إنها ذات طبيعة منفصلة عن ذاتها وتنتمي إلى العالم السفلي من حيث الأخلاق والتفكير والسلوك.
لا تمتلك أهدافا واضحة ومعلنة وخطابها فاسد وضبابي قابلة للتفسير والتأويل في كل زمان ومكان، ثقافتها راكدة وسطحية، تثرثر كثيرا وتتصرف ببلادة وخداع وكأنها مبدعة، ليست لها مبادئ ثابتة وأعمالها غير خلاقة وخبيثة وماكرة حتى تبدو للغوغاء أحيانا بأنها تمتلك ثقافة عالية ولكنها ذاتية التفكير تدفعها غريزتها ليسخر من كل من حولها من أجل منافع ذاتية مما يؤكد أن تبنيها لأهداف قومية ووطنية هي تسخيرها لأجل ذاتها الأنانية فقط.
تهرب إلى الأمام و تضع العربة أمام الحصان كما يقول (ماو) وتسير بالعربة بعيدا عن الهدف.
لا يستطيع الناس العاديين اكتشاف حقيقتهم إلا في الأزمات والهزائم ومع هذا فإن لهم المقدرة الفذة على المراوغة والتضليل.
إن نتائج أعمال هذا النمط تكون وخيمة ومدمرة للشعوب التي يقودونها دون أن تستطيع هذه الشعوب أن تتخلص منهم بسهولة فتتحول قيادتها للمجتمعات إلى قيادة دكتاتورية وأنظمة شمولية.
إن هذه الشخصية تتقمص دائما دور الشخصية المبدعة والتاريخية بطرحها شعارات وبرامج تنافسية مع الشخصية القائدة الحقيقية.
لها القدرة الفائقة على إقناع البسطاء من خلال فلسفتها ووعودها الكثيرة دون أن تترك لهم المجال للتفكير بما يجري حولهم بسبب كثرة مشاريعها المزعومة.
إنها تنتقل بالشعب من معركة إلى أخرى ضمن سياقات سياسية مثيرة مما يدهش من حولهم إلى حد الجنون.
لقد ظهر هذا النمط في العديد من البلدان على شكل دكتاتوريات جلبت على شعوبها الكوارث والهزائم التاريخية.
إن خطورة هذه الشخصية تكمن أيضاَ في محاربتها للشخصية المبدعة والتاريخية واتهامها بالتطرف والعصبية العنصرية وتسعى إلى التشكيك بالقيم القومية والحقوق الوطنية.
إنها لا تؤمن بالأهداف الحقيقية للشعب بل تسعى إلى انتقاء مطالب لتتخذها لنفسها مادة سياسية لتجعل كل الانتهازيين وذوي النفوس الضعيفة تلتف من حولها متذرعة ببعض الشعارات التي يغلب عليها الطابع الأدبي والإنشائي.
لا تمتلك فكرا معينا بل تتخذ من السياسة اليومية منهجا لها وتنتهج مبدأ رد الفعل في السياسة.
ليس لها خصوم سوى الفكر القومي والحقيقة، كما أنهم ليسوا في عداء مع أحد.
إنهم يشوهون التاريخ ويحشرون أنفسهم في كل شيء.
إن أغلب أنصارهم هم من الأميين والمنتفعين والبسطاء إن البحث عن الأسباب الحقيقية لمنشأ هذه الشخصية تبدو معقدة نتيجة تعدد منابتها واختلاف ينابيع الرضاعة الثقافية والاجتماعية لها.
فهي تستطيع أن تخرج من كل الفئات والطبقات الاجتماعية لأنها ليست وليدة حالة كما أنها ليست خاصة بمهنة أو ثقافة معينة ولا هي نتيجة لظروف تاريخية واجتماعية وفكرية ولا تنتسب إلى مرحلة تاريخية دون غيرها بل هي موجودة عند أغلب الشعوب وفي كل المراحل وفي كل مكان ولا زال.
ومن سماتها الأساسية أنها جبانة غير ثابتة في مواقفها وغير دقيقة في تشخيصها لمرحلتها وغير جادة بل سطحية في تنظيمها وذات منبت ثقافي فاسد هدفها السيطرة والقيادة فتأخذ من أهداف المجتمع غطاء لعملها الحقيقي السري وهي المنفعة الذاتية.
إنها تنخر في جسم الأمة كالدود في جذع الشجرة فتترك الأوراق تذبل وتتساقط.
