لقاء هولير الثقافي.. القصة الكاملة

  جان دوست

ما كنت لأكتب في هذا الموضوع لولا الهجمة الشرسة التي تعرض لها هذا الملتقى حضوراَ ومنظمين.

وبدا واضحاً لي أن جمهور المعترضين أقسام عدة فمنهم من اعترض لأنه لم يحضر، ومنهم من اعترض لأن الملتقى كان برعاية مباشرة من الدكتور عبد الباسط سيدا، ومنهم من اعترض لأنه اعتبر الملتقى مناهضاً للآبوجية ومنهم من اعترض حرصاً على تقويم المسار الثقافي وتصحيحه ولشعوره بالغبن وهو يرى أشخاصاً لا يستحقون صفة مثقف يرفعون أنوفهم متبخترين يحتل مقعداً كان يجب أن يكون هو عليه.

.
سأحاول في هذه المقال أن أكون منصفاً قدر الإمكان وبما تسعفني به الذاكرة.

ولا يهمني من سيصدقني ومن لن يصدقني، فهذه شهادة للتاريخ وتكذيبها بيد التاريخ.

البداية:
في شهر تشرين الأول عام 2011 أي بعد احتدام الثورة السورية وبداية الثورة المسلحة تداعينا نحن مجموعة صغيرة من الكتاب منهم الشاعر ابراهيم اليوسف والفنان عنايت ديكو والكاتب قادو شيرين وآخرون لأجل تنظيم مؤتمر أو ندوة موسعة للكتاب الكرد السوريين لإبراز موقفنا من الثورة وكثير من القضايا الأخرى، ولقد جاءت الفكرة حينما وجدنا أن الأحزاب الكردية في سوريا تمارس هوايتها المفضلة في “التنبلة” والجدل البيزنطي حول سؤال هل أن ما يحدث في سورية ثورة أم احتجاج أم انتفاضة أم مؤامرة خارجية.

أتذكر أننا كنا نتناقش كثيراً إلى درجة أنني كنت أتعب وأنسحب من النقاش البالتوكي المتعب لأفسح المجال لزملائي الذي وعدهم بضعة رجال أعمال بتمويل أي لقاء يراه المثقفون مناسباً، لا أدري كيف تم إجهاض المشروع ومن تسبب في ذلك.

بعد ذلك تصدى أحد رجال الأعمال المقيمين في هولندا للموضوع ووعد هو أيضاً بتمويل أي لقاء ينظمه المثقفون الكرد السوريون.

هذا المشروع أيضاً كان مجرد وهم وسراب.
أتذكر جيداً أنني اقترحت وقتها على الدكتور عبد الباسط سيدا أن يسعى لعقد لقاء بين المثقفين والكتاب السوريين الكرد والعرب وكتبت له بالحرف: قد تستطيع الثقافة إصلاح ما أفسدته السياسة.

وكنت آمل أن نلتقي نحن المثقفون الكرد السوريون مع زملائنا على الضفة الأخرى من الثقافة السورية.

لكن الدكتور سيدا وقتها كان مشغولاً جداً حتى أنه لم يرد على رسالتي إلا بعد فترة  فرحب بالفكرة من حيث المبدأ ووجد أنها ضروية فعلاً وقد يمكن لها أن تنمو لتضم كافة الأطياف الثقافية السورية المناهضة للنظام الديكتاتوري.
مشاغل سيدا منعته من متابعة الموضوع إلى أن وجد فرصة مناسبة، فاقترح موضوع لقاء تشاوري مصغر يضم مجموعة من المثقفين كبداية لمؤتمر أوسع يضم الشرائح الثقافية الكردية كافة.

وهذا ما تم.

من اختار الأسماء وكيف؟
في لقاء مثل هذا، ليس أمام المرء مجال كبير للمناورة ، أمامك اختيارات ربما تكون مريرة، وناس لا بد من هضم حقوقهم في الحضور، لأن قلة العدد (أقصى حد ثلاثون شخص) يفرض عليك إمساك خيوط رفيعة بين أصابعك دون أن تتشابك.

كما أن شرط أن يكون هناك حضور فاعل من الداخل أيضاً فرض ثقله الكبير.

لكن للحقيقة أقول إن الدكتور عبد الباسط سيدا لم يفرض “قائمته” على أحد.

بل ترك  أمر اختيار المدعوين في يد اللجنة المكلفة بإرسال الدعوات.
لقد اقترحتُ أنا أسماء كثيرة، واقترحت اللجنة التي كان فيها الفنان محمد سيدا علي أسماء كثيرة أيضاً، وفي النهاية حدثت عملية فرز للأسماء واستقر الرأي أخيراً على المجموعة التي حضرت الملتقى ووقعت على البيان الختامي.
ولكي أنصف الدكتور عبد الباسط سيدا مرة أخرى أقول إن من بين الأسماء التي اقترحتها وحضرت اللقاء، من لم يكن على وئام مع سيدا، ولكن لم أسمع ولو اعتراضاً بسيطاً من قبله.


إنني أتحمل جزءاً كبيراً من عملية اقتراح الأسماء وقد كان في هذا لعمري إحراج كبير لي، فالأصدقاء كثر ومجال المناورة قليل قليل.
ولكن عدداً ممن اقترحتهم اعتذروا بهدوء ومنهم الإعلامي أحمد حسو، كما اعتذر المترجم كاميران حوج وكذلك عنايت ديكو دون أن يكون في نية أحدهم التشويش على اللقاء أو الانتقام منه فيما بعد.


