المرجعية بين الواقع والطموح والمطلوب

موسى زاخوراني

تزايدت في الآونة الاخيرة طروحات ، ودعوات ، لتأسيس مرجعية كردية في سوريا ، واختلفت الآراء والمواقف بهذا الشأن ، لأسباب ودواعي جمة ، مثلما طال الخلاف والاختلاف في تسميتها بالكردية بين من يسميها  Lê veger كترجمة شبه حرفية لاسمها العربي، وآخرين يسمونها Biryargih كمصطلح كردي يدل على مهمتها ودورها ، وآخرين مازالوا يبحثون عن تسمية ثالثة تليق بها أكثر.
قبل كل شيء لابد من التأكيد على أن المرجعية محطة بل ومحطة تامة وأساسية ، وثوب لابد للحركة من أن ترتديه لاتقاء عاديات الأجواء والاحتمالات السيئة – على الأقل – وهي لغة لا بديل عنها للتخاطب على الاصعدة الداخلية الكردية ، ومع الشركاء السوريين ، ومع الآخرين خارج سوريا ، وما غيابها حتى الآن إلا لأسباب موضوعية أكثر بكثير مما هي ذاتية .
وللإلمام بالجانب الأكثر أهمية في موضوع المقال أعتقد – لاحظ كلمة أعتقد – إن المرجعية المزمعة إنشائها مستقبلاً ، عليها ألا تسلك نفس الدروب التي أنشأت وفقها مؤسساتنا واصطفافاتنا و… من قبل ، حيث المزاجية ، والذاتية ، والنيات الملبسة و… كما أرى أن الظروف السائدة راهناً – الموضوعية منها والذاتية – غير ملائمة لانشاء أية مرجعية مثلما لاتسمح به ذلك أوضاع حركتنا وشعبنا، اذ أن الأجواء الحالية لا تسمح بإجراء استفتاء أو ما شابه، وتتطلب المرجعية أول ما تتطلب توافر شروط موضوعية وذاتية، تتعلق بمستوى كاف من الدمقراطية والحريات ، ومستوى من تطور الحركة الكردية ، والوعي العام الكردي ودرجة ملموسة من مطالبة فئات وشرائح وفعاليات الشعب بالانخراط في العملية السياسية والمشاركة في القرارات وليس الدعوة من القوى السياسية فقط ، فأية مرجعية عليها أن تمثل قدراً لا بئس به من قطاعات وفئلت وطبقات وفعاليات ولجان علمية حزبية مهنية اجتماعية ثقافية دينية….، ووفق اليات مجدية وعصرية وقانونية مقبولة وناجعة.

إضافة الى ان هناك كماً هائلاً من الاسئلة تتسابق في طرح نفسها وبالحاح مثل : كم يجب ان يكون عدد اعضائها؟ وكم منهم يمكن ان يكونوا من الحزبيين؟ وهل يجوز مساوات تنظيم يضم في صفوفه اكثر من اربعة الاف عضو بتنظيم اخر لا يتجاوز عدد اعضائه عدة مئات – ان لم نقل اقل- ؟ وكيف سيتم اخيار ممثلي الفعاليات والفئات والشرائح الآنفة الذكر وما هي المعايير المستخدمة في الاختيار ؟ وما علاقة الداخل بالخارج؟ وهل ستكون المرجعية سرية أم علنية أم نصف علنية؟ وهل يمكننا القول: لقد آن الآوان ؟ وهل يجوز التساؤل لماذا الآن؟ … وذا كان اجراء استفتاء شعبي كردي غير ممكن ، فكيف يكون تأسيس المرجعية ، الممكن الصحيح، أو الممكن المفيد وضمن كل هذه الأجواء السائدة في بلدنا سوريا وهل من الجائز أن يقرر شخص ما أياً كانت صفاته مصير جماعة أو فئة لم يحظى بترشيحها أو انتخابها ؟ .
كل هذا وغيره الكثير الكثير مما يتصل بل و يؤثر في هذه المسألة، ناهيك عن العديد من المسائل الأخرى ذات الصلة الوثيقة والجزرية بموضوعنا هذا ، فهل فكر المستعجلون بتحديد عدد البطاقات الشخصية التي يخول المرء ليكون عضواً في هذه المؤسسة المصيرية هل هو 40 ألف أم أكثر أم أقل؟ أم أن الموضوع هو تتويج بعض (المصفقين) و … وفرصة لابد من اقتناصها من قبل البعض قبل حلول يوم اليقين ؟ أقول هذا لأن التاريخ والحقائق تؤكد وتدرك أن المسألة هي أكبر من هذا وذاك ذلك أن المرجعية تتطلب منحاً فكرياً ولا طائل من ورائها ان لم تهتدي بمنحاها الفكري المناسب ، إذ لا معنى لمرجعية لا تستند إلى نهج أو خط فكري قومي واضح المعالم والرؤى يحظى بعطف وتأييد والتفاف جماهير واسعة من الكرد – اينما كانوا – .
أعود لأقول: أن المرجعية ، محطة لابد لحركتنا من ان تمر بها ولكن لنقل وبتصرف – اذا جاز التعبير – ان لا حركة قومية بدون نظرية قومية ، فإذا اردنا ان تكون المرجعية اداة لحركتنا القومية فلا بد لها من ارضية تستند اليها وخط تعتمده وهذه الأرضية حسب ما ارى ، يجب أن تكون نهج قومي ديمقراطي وثيق الصلة بالحامل ألا وهو الشعب ألا وهو الشعب في هذه الحالة ولابد أن بكون الخط هو خط الكردايتي ، ولن نخجل بتسمية الخط بتسمية شعبنا هذا الخط الذي هو تاج نضال شعبنا، وهو ما يتوافق ومصلحة الشعب والحركة وإلا فلا فائدة ترجى منها.
وليكن واضحاً بانني لست على الضد من تأسيس مرجعية كردية ولكن ما اصبو اليه هو ان تكون المرجعية كردية، وليست حزبية والفرق بينهما واضح، مثلما لا ينفع اية مرجعية شعاراتية تقام وفق أهواء ، فتقف في الهواء فما نحن بحاجة اليه مرجعية تمتلك رصيداً شعبياً قوياً ، من التاريخ الكردي والتجربة النضالية لحركة شعبنا اساسها الفكر القومي الكردي الديمقراطي ، الذي اثبت جدواه، ونقائه، وصفائه،ـ وخبرته، ونزاهته، ونجاعته، لا مجلس أشبه بناد يديرها عناصر لا يجيدون لغة الكردايتي والحقوق والظروف وقد انتدبوا من اناس أو اطراف – أياً كانت تلك الأطراف – عناصر هم اجهل الناس بالشعب وحقوقه وهمومه وشؤونه وشجونه وظروفه.
وبهذا الشكل تكون الحركة قد جنبت نفسها عتاب ، ولوم التاريخ ، والأجيال القادمة التي لن تتوانى في قراءة ما قمنا به، بعيون نقدية تنهل من الحق آراءها ، اللهم إلا إذا كان كل غاية البعض ، اعادة رسم ملامح جمهورية افلاطونية بالغة والابجدية الكردية على أفضل تقدير .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…