إنها تستطيع أن تتعامل مع أعدائها ضد شعوبها دون خجل، وقد وجد هذا النمط بكثافة في جسم الحركة الكردية أثناء ثورة أيلول في كردستان الجنوبية والآن في الحراك الجنوبي الغربي وتبدو بوادرها في كل مكان حاليا أيضا ولكن الظروف الموضوعية لم تكتمل لها بعد لكي تنكشف.
هذا النمط من الشخصية لها رغبة أن تقود الجماعة من مبدأ اللذة والمتعة الذاتية وشعورها بنقص في الشخصية بعد أن تؤمن لنفسها كل الطرق الخطرة سلامة وكذلك متطلبات الحياة والمعيشة والرخاء وحينها لا ينقصها سوى اللقب والاسم والوجاهة.
إنهم عصابيون يحتاجون إلى المعالجة النفسية هي بمثابة جراثيم وآفات خطيرة في جسم الأمة.
تقوم بتصفية العناصر المبدعة من حولها عن طريق الإبعاد والتشكيك والتشهير بهم، تنمي روح الانتهازية والحقد في المجتمع وتسعى في الإبقاء على ذاتها بكل السبل وتجد لنفسها أدوارا مبهمة بعد كل إخفاق، تتمسك بامتيازاتها حتى لو وصلت إلى حد الخيانة المكشوفة.
غالباً ما يكون أفرادها من منابت وضيعة لا تخجل من أصولها أو من منابت اجتماعية مهزومة تاريخيا وهي تحمل في ذاتها عقدا نفسية كامنة لأسباب اجتماعية واقتصادية عاشتها لذا تراها تتمسك بالمقدمة دائما وتعتبرها مكسبا ذاتيا لها لا يجوز الاستغناء عنها بسهولة.
حركتها دائرية مفرغة لا تجلب النفع بل هي متاهة لكل من يقع في مدارها , تتصف بقسط كبير من الانحلال القومي والتخلف السياسي الوطني، وتعيد الكرة من جديد بعد كل فشل فتسقط مرة أخرى في الهاوية، غير مدركة مسئوليتها القومية والوطنية في إفساح المجال للآخرين.
فمثل هذا النمط المراوغ يجب إحالته إلى العيادة النفسية للمعالجة لتكون مادة للدراسة والتجارب، لأن عملية شفاءهم هي عملية صعبة جدا إن لم تكن مستحيلة بسبب فقدانها كافة المقومات الإنسانية والقومية والأخلاقية، تستهتر بالقيم الوطنية والأخلاق القومية والإنسانية .
هناك البعض منها ربما قد تجاوزت التصنيف ووصلت إلى حد الشرور وما زال الكثير منها تتطفل على جسم الأمة منذ أكثر من نصف قرن دون أدنى أحساس بالمسئولية تجاه المسألة القومية والوطنية، ولا تأبه لأحد متحدية كل آمال وإرادة الناس.
فهي شخصية غير سوية وغير متوازنة ترضى لنفسها المهانة ؟ إنها تسعى إلى التشبث بالمركز بأسنانه وأظافره وفي نفس الوقت تعرض خدماتها على أعدائها إذا ضاقت بها الأحوال، تحب الترفع والعلا حتى لو كان على خازوق.
هذا النمط أصبح وباءاً وخطراً على الكرد التخلص منه، وهو مسئول مسؤولية مباشرة عن تراجع الحركة القومية من خلال بث الأفكار الغريبة والبعيدة عن واقع وحقيقة الكردايتي، ويحارب بشتى الوسائل كل محاولة جادة للتطلع إلى المستقبل متهمة إياها بالتطرف والرجعية والخيال.
ومن جهة ثانية فإن خطورة هذه الشخصية الخبيثة تكمن في الثقافة المتنوعة الفاسدة التي اقتنتها والمناهل التي استقت منها اتخذت منها فكرا وإيديولوجية فهي تمر على كل الثقافات وتأخذ منها ما تكون في خدمتها الذاتية بدء من ثقافة الرجعية التالفة مرورا بالثقافات الدينية المختلفة والفلسفة الاشتراكية والديمقراطية والعولمة حتى كاد المرء لا يعرف دينها وإلهها وتدعي البراغماتية في سلوكها ونهجها دون تضع لنفسها ضوابط ومقاييس يمكن أن تحاسب عليها.