إنني أود أن أشير هنا إلى أن قريباً لي اقترح علي أن أدعو الشاعر والباحث ملى كُرد (وهو بالمناسبة شقيقي وأستاذي الذي علمني الشعر والأدب ولم أره منذ أربعة عشر عاماً إلا مرة واحدة في ظرف عصيب ويستحق حضور أرفع اللقاءات بما يملكه من ثقافة واسعة وقوة في الكلام والخطابة) لكنني قلت لمن اقترحه علي بالحرف: إنني أخجل من اقتراحه على اللجنة، لأنه أخي.

وتشهد رسالتي الأخيرة إلى الدكتور عبد الباسط سيدا بخصوص هذا الموضوع على صدق كلامي فإن رأى الدكتور أن ينشرها فله ذلك.
أكرر هنا ما قلته في لقائي المتلفز مع قناة روداو وكذلك قناة زاغروس أن هناك أسماء هامة بقيت في الخارج، وهناك أسماء باهتة حضرت.

وسنخوض في هذا اللج بعد سطور.
كما أحب التأكيد على أنه لم تكن هناك آلية معينة لتحديد، قبول أو رفض الأسماء.

لكنني أجزم بأن اللقاء لم يكن يستهدف طرفاً سياسياً أو يتقصد ضم مثقفين قريبين من مناخ فكري واحد مع أن هذا حق مشروع بل كان هدفه الأساس إبراز صوت الثقافة في زمن الرصاص.



من حضر، هل هم مناهضو الآبوجية فعلاً؟
لا شك أنه كان من بين الحاضرين من يناهض الفكر التسلطي لآبوجية سوريا ويكتب في الآبوجية دون خوف، مثل كاتب هذه السطور والكُتَّاب حسين جلبي وأمين عمر وهوشنك أوسي.

إلا أنه كان من بين الحضور من هو على وئام مع الآبوجية وفي أضعف الحالات لم يكتب سطراً واحداً ضد الآبوجية، ومنهم من هو حيادي لم يخض غمار الكتابة السياسية خلال هذه الثورة ولم يعلق على التجاوزات الكثيرة التي حدثت وتحدث في عامودا وغيرها  كالأستاذ دحام عبد الفتاح اللغوي، والأستاذ يونس الحكيم الهادئ الجميل، والشاعر البوهيمي عبد المقصد الحسيني كما أن الباحث القدير ابراهيم محمود لم يتعرض للآبوجية بشكل مباشر على ما أعتقد ولا ننسى الشاعر ابراهيم اليوسف الذي بقي على خطابه العقلاني الهادئ بالرغم من كل التجاوزات وآخرون كثيرون.
ولقد تداولت صفحات الفيسبوك ومن يقبعون وراء الكواليس أنني صرحت بأن الطابع الغالب على اللقاء هو الطابع المناهض للآبوجية وكأن اجتماع أشخاص يناهضون إرهاب الآبوجيين أمر خطأ! أولاً إن كنت قلت هذا فقد جانبت الصواب وهو جاء في سياق الرد على سؤال من كل من دلبخوين دارا في قناة روداو وبهزاد ميران في قناة زاغروس..وتصريحات كهذه تفتقر إلى الدقة مع الأسف.

إنني أؤكد أن بين الذين حضروا”صقوراً” ينتقدون الآبوجية بكل قسوة، وربما جاءت دعواي من هذه النقطة حيث كان هؤلاء الكتاب الأكثر حضوراً في المقالات النقدية والأكثر بروزاً والأعلى صوتاً في اللقاء فظهروا وكأنهم الغالبية، لكن الحقيقة أن العديد من المدعوين إلى اللقاء كانوا هادئين بطبعهم وفي كتاباتهم وهم ليسوا حديين إلى الدرجة التي يمكن لنا تسميتهم بمناهضي الآبوجية.

لذلك أعترف بأنني أسأت التعبير إن كنت صرحت بأن الغالب هم مناهضو الآبوجية.

كلمة أخيرة:
هذا اللقاء لم يكن الغرض منه سوى التشاور، سوى اجتماع عادي لا يختلف كثيراً عما تشهده المجتمعات السليمة البعيدة عن (اللوثة الكردية) من اجتماعات روتينية للكتاب والمثقفين, وربما ندوات يعقدها كل شهر لفيف من الأدباء يجتمعون فيشربون ويدخنون ويقرأون الشعر ويلقون النكات.

نحن اجتمعنا بفضل جهود خاصة من الدكتور عبد الباسط سيدا، وإن كانت له غايات لومآرب أخرى ا نعلمها فلا بأس..وأعيد وأكرر هنا ما قلته مراراً فليقم الآبوجيون بعقد لقاء كبير يضم المثقفين ما داموا قادرين على تسليح الآلاف من الشباب والشابات  ودفعهم إلى قتل إخوتهم وإرهابهم في قرى كوباني وطرقات عامودا ومنازل قامشلو.

لعلهم بذلك يحسنون صورتهم الكريهة والتي باتت رمزاً للجهل المسلح.


لقد أصبح هذا اللقاء تاريخياً بفضل ما تعرض له من نقد.

وسيكون أساساً للقاءات أكبر وأوسع ودون نسيان العنصر النسائي وهو ما كان أبرز أخطاء هذا اللقاء، نعم سنواصل لقاءاتنا فنحن لا نملك إلا الريشة والقلم والصوت والصورة في مواجهة سلاح الغدر والإرهاب.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…