المثقف والسياسي الكردي والثورة السورية

دلكش مرعي

لقد باغته الثورة السورية الشعب الكردي في غربي كردستان وهو في وضع لا يحسد عليه فقد كان يعاني من أزمات متنوعة من بينها التخلف السياسي والمعرفي والثقافي بالإضافة الى المعانات الاقتصادية وغيرها ….

 أي يمكن القول بأن هذا الشعب لم يكن يمتلك بسبب تلك الإشكاليات العوامل والآليات التي تمكنه من استثمار هذا الحدث التاريخي لصالحه بشكله الأمثل فقد كانت هناك العديد من الأسباب التي حالت دون تحقيق هذا الغاية من بينها ظروف الاستبداد والقمع الأمني الممنهج للنظام الذي كبح عبر نصف قرن عجلة التطور الفكري والثقافي والسياسي في سوريا.
 زد على ذلك ملاحقة النظام ومحاربته  للوطنين والشرفاء وزجهم في السجون أو تصفيتهم جسدياً بالإضافة إلى كل ذلك فقد دفع النظام بالسفالات وحثالة المجتمع لتكون في الواجهة و في مراكز القرار لتقود هذه العناصر الفاسدة والملوثة أخلاقيا الدولة والمجتمع للقضاء من خلالهم على أصالة الإنسان والقيم الإنسانية النبيلة في هذا البلد….

اختصارا فإن الشعب الكردي لم يكن مؤهلاً للتعاطي عبر ظروفه الاستثنائية المذكورة مع هكذا حدث فبدأت الصعوبات البنيوية تفصح عن نفسها وعن عجزها للتعامل مع الواقع الثوري على الأرض

حيث ظهرت بشكل جلي نتائج هذا الواقع المزري على السطح وظهرت معه عورات الوعي الكردي وبساطته وسطحيته الذي كان السبب في أنتاج التخلف التاريخي لهذا الشعب من جهة وبروز نتائج ما كرسه سياسات النظام من قيم فاسدة في السلوك العام عبر أعضاء البعث الكردي وعبر الخروقات الأمنية التي أحدثه النظام داخل هذا الحزب أو ذاك  .

ونتيجة لجملة هذه الظروف بدأت الأمور تتعقد على الساحة الكردية تعقيدا شاملاً وعلى مختلف الصعد السياسية  والثقافية والاقتصادية والاجتماعية وتزداد يوماً بعد الآخر … 
 وقد زادت من تعقيدات هذا الوضع الصراعات السياسية البائسة التي بدأت هي الأخرى تدفع بالشعب الكردي دفعاً نحو القاع ونحو المزيد من التفتت والتحطم ونحو مستقبل باهت ومسارات  مجهولة المعالم … فيمكن القول بأن عبر هذا الحالة المعقدة والمركبة قد أصبح من العسير ان يتمكن الشخصية الوطنية أو بعض المثقفين المستقلين أو بعض الشرفاء داخل هذه الأحزاب أن يغيروا من هذه الواقع المعقد والموبوء والسير به نحو مساره الصحيح وإيجاد الحلول اللازمة له أو تغير الواقع المزري عبر كتابة مقالا هنا أو إلقاء محاضرة هناك أو التنظير لوصف الحالة السائدة عبر وسائل الإعلام
 إن التحولات الثورية التي اجتاحت المنطقة هي تستدعي بالدرجة الأولى إعادة هيكلة البنية الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية لهذا الشعوب هذه البنية التي أنتجت هي بذاتها معظم الأزمات والويلات والتخلف الحضاري التي عانى منها هذه الشعوب تاريخيا ولكن من المؤسف بأن تغير واقع الشعوب ومفاهيمها ليس بالأمر السهل كما يعتقد البعض بل يتطلب المزيد من الوقت والجهد الجماعي المكثف كي يتمكن هذه الشعوب من تجاوز أزماتها وتتحرر من جملة القيم والأفكار الخاطئة والمترهلة  … أما بالنسبة للمثقف الكردي الذي يتهم بأن حضوره كان باهتا وخجولاً ولم يتمكن من القيام  بالدور المطلوب منه على الساحة الكردية وما يجري فيها من إشكاليات  ولماذا لم يتمكن من أحداث التغير الذي أحدثه جان جاك رسو وفولتير وافكار منتوسيكو وغيرهم من المفكرين والفلاسفة الفرنسيين الذين تمكنوا بأفكارهم الفلسفية من اشعال الثورة الفرنسية فالأمر يحتاج الى مقال آخر تتناول قصة نجاح هؤلاء وأسباب فشل المثقف الكردي من أحداث تلك التغير  … وأعتقد بأن معظم مثقفي شعوب المنطقة قد فشلو بهذا القدر وذاك من أحداث التغير الفكري  والسيوثقافي المنشود في المنطقة وليس المثقف الكردي وحده فلم يتمكن على سبيل المثال كبار مفكري وكتاب لبنان والعراق من تحرير شعوبهم من الفكر الطائفي وكذلك مفكري مصر وكتابها المعروفين لم يتمكنوا أيضا وإلى حينه  من تحرير الشعب المصري من الفكر السلفي ولأخواني.

والسؤال الأهم هنا هو لماذا لا يوجد في تراثنا الفكري جان جاك رسو كردي أو منتوسيكو كردي ؟؟؟ 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…