في مواجهة العقرب

حسين جلبي

كُنا نقوم بإزالة الدكة الترابية المُلاصقة للحائط المُقابل للوح في غرفة التدريس الوحيدة في مدرسة خربة الشيخ الطينية و التي كانت تُستعمل كطاولة يجلس عليها الطُلاب الكبار، و ذلك لأن طاولةً جديدة كانت في طريقها إلى المدرسة، كان كل الطلاب يحلمون بالجلوس إليها، في حين كانت سيرتها تملأ القرية و الجميع بإنتظارها.

كان أبي هو من يقوم بإزالة الدكة، بينما كنا نحنُ الطلاب ننقل البقايا إلى الخارج، وصل العمل إلى منتصفه، و في المرة الأخيرة و أنا أرفعُ كُتلة تُرابية أحسستُ بوخزٍ في إبهامي الأيسر صرختُ على أثره مما أدى إلى تجمع رفاقي الطُلاب حولي،
 لمحتُ لحظتها عقرباً صغيراً أمامي و يبدو أن ما نُقدم عليه قد إستفزهُ فكانت ردة فعله على تخريب مخبأه على تلك الطريقة، إستجاب أبي بدوره لصُراخي و هبَّ لنجدتي، أخذ أُصبعي في يده و ربطهُ و أظنهُ جرح جرحهُ و أخذ يسحب منه بفمه دماً و يقذِفه بعيدأ، بعد ذلك أرسلني إلى البيت، و أكمل مع الآخرين ما بدؤوه.

بعد سنين طويلة، كُنتُ في يومٍ صيفي حار بصحبة عدد من الأصدقاء نتسامر في الحوش العائد لأحدهم، كان هواءٌ أصفر ساخن ثقيل يسود المكان، من إحدى الزوايا رأيتهً مُسرعاً بإتجاهي و قد أمال ذيله على ظهره المُسطح بأحد الجانبين و صوب إبرته علي، بقيتُ جامداً في مكاني من هول الصدمة و قد إنعقد لساني، فلم أستطع الحراك أو حتى طلب النجدة، فبقيت مُستسلماً مُنتظراً قدري المحتوم، إقترب العقرب كثيراً و أنا أنظر إليه، في حين بدأ الألم يسري في إبهامي الأيسر ثانيةً و بدى و كأن نوبة البكاء تلك لم تنقطع حيثُ بدأتُ أسمعُ صراخي قادماً من جهة خربة الشيخ، في تلك اللحظات بدأت ألوم أبي مُتهماً إياهُ بأنهُ لم يقتل العقرب في ذلك اليوم ما تسبب لي في كل تلك المُعاناة و ذلك الرُهاب، و أنا أُمدُ أصبعي المسكين أيقظني حذاء أحدهم و هو ينزل على العقرب و يمعسهُ، إستيقظتُ من غيبوبتي..
في خربة الشيخ كان نذير، و كلما رأى عقرباً، يضع يدهُ أمامهُ و يبقي يلاعبهُ كما يلاعب القط الفأر، يُضايقه حتى يغضب و يلسعهُ، بعد دقائق قليلة كان العقرب يتخشب، كان نذير قاهر العقارب هو بطلي المُفضل، كان القرويون يقولون أن تركيز السموم في جسمه يفوق تركيزها في جسم العقارب، لكن نذير مات فيما بعد في حادث سيارة.
أنا اليوم واقفٌ على قدمي في مواجهة العقرب، لا أنتظر قدماً تنهال عليه و لا يداً ترسل سمومها إلى جسده، لا أُلاعبهُ لعبة الموت، و لكنني أُمارس حق الحياة.
حسين جلبي
jelebi@hotmail.de
فيسبوك
https://www.facebook.com/notes/hussein-jelebi/%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D8%B1%D8%A8/631166320228075

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بوتان زيباري في رياح السياسة العاتية التي تعصف بأطلال الدولة السورية، يبدو أن الاتفاق الموقّع بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهيئة تحرير الشام (هتش) لم يكن سوى وميض برقٍ في سماءٍ ما لبثت أن اكتظت بالغيوم. فها هو مؤتمر قَامشلو الأخير، بلغة ملامحه المضمرة وتصريحاته الصامتة أكثر من الصاخبة، يكشف عن مكامن توتّرٍ خفيٍّ يوشك أن يطفو على سطح…

إبراهيم اليوسف لقد كان حلم السوريين أن يتوقف نهر الدم الذي فاض وارتفع عداده ومستواه، تدريجياً، طيلة العقود الأخيرة، أن يُفتح باب السجون لا ليُستبدل معتقل بآخر، بل ليُبيّض كل مظلوم مكانه، أن يتحول الوطن من ساحة للبطش إلى حضن للكرامة. لقد كان الأمل كبيراً في أن تؤول الأمور إلى دولة ديمقراطية، تُبنى على قواعد العدالة والحرية والكرامة، لكن هذا…

صالح جانكو حينما يتوهم القائمون على سلطة الأمر الواقع المؤقتة بأنهم قد شكلوا دولة من خلال هذه الهيكلية الكرتونية، بل الكاريكاتورية المضحكة المبكية المتمثلة في تلك الحكومة التي تم تفصيلها وفقاً لرغبة وتوجهات ( رئيس الدولة المؤقت للمرحلة الانتقالية)وعلى مقاسه والذي احتكر كل المناصب والسلطات و الوزارات السيادية لنفسه ولجماعته من هيئة تحرير الشام ، أما باقي الوزارات تم تسليمها…

خالد جميل محمد جسّدت مؤسسة البارزاني الخيرية تلك القاعدة التي تنصّ على أن العمل هو ما يَمنحُ الأقوالَ قيمتَها لا العكس؛ فقد أثبتت للكُرد وغير الكُرد أنها خيرُ حضن للمحتاجين إلى المساعدات والمعونات والرعاية المادية والمعنوية، ومن ذلك أنها كانت في مقدمة الجهات التي استقبلَت كُرْدَ رۆژاڤایێ کُردستان (كُردستان سوريا)، فعلاً وقولاً، وقدّمت لهم الكثير مما كانوا يحتاجونه في أحلك…