«بدأ الربيع الكوردي بحرائرِ عفرين وشباب عامودا»

  عنايت ديكو

في ظل الظروف القاتلة والصعبة التي يمرُّ بها شعبنا الكوردي في سوريا من إنعدام توافر أدنى متطلبات ومستلزمات المعيشة والحياة والسكينة، الى جانب الأزمة الخانقة والمفتعلة والمستمرة بشكلٍ عام وكورداغ بشكلٍ خاص من قطعٍ للكهرباء والماء والطحين وحليب الأطفال، والجبايات وفرض الأتاوات والضرائب والسلب ونهب الأرزاق والأعناق جاء إجبار الكورداغيين على الرحيل وتركهم لأرض الآباء والأجداد، زد على ذلك الاعتقالات المستمرة والضرب المبرح وتكسير العظام وإتباع سياسة كم الأفواه والاعتقال الكيفي وإلصاق وتوزيع التهم الباطلة والرخيصة واللا أخلاقية جزافاً برموز هذا الشعب ومثقفيه ومتعلميه حتى وصل الأمر بهم من زراعتهم للحشيش بأنفسهم الى إتهام الكتاب والمثقفين والفنانين الذين هم ضمير الأمة بزراعة الحشيش والأفيون والمخدرات.
 وكنتيجة طبيعية لما آلت اليها الأوضاع في كورداغ ومع استمرارية هذه السياسة الكيدية التي برزت على سطح التفاعلات السياسية وبقوة والتي أدت بمفاعيلها الإجبارية الى شرخٍ كبير وواضح وعميق بين المصالح والعلاقات والمبادئ والواجبات والحقوق تضاعف مأساة شعبنا وازداد الظلم تصاعدياً ، وهذا ما نرى ترجمته وبالشكل الكبير بين الطبقات المحرومة والمعدومة والثائرة من جهة وبين الطبقات الأسايشية والهبغية الكوردية والحاكمة المستفيدة من جهة أخرى ودخول عفرين كمنطقة في سباتِ الأحكام العرفية غير المعلنة من جانب حكمدارية منطقة كورداغ , هذه الأحكام التي تعتمد في قسوتها وعنفها المنظم والرهيب على الأدوات والأذرع التابعة للقوى الأمنية والمخابراتية المتعددة والمتشعبة الموجودة هناك والتي باتت تلاحق وتفرض الضريبة حتى على الأحلام ومدتها وشكلها ولونها , هذه الأدوات والأذرع التي تحولت رويداً رويداً الى قوة راديكالية ضاربة ومخيفة بدلاً من أن تبني وتأمن الضروريات والمستلزمات صارت تضرب بيد من حديد كلّ مَنْ يقف وينقد ويخالف الرأي الأساييشي وتقوض كافة الفعاليات والحراكات والنشاطات المدنية والسلمية التي تطل برأسها وتبحث عن نفَسٍ من نسيم الحرية في فضاءات هذا الوطن الجريح .

لنعد الى ساحة الإعتقال في عفرين المدينة، قبل فترة كانت قد إتفقت باقة من زهور وحرائر وحمائم كورداغ الجميلات الشجاعات ومن شتى المناطق على المجئ الى الميدان الرئيسي أمام السراي في عفرين والقيام بإعتصامٍ نسوي حضاري وسلمي وهادئ والمطالبة ببعض الحقوق العامة كبشر مثل كل نساء الأرض، وذلك في يوم 24-06-2013 .

وفي تمام الساعة الثانية عشر بتوقيت عفرين تحركت فعلاً مجموعات منهن ووصلن الى مركز المدينة وكان عددهن يتراوح بين 100 – 125 إمرأة من ناشطاتٍ ومعلماتٍ ومحاميات وسيدات وأمهات, بينما تأخرت أخواتهن الأخريات من اللحاق بهن, وبعد الاستفسار تبين بأن قوات الأساييش التابعة لحكمدارية عفرين كانت قد أغلقت الطرق المؤدية الى عفرين منذ الصباح وأجبرت الباصات التي كانت متجهة الى مركز المدينة على الرجوع لعدم السماح للأخريات بالمشاركة في هذا العرس النسوي الحضاري المدني الراقي السلمي.

