عٌقد في الاونة الاخيرة اجتماع للجنة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في سوريا، حيث ناقش الإجتماع الكثير من القضايا الداخلية وصولاً الى قضية الاكراد.
وقد جاء على لسان رئيس الجمهورية السيد بشار الاسد “انصاف الاخوة الاكراد لان لهم مالنا وعليهم ما علينا” قبل كل شيء يمكننا القول ان هذه بادرة خير وبصيص امل ويجب ان يتم التعامل بشكل ايجابي من هذا التصريح
ففي الحقيقة مصطلح “