قاتل سعد

  جان دوست

غادرت سوريا عام ألفين وعمر ابن خالي سعد عامان، كان قد بدأ يتكلم جمله الجميلة بكردية راقية يفتقرها قاتله بالتأكيد، يخطو في باحة دار خالي ملا سعد الدين وفي غرفة أبيه مثل قطاة..أبوه الأستاذ عبد الباقي الذي ما آذى نملة في حياته كان يضمه ويشمه، يلاعبه ويتركه يمشي في الفيء الكريم لمئذنة جدي الشامخة في الجامع الكبير ثم يتظر إليه بغبطة وفرحة غامرة.

صغيراً كان سعد، وكانت أمه ترنو إليه فتقرأ في عينيه العسليتين مستقبلاً مشرقاً، تتخيله طبيباً أو مهندساً أو محامياً، كانت تتخيله دائماً رجلاً نافعاً لأمته وعائلته.

ما كان أبواه يتخيلان أبداً أن يوماً سيجيء على عامودا فتبتلي بغيمة سوداء من الحقد وكراهية الحياة في ظل شعارات براقة مسمومة أبطالها يافعون انتزعت أدمغتهم وبدلت بآلات تتحكم بها مافيات الموت.

يغنون للموت، يمجدون موت الكل في سبيل الفرد الأقدس، ويحيون لأجل الموت فإما أن يقتلوا غيرهم أو يموتوا قتلاً..

أهذه ثقافة يا ناس؟ ما كان خالي ملا سعد الدين يتخيل أن حفيده وسميه سعداً سيذبح على قربان ذئاب تتقنع بثياب الرعيان.

ما كان يقرأ الغيب ليعرف أن طلقة بعثية سيطلقها أرعن كردي القومية ذات مساء صاخب لتخترق قلب حفيده فتوقف نبضه للأبد كرمى لعيون الأسد.

ما كان خالي يتصور أن حياة حفيده الغالي الطفل اليافع ذي الخمسة عشر عاماً ستنتهي بطلقة موتورة جبانة قادمة من كهوف الجهل والتخلف وهو الذي انفتحت نوافذ عقله لكل الرياح.
أنبحث عن قاتلك يا خالي الصغير سعد؟ لا.

دمك المسفوح على عتبة الشباب تحول إلى ألف أصبع يدلنا على القاتل.
القاتل ليس هو ذاك الجاهل الممسك ببندقية الكلاشينكوف متربصاً الخونة والأعداء، ولا ذلك المسكين القابع وراء الدوشكا وهو يحلم بوطن حر، ولا هذا الأمي الذي تعلم فك الحرف فأصبح يكتب جملة هنا وعبارة هناك في فضاء الانترنيت الرحب، القاتل ليس حتى أولئك الذئاب التي هبطت على أرضنا من جبال الخيانة وسماء الغدر.

لا.

هؤلاء ليسوا قتلة يا سعد بل هم روبوتات تحركها أزرار بيد خفافيش لا تحب النور لا لنفسها ولا لغيرها.
القاتل هو هذا الذي يبرر قتلك وقتل بقية الأطفال ويدفع التهمة عمن أطلق عليكم النار، هو هذا الذي يصيح ممجداً فكر القتل، هو هذا الذي ظنناه شيطاناً أخرس فإذا به شيطان بألف لسان صادح بالباطل، القاتل هذا هو هؤلاء الكتبة الكذبة أصحاب المقالات والروايات ودوواين الشعر والبرامج من الذين لا يحركهم سيل الدم ولا ينتخون حتى لو اغتصبت حرائرهم، إذ والله سيختلقون الأعذار للمغتصبين، ولن يبوحوا بكلمة حق واحدة في حياتهم.


أنبحث عن القتلة ودماؤكم تقطر من أقلامهم؟ أنبحث عن القتلة وأرواحهم القذرة تنضح بدمكم الزكي؟

ألا إنني أبحث عن حر منهم يصيح: نحن قتلناك يا سعد.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…