محمود ظاظا و طيبته، غسان جانكير و مرح إبن عامودا، محمد سيدا و هوزان إبراهيم و إصرارهما، شيروان ملا إبراهيم و مسحة حزنه، عُمر كوجري و قلقي الدائم، هوشنك أوسي رفيق الرحلة (أو رفيق نصفها) و مُفاجآتهُ الدائمة، أمين عُمر و تعثرهُ في المطار، علاء الدين جنكو و روح الشباب، دلخواز بهلوي و دلبخوين دارا و الهم الإعلامي، دهام عبد الفتاح و حكمته، فارق حجي مُصطفى و مُشاكساتهُ، عدنان بوظان و نسيانهُ الدائم لأسمي، و من خارج الكادر بهزاد ميران و أفين شكاكي و آسيا خليل و كاميران إبراهيم و عشرات الأحبة منهم سيروان و جوان اللذين كانا يُرافقاني كظللي، و الحاضر الغائب قادو شيرين و عنايت ديكو و الكبار الآخرون، و كل الذين لم أذكرهم حيثُ أسمهم محفورٌ في القلب مثل من ذكرتهم.
* * *
المشكلة الكُبرى التي واجهتني في هولير هي الوقت، كُنتُ بحاجة ربما إلى مائة ساعة في اليوم حتى أفي بكل وعودي و أُنفذ كل ما خططتُ لهُ، في اليومين الأخيرين لم أنم تقريباً و لكنني عجزتُ عن تنفيذ البرنامج، لم أتمكن من زيارة مُخيم دوميز بعد أن جمعتُ معلوماتٍ وافية عن سُكانه و أحوالهم، و أنا عائدٌ من زاخو بإتجاه هولير لمحتُ إشارةً على الطريق تشير إلى (قنديل) حيثُ يتجمع الآن مُقاتلون كُرد و هم يخلون مواقعهم لصالح عملية السلام، كُنت أصيخ السمع عساني أسمع مشاعر هؤلاء بعد العودة، على الطريق تمر السيارة على حواجز كثيرة، يطلب منا البشمركة هوياتنا، يطرح بعضهم علي سؤالاً عشوائياً ليسمع صوتي الكُردي، ثم يتمنى لي طيب الإقامة في وطني.
* * *
معبر سيمالكا كان مُغلقاً، مروان علي لم يتمكن من رؤية والديه اللذين تجشما عناء السفر إلى نهر دجلة، و شبال إبراهيم من لم يتمكن كذلك من دخول الإقليم، في حين أن الزملاء اللذين أنهوا اللقاء لم يتمكنوا بدورهم من مُغادرة الإقليم بسبب الإغلاق، لا يوجد سبب لإغلاق المعبر من الجهة السورية سوى قول المتحكمين به أننا هاهنا، تجاهلت وجود المعبر غير أنني كُنتُ و لأول مرة، و منذُ خمسة عشرة عاماً، في أقرب نقطة من المكان الذي أحببتهُ أكثر من أي شئً آخر، ديرك، قامشلو و عامودة و ما بينها، كان لدي تبريرٌ جيد لعدم الدخول إلى منطقتنا و زيارة الأهل في القامشلي: المعبر مُغلق..
* * *
غادرت هولير، قبل مُغادرتي بساعات تم إطلاق سراح واحد من أصل ثلاثة نشطاء عاموديين مُعتقلين لدى الأشايس،، قلتُ لنفسي إنه و مع وصولي سيكون الإشكال قد حُل و إطلق سراح البقية، في المساء بدأت التراجيديا التي أنستني هولير، و لقائنا المُثمر على أرضها.
الآن، و بعد مرور كل هذا الوقت، و رغم أن ما جرى قد أفقدني توازني، فإنني أتقدم بالإعتذر من كُل من لم تتح لي الفُرصة للقاءه، سواءً كُنا قد تواعدنا معاً على اللقاء أو تأملنا ذلك، و لم أتمكن بسبب ضيق الوقت من ذلك، أعتذر من كل من خيّبتُ أملهم فيَّ، إذ لم يكُن في الإمكان أكثر مما كان.
* * *
كأنني كُنتُ أعرفُ كل من كان ينتظرني في هولير، كأنني كُنتُ قد ودعتهم منذُ الأزل حتى صحُّر الشوق حياتي، حرارة الإستقبال في المطار لم تُزل بعض التوتر الذي يلازم عادةً من يذهب إلى اللقاء الأول، بدأتُ الدخول إلى عالم الثلاثين فارساً، إبراهيم محمود يهزُ سُبابته في وجهي و هو يقرعني قائلاً: أيها الشقيُّ النقيُّ..