وسارت جموعهن نحو الساحة المركزية للحكمدارية كما قلنا وفرشن الأرض ورفعن مطالبهن دون إيذاء لأحدٍ أو التنديد بأحد.

وإذ بهن يواجهن السياط والعصي والهراوات من قبل الأخوة الحكمداريين الذين طلبوا منهن السكوت والخروج من الميدان عنوةً وبالضرب المبرح واستخدام العنف غير المبرر من لّي الذراع وشدٍ الشعر والجرّ والاهانات وتمزيق اللافتات واطلاق الكلمات البذيئة والدنيئة والتهم الجاهزة وجرّهن بالقوة والدفعِ بهن الى داخل مبنى الحكمدارية عبراستخدامهم مختلف فنون العنف الجسدي بحقهن وإهانتهن أمام الألاف من المارة والجماهير المتفرجة وأطلاق الألفاظ غير الأخلاقية والنابية وكأنهن فاعلات عملٍ ناقص بين أيدي القوات الأساييشية.

وبحسب إحدى المشاركات في التظاهرة هذه قالت: بعد إستخدامهم للقوة وجرّنا في الشارع من شعرنا وضربنا بالعصي ونتيجةً للضغط ردّد أحدهم من بين الجماهير قائلا : يا جماعة ألم تبق المسؤولية والإحترام هنا في هذه المدينة ..

مو عيب ؟؟؟ كيف لنا أن نقبل بالتعدي على النساء …؟ أين الأخلاق أين الكوردوارية ؟ واذْ به يرى نفسه بين المعتقلين أيضاً ولا نعرف إن أُفرج عن ذاك المواطن الذي أعترض على تصرفاتهم أمْ لا …؟ .
 وكانت شعاراتنا تنحصر بما يلي :
–  لا للاقتتال الأخوي بين الكورد .
–         نعم للحرية ….

نعم للديمقراطية .
–         لا للاعتقال  .
–         لا لتجّار الحروب .
–         فالذي قال لا للنظام البعثي ….

يستطيع أن يقول لا لغيره أيضاً
–         تأمين مستلزمات الحياة
–         الخبز أصبح حشـيـشاً وأفـيـوناً
ŞÊR ŞÊRE Çİ JİNE Çİ MÊRE    –
” شاهدة من أرض الإعتصام “
ففي البداية كما رُوت السيدة ( Ş – M ) الحادثة بأنهم طلبوا مننا إنزال هذه الشعارات والا سنواجه العواقب الوخيمة ، فلم نردّ على أوامرهم وتهديدهم لنا وبعدها مباشرةً باشروا بالتعرض لنا من مزقٍ للشعارات واللافتات وشد الشعر والركل والدعس وجرّنا بالقوة والاكراه الى داخل السراي حيث السجن قريب من هناك ، وذلك لكسرِ إرادتنا من الناحية النفسية وتخويف الحاضرين والمتفرجين من الشعب من ناحية أخرى ، وليكون هذا درساً ليس لنا فقط بل للذين يشاهدون هذه المشاهد أيضاً من إهانات وصفاتٍ جارحة وقبيحة وغير لائقة بالمرأة الكوردية .

