اسماعيل درويش
لم تكن قضية كوردستان روج آفا وليدة اللحظة ولم تخرج من تحت الركام ، إنما هي قضية شعب عان الويلات من النظام الديكتاتوري البعثي الذي يحكم سوريا منذ أربعة عقود ، لن نعود كثيراً إلى الماضي لنتذكر ما كان يحدث للكورد وإنما سنكتفي بالعودة عقد واحد إلى الخلف لنتذكر تلك البطولات التي مجدها الشرف الكوردي في تلك الثورة التي بدأت تفوح روائحها من الشرق ولتنتشر في الوسط والغرب ، من قامشلو إلى كوباني وعفرين وكافة المناطق الكوردية ، حيث بدأت شرارة الثورة عندما لم تعد تلك العقول المتحررة من تحمل الظلم والطغيان ، بدأت لتعلم العالم معنى الحرية في لحظات لم يكن المجتمع السوري يعرف معنى التحرر من الديكتاتورية ،
بدأت ثورتنا الكوردية في تلك اللحظات التي كانت الأصوات العربية لا تجرؤ على النطق بكلمة الحرية وكانت تقبل على نفسها الذل والهوان خوفاً من بطش النظام البعثي وحرصاً على مصالح واهمة وزائلة لا محالة ، عندها فقط مجدَ الكورد بطولات في الحرية والكرامة ، ولم تتوقف الثورة رغم الإضطهاد والعنف والقوة العسكرية التي استخدمت ضدها ، ولكن وكما هو معروف نحن الكورد نستند إلى قواعد حزبية إيمانا منا بالمفهوم السياسي ونيل الحقوق من خلال الحوار ونبذ العنف ووقتها ومن لا يعلم بالمعلومة بأن مايقارب عشرة أحزاب كوردية تكفلت بحماية حقوقنا من الضياع مقابل التوقف عن المزيد من هدر الدماء وبحجة أنها اتفقت مع القيادة البعثية وهكذا توقفت الثورة لتبدأ الحوار المصطنع من قبل الأحزاب الكوردية مع القيادة البعثية للتوصل إلى سبل منح الكورد حقوقهم وانتظرنا أكثر من سبعة سنوات ولم نلاحظ موقفاً ايجابياً من قبل النظام البعثي ولم يتحقق شيء من الكلام المعسول الذي كنا موعودين به ، وخلال هذه الفترة كانت ثورة نوروز في الرقة وحملات الاعتقال بحق الأحرار من الكورد لم يتوقف إلى أن وصلنا إلى مرحلة الربيع العربي والذي تعلموا منا نحن الكورد معنى الحرية والوقوف بوجه الظلم وكنا نحن الكورد أول المبادرين إلى رفع راية الحرية بوجه النظام الأسدي ، في لحظات كانت الأحزاب الكوردية تعيش حالة من التشتت والتشرذم ، إلا أن الشباب الكوردي أبى إلا أن يكون أول من يطلق شرارة الحرية وبدأت الثورة السورية لتنتشر بسرعة الضوء في كافة المناطق السورية وكأن هناك عصا سحرية حركت في الوجدان العربي صحوة الضمير ومفهوم الكرامة وتحولت الثورة السلمية تدريجياً إلى ثورة مسلحة ونحن الكورد لنا البصمة الأبرز في الكثير من تلك القوى المسلحة وتشكلت العديد من المجموعات الكوردية لتقف إلى جانب الثوار وتقاتل في خندق واحد ضد الطغاة ، وبعد مرور ثلاث سنوات على الثورة وبعد الدمار الذي لحق بالوطن وبعد المئات الألاف من الأرواح التي ازهقت والملايين التي شردت ، وصلنا إلى حالات يرثى لها من التشتت والتشرذم في المجتمع السوري بشكل عام والمجتمع الكوردي بشكل خاص ، ففي الحالة الكوردية وصلت قيادات الأحزاب الكوردية إلى طرق مسدودة من الحوار الكوردي – الكوردي ولم تستطع الدخول إلى المحافل الدولية لتعرض على العالم قضيتنا التي اريقت دماء كثيرة لأجلها ، وظهرت في الواقع الكوردي قوى استفردت بالقرار السياسي والعسكري ونفت الأخر لتستولي على لقمة الجياع في كوردستان روج آفا بحجة حماية الشرف الكوردي ، ومن لا يريد منا أن تحمينا قوى كوردية غيورة على شرفنا وحقوقنا وحريتنا وأرضنا وأن تكون همه الأول هو تحرير روج آفا من دنس الطغاة ، ولكن الذي يحدث في بلادي يدعو إلى الاشمئزاز ، فالأحزاب الكوردية لم تستطع خلال هذه الفترة الطويلة من الثورة السورية من أن توحد صفوفها ليكون لها ثقلها في المحافل الدولية ومازالت في مستوى متدني من السياسة ومازالت غير قادرة إلا على لغة التهديد اتجاه بعضهم وتناسوا قضيتنا الأساسية التي تربينا عليها وكنا ننتظر مثل هذه الفرصة لكي نحقق أحلامنا ببزوغ فجر الحرية ورفع راية كوردستان في مناطقنا ، ولكن وللأسف حاضرنا يدعو إلى المزيد من اليأس والقليل القليل من التفاؤل على قدرة أحزابنا في توحيد الكلمة لتكون صفاً واحداً في وجه المتربصين بأرضنا وحقوقنا الكوردية ومازالت أحزابنا الموقرة لا تستطيع أن تتفق ولو على قرار واحد يخدم الكورد ، ومن هنا لم نعد نثق بالمستقبل من خلال هذه الأحزاب التي لا تصلح إلا للغة التهديد اتجاه بعضهم والخاسر الأكبر في هذه المعادلة هو المواطن الكوردي الذي يعاني الجوع والقتل والتشريد في الداخل وفي الغربة
ومن هنا ادعو أحزابنا الموقرة أن يقتضوا بماضينا العريق ليكونوا خير سنداً لنا في حاضرنا الذي يدعو إلى الاشمئزاز والخزي والعار من سياساتهم الفاشلة وعندما يقتضوا بالماضي ويكونوا يداً واحدة جميعاً في وجه الطغاة والذين يحاولون طمس الروح القومية لدى الكورد سيكون حاضرنا جميل ويرفع الرأس وسيكون المواطن الكوردي متفائلاً بمستقبل زاهر تنال فيه جميع الحقوق وترفع راية كوردستان على أرض كوردستان روج آفا