فاعودُ طفلاً يُعيد تجميع لُعبته التي حطمها، إبراهيم الآخر، اليوسف، أدخل معهُ في عناقٍ أخوي، و هكذا تتوالى فصول المشهد، النجم جان دوست و إبتسامتهُ التي تملأ المكان، خالد جميل محمد الذي يأخذني جانبا فنحكي عن شقاواتنا، مصطفى إسماعيل و صمودهُ، محمود ظاظا و طيبته، غسان جانكير و مرح إبن عامودا، محمد سيدا و هوزان إبراهيم و إصرارهما، شيروان ملا إبراهيم و مسحة حزنه، عُمر كوجري و قلقي الدائم، هوشنك أوسي رفيق الرحلة (أو رفيق نصفها) و مُفاجآتهُ الدائمة، أمين عُمر و تعثرهُ في المطار، علاء الدين جنكو و روح الشباب، دلخواز بهلوي و دلبخوين دارا و الهم الإعلامي، دهام عبد الفتاح و حكمته، فارق حجي مُصطفى و مُشاكساتهُ، عدنان بوظان و نسيانهُ الدائم لأسمي، و من خارج الكادر بهزاد ميران و أفين شكاكي و آسيا خليل و كاميران إبراهيم و عشرات الأحبة منهم سيروان و جوان اللذين كانا يُرافقاني كظللي، و الحاضر الغائب قادو شيرين و عنايت ديكو و الكبار الآخرون، و كل الذين لم أذكرهم حيثُ أسمهم محفورٌ في القلب مثل من ذكرتهم.
* * *
المشكلة الكُبرى التي واجهتني في هولير هي الوقت، كُنتُ بحاجة ربما إلى مائة ساعة في اليوم حتى أفي بكل وعودي و أُنفذ كل ما خططتُ لهُ، في اليومين الأخيرين لم أنم تقريباً و لكنني عجزتُ عن تنفيذ البرنامج، لم أتمكن من زيارة مُخيم دوميز بعد أن جمعتُ معلوماتٍ وافية عن سُكانه و أحوالهم، و أنا عائدٌ من زاخو بإتجاه هولير لمحتُ إشارةً على الطريق تشير إلى (قنديل) حيثُ يتجمع الآن مُقاتلون كُرد و هم يخلون مواقعهم لصالح عملية السلام، كُنت أصيخ السمع عساني أسمع مشاعر هؤلاء بعد العودة، على الطريق تمر السيارة على حواجز كثيرة، يطلب منا البشمركة هوياتنا، يطرح بعضهم علي سؤالاً عشوائياً ليسمع صوتي الكُردي، ثم يتمنى لي طيب الإقامة في وطني.
* * *
معبر سيمالكا كان مُغلقاً، مروان علي لم يتمكن من رؤية والديه اللذين تجشما عناء السفر إلى نهر دجلة، و شبال إبراهيم من لم يتمكن كذلك من دخول الإقليم، في حين أن الزملاء اللذين أنهوا اللقاء لم يتمكنوا بدورهم من مُغادرة الإقليم بسبب الإغلاق، لا يوجد سبب لإغلاق المعبر من الجهة السورية سوى قول المتحكمين به أننا هاهنا، تجاهلت وجود المعبر غير أنني كُنتُ و لأول مرة، و منذُ خمسة عشرة عاماً، في أقرب نقطة من المكان الذي أحببتهُ أكثر من أي شئً آخر، ديرك، قامشلو و عامودة و ما بينها، كان لدي تبريرٌ جيد لعدم الدخول إلى منطقتنا و زيارة الأهل في القامشلي: المعبر مُغلق..
* * *
غادرت هولير، قبل مُغادرتي بساعات تم إطلاق سراح واحد من أصل ثلاثة نشطاء عاموديين مُعتقلين لدى الأشايس،، قلتُ لنفسي إنه و مع وصولي سيكون الإشكال قد حُل و إطلق سراح البقية، في المساء بدأت التراجيديا التي أنستني هولير، و لقائنا المُثمر على أرضها.
الآن، و بعد مرور كل هذا الوقت، و رغم أن ما جرى قد أفقدني توازني، فإنني أتقدم بالإعتذر من كُل من لم تتح لي الفُرصة للقاءه، سواءً كُنا قد تواعدنا معاً على اللقاء أو تأملنا ذلك، و لم أتمكن بسبب ضيق الوقت من ذلك، أعتذر من كل من خيّبتُ أملهم فيَّ، إذ لم يكُن في الإمكان أكثر مما كان.