وروت سيدة أخرى عن حالتها إذ كانت قد شاركت هي أيضا هذا الاعتصام قائلةً : بأن عناصر الأساييش بدأت تتكاثر من حولنا بسرعة البرق الى أن أُعتقلنا نحن حوالي 25 إمرأة من المجموعة الكلية التي هربت وسلكت الطرق الفرعية للتخلص من الاعتقال والمحاسبة ، وعُوملنا وكأننا قد قمنا بفعلٍ إجرامي , وتسرد تلك السيدة نفسها قائلة : أثناء إعتقالنا سَألَنا أحد الأساييشيين : مَنْ الذي بعث بكم الى هنا وهل لكم علاقة بالمضربين عن الطعام والمتظاهرين في عامودا …؟؟؟
ردّت الناشطة والمحامية ” فيروز ديكو ” :الذي دفعنا الى هنا هو حُبنا للحرية ورفضنا الاقتتال الأخوي والاعتقالات اليومية ونريد والسلم الأهلي والخبز والماء وحليب الأطفال هذه هي الأشياء التي دفعتنا بالمجيء الى هنا يا سيد يا آساييش ..!!!
فمن طرفهم لم يهتموا بالموضوع ولا بالأمر لا بالمطالب والشعارات التي رفعناها ، بل باشروا بما هو مخططٌ له والقيام بالضرب والاعتقال وسحلنا وجرّنا الى السجن التابع للحكمدارية  مُرددينَ وأمام المرآى ” انتم ماعندكن شرف ما عندكن ناموس، نحن الذين نحميكم، فلماذا لا تذهبن الى الجيش الحرّ ولماذا لا تحاربن الجيش الحرّ” …؟؟؟
وكأن الجيش الحرّ هو الذي يقوم بسجننا ويعتقلنا ويضربنا ويشتمنا ويهيننا يوميا في المناطق الكوردية من سوريا .! ولدى سؤالنا لها لماذا كنتم فقط نساء دون مشاركات من الرجال مثلاً؟ ردّت تلك السيدة بالقول: لقد قصدنا هذا لأن يكون هذا الاعتصام أمام السراي بعفرين نسوياً هادئاً جميلاً بشعاراتهِ وكلماته لنحرك تلك الضمائر النائمة في المناطق الكوردية الأخرى لكي تتحرك ولنلفت النظر والاهتمام الى ما تتعرض له عفرين كمدينة وكمنطقة وليسمع كل المسؤولين الكورد بأن كورداغ أمام حالة مجاعة كبيرة وبأن حرائر كورداغ ضد الاقتتال الكوردي الكوردي وهذا خطٌ أحمر 
فمع غروب شمس ذلك اليوم نكون قد طوينا فصلاً من فصول الإهانة والذل والمهانة بحق النساء الكورداغيات الثائرات الجميلات وبهذا الاسلوب الوحشي والارهابي أُدخلت هذه الحرائر الى السجن التابع للاساييش في إدارية عفرين وأفرج عن الكل ماعدا زهرتين من زهور كورداغ الجميلة ( فيروز ديكو و پيروز ديكو).

وهنا لا بد من سرد ما قالته ( Ş – M ) بعد الإفراج عنها وأصرّت على أن يصل صوتها الى كل الكورد قائلة : بأنهن كن مرفوعات الرأس والجبين , لكن الشيء العجيب والغريب والذي لا يدخل في أي قاموس إنساني أو كوردواري ولا يتحملهُ أي انسانٍ كوردي هو أن الحكمدارية في عفرين كانت قد صورت صور كل الشهداء بما فيهم شهداء الانتفاضة الكوردية سنة 2004 وبحجمٍ كبير وعلقت هذه الجدارية الكبيرة على صدر السراي، هؤلاء الشهداء الذين سقطوا وضحوا بدمائهم من أجل الكورد والكوردوارية وكانت من بين صور هؤلاء الشهداء صورة الشهيد حنّان بكر ديكو والد ” پيروز ديكو” التي مرّت من تحت ظل صورة أبيها الشهيد المعلق في صدر السراي وهي تنجر الى غرفة الاعتقال  والزنزانة الأساييشية ….!!!! وصرخت پيروز : بأن أبيها وقع شهيداً عام 2004 والأن أُدخل السجن في ظل حكم يدعي بأنه يحترم دم الشهداء .
نقطة إنتهى 
” كل ما جيئ في الأعلى نقلاً عن المعتصمات اللواتي جابهن الاعتقال والضرب والشتائم , لكي يعشن بكرامة وحرّية وكلهن تصميم وارادة بتحويل هذا القهر والذل والضرب الى ربيعٍ كوردي صرف بدأ بحرائر كورداغ وشباب عامودا ولا نعلم أين سينتهي .


* فقط للتذكير ورداً على أولئك الذين يبيعون النشرات التلفيزيونية ، فإلى هذه اللحظة  ” فيروز ديكو وپيروز ديكو ” معتقلات في سجون الأساييش الديمقراطية واليوم أنا عنايت ديكو إتصلت مع الأهل وأكدوا لي بأن أحدهم في القوات الأساييشية قال لهم بأننا لا نستطيع الإفراج عنهن والمشكلة كبيرة وقد خرجت من أيدينا وسيأتي رفيق من الأعلى من أجل التحقيق معهن .
وللحرية …..

بقية 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…