إنها توهم الآخرين بأنه ليس بالإمكان أكثر مما كان، وتدعي العظمة في الفكر والقيادة رغم عدم صلاحيتها .
لا تقبل المناقشة والتحليل بل تعتمد التلقين وأسلوب الاستقبال فقط، تفرز مثلها مثل الشخصية المبدعة نماذج مصغرة لها تتسم بالصوفية والتزمت والفكر المجرد.
توهم البسطاء بأهمية هذه الثقافة التي لابد منها مستغلة طبيعة المجتمع الأمية، وهي مدينة في أغلب حالاتها لغباء الناس.
إن هذه الشخصية تتخذ الإيديولوجيات في بعض الأحيان أساسا روحيا لعناصرها، أما تفكيرها فهو خيالي أكثر مما هو واقعي، وهي لا تعتمد على التحليل والإمكانيات الفكرية ومنطق التاريخ ولا تأخذ بعين الاعتبار الظروف الموضوعية والذاتية بل تقفز فوق كل المراحل.
أما شعاراتها في الغالب إنشائية محضة وازدواجية تخلط بين الوجدان والعقل دون أن تعير الإحساس أي اهتمام، و ليس الإنسان عندها سوى أرقام، وتعتمد أغلب ركائز بقائها على الدوافع الغريزية العدوانية والأنانية.
لا تبحث هذه الشخصية عن التاريخ والعظمة ولا تعطي الجغرافية والأرض أي اهتمام، فهي غير خلاقة في عملها.
إنها تخدم أعداءها على مدار السنة، عن قصد أو بدون قصد، وتهدم القيم المعنوية والروحية للإنسان دائماً .
لهذا النمط من الشخصية دور تخريبي في العملية الفكرية كما في السياسة للأسباب التي ذكرناها سابقا.
أنها لا تملك آليات واضحة للعمل وتتناقض مع نفسها وتربط المسألة القومية والسياسية للشعب الكردي بشخصها وحزبها وأهدافها، هذا إذا كان لهؤلاء من الفكر أصلا، وإلا فكيف يمكن لحزب صغير لا يتجاوز عدد عناصره أفراد عائلة كبيرة يدعي بأنه يمتلك الحقيقة وحده ، أما البقية الأخرى كلها تسير في الاتجاه الخطأ، كيف يمكن لمجموعة صغيرة لا يتجاوز عدد أفرادها المئات، إن لم نقل العشرات تدعي البهلوانية والمعجزة ؟ ألا يدركون بأنهم لا يستطيعون فعل شيء إزاء هذه الظروف المحيطة بكردستان حتى ولو تحولوا إلى قنابل نووية ؟ إنهم يعشون في الظلام ويخشون النور فيتخذون القومية غطاء لعملهم السياسي وينتهجون الحزبية والتحزب سياسة حقيقية فيتصرفون حسب مصالحهم ومنافعهم.
إن من أبرز سمات هذه الشخصية أيضا الجبن والانبطاح أمام كل القضايا وخاصة القومية منها ، فهي تبتعد عنها وتهرب كما يهرب الفأر من القط.
إنهم سياسيون لا لأمر يتعلق بالسياسة ولا تعنيهم في شيء التي تحتاج إلى التضحية وتجلب لها الخطر مطلقا، بل هي نمط من أنماط التجارة ووسيلة لتحقيق أهداف ذاتية أنانية على عكس الشعوب والمجتمعات التي تكون السياسة هي وسيلة من أجل التنظيم وإيجاد القوة المادية والمعنوية للتغلب على المشاكل الاقتصادية التي تواجهها .
إن بناء المجتمعات تقوم على أسس ونواميس وضعتها كل جماعة لنفسها تكفل لها البقاء والاستمرار مع الآخرين باحترام و تضع لأجيالها شروطاً للحركة والمناورة ضمن أطر قومية ووطنية تحفظ لها هويتها وتمايزها من جهة، ومن جهة أخرى فإنها تقوي روح الجماعة والانتماء لتصبح وحدة عضوية واحدة متكاملة من حيث الفكر والغاية والوسيلة والأخلاق.
أما عند النمط الذي نحن بصدد الحديث عنه تكون الأمور عكس ما ورد .
27.6.2.13
مقتطفات من كتابي ..الكوردايتي ..وأزمة الشخصية .الفصل التاسع.!