استراتيجية حرب الاستنزاف في الازمة السورية

نالين قنبر

ان استراتيجية حرب الاستنزاف في اي حرب كانت هي لاضعاف الخصم الى ان يفقد قدرته العسكرية والسياسية والاقتصادية في مواصلة الحرب، فيتم اختيار طريق استنزاف القوة بعد ان يتضح الامر بأن الطرق الاخرى فشلت ولا تحقق الهدف المطلوب، ونتيجة هذه الحرب تكون باهظة الثمن بخسارة الكثير من الارواح البشرية الى جانب الدمار الشامل للمجتمع الذي يدار عليه هذا النوع من الحروب، الى جانب اصابته بأمراض عضوية ونفسية لا يشفى المصابون منها لأجيال.
المشهد الراهن من الثورة السورية خاصة بعد دخولها العام الثالث، هو انعكاس لممارسة حرب الاستنزاف من قبل النظام والمعارضة المسلحة معا، فقد استعان النظام – لتخفيف عبء الاستنزاف عليه – بميلشيا حزب الله و كتائب القدس و الحرس الثوري الايراني بصورة مباشرة من خلال مشاركتهم في معارك اطلقوا عليها تطهير سوريا من المجموعات الارهابية و من آكلي لحوم البشر، فقد حققوا نجاحات في استعادة بعض المناطق التي فقد النظام سيطرته عليها من قبل،  بدا وكأن كفة الميزان رجحت لصالحه في مرحلة بالغ الحساسية حيث يتم الحديث عن التسويات السياسية من خلال اجراء المفاوضات بين النظام والقوى المعارضة للوصول الى حل سياسي سلمي للخروج من الازمة السورية.
بعد انتهاء اجتماعات قمة مجموعة الدول الثماني الاخيرة، اعلنت واشنطن تسليح المعارضة السورية بالاسلحة التي تحتاجها خاصة المضادة للطائرات والدبابات، يهدف هذا الاعلان الى قلب الموازين على الارض الواقع، لان النظام يملك كافة انواع الاسلحة وهو مجهز بشكل أفضل نتيجة المساعدات المادية والبشرية التي يقدمها حلفاؤه له، بينما يفتقر الجيش الحر الى الاسلحة والذخائر المطلوبة، ولا يحصل على الدعم اللازم كي يتمكن من الحفاظ على المناطق التي يستولي عليها وبالتالي ان يوسع في جبهاته حتى يتمكن من تحقيق اهدافه.

إن دعم ومساعدة الجيش الحر يخلق نوعا من التوازن الميداني من حيث القوة، لذا لن يتوقف تدفق الاسلحة الى سوريا من الآن وصاعدا سواء التي تصل الى يد النظام او التي تصل الى يد المعارضة المسلحة، لان الاستمرار في حرب الاستنزاف الطويلة الأمد يحتاج الى السلاح وهذا ما يجري في سوريا.

الصراع لم يعد صراعاً بين الشعب السوري الذي قام بالثورة من اجل الحرية والكرامة ضد النظام الاستبدادي في البلاد، بل تحول الى صراع اقليمي ودولي ووقود هذا الصراع هو الشعب السوري.
 يواجه الشعب السوري الموت والقتل دون تمييز، اي الذي يقوم بالعمليات والذي يؤيد النظام والذي يجلس في بيته يركض وراء لقمة العيش مستهدفون جميعاً لأنهم تحولوا الى وقود.

ايضا تستنزف القوى المسلحة التي تتحرك على الارض الواقع يوميا امكاناتها وتفقد السيطرة على مجريات الاوضاع فلا النظام ولا المعارضة المسلحة تملك زمام المبادرة لإنهاء العنف ولابد من الاحتكام الى المنطق الوطني والانساني، والمبادرة اصبحت بيد قوى دولية واقليمية التي تهدف الى استنزاف قوة الجميع في الحرب السورية سواء قوة النظام وحلفائه من حزب الله وإيران والعراق وروسيا التي تمثل المظلة السياسية للنظام.

وكذلك استنزاف قوى الجماعات الجهادية والاسلامية المتطرفة التي تقاتل في الداخل السوري.
 ان هدف الذين خططوا للحرب الاستنزافية هو كسب الوقت حتى يتمكنوا من تعزيز قواهم الذاتية في حل الازمة السورية كما يشاؤون، زيادة تورط النظام وحلفائه في الجرائم ضد الانسانية – كاستعمال الغاز الكيميائي – كسب المزيد من الدعم المادي، اطالة أمد الصراع لان تحدث تحولات ملموسة في المواقف الدولية، ارضاخ جميع الاطراف المتصارعة لشروط معينة من خلال ايصالهم الى النقطة المطلوبة بهدف ضمان مصالحهم الاقتصادية والسياسية في سوريا المستقبل، اضافة الى اهداف اخرى يرغبون في تحقيقها.

لتقليص أمد الحرب في سوريا بما يخدم مصالح الشعب السوري بمختلف مكوناته الوطنية، هو العودة الى الصواب والمنطق في وضع مشروع سياسي ومشروع الدستور يتضمن شكل الدولة السورية المستقبلية، اتخاذ نظام فيدرالي تعددي اتحادي يسود سوريا المستقبل يضمن حقوق كافة القوميات والاقليات في تقرير مصيرهم بأنفسهم، وان يصبح هذا المشروع المظلة التي تلتقي تحتها كافة القوى المعارضة بشقيه العسكري والسياسي والمدني، دون اقصاء او تهميش لاحد مهما بلغ قوته وحجمه.


لماذا نقول العودة الى المنطق والواقع؟ لان التجربة اثبتت – بعد دخول الثورة السورية في عامها الثالث – عدم نجاح مشروع الاسلاميين المتطرفين، فشل مشروع الإزدواجيين في المواقف، عدم تفعيل مشروع الديمقراطيين والليبراليين….

ان لم تعد القوى المعارضة السورية المتنوعة النظر في مشاريعها واستراتيجيتها فسوف يطول أمد الحرب التي ستستنزف الطاقات الوطنية وتحرق الاخضر واليابس في البلاد، كما ان القوى الدولية ستلجأ الى عمل ما يناسبها في الوقت الذي تريده، حتى هذه اللحظة فهي مترددة وغير مستعجلة – لا ننسى انها انتظرت 12 عاما على صدام حسين حتى قامت بخطوات عملية انهت حكمه –  فالشعب السوري بمختلف مكوناته الوطنية اعلن ثورته من اجل الحرية والكرامة ضد النظام الاستبدادي الحاكم وليس من اجل ان يتحول الى وقود في صراع لا يجلب له سوى الدمار والخراب.

25/ 6/ 2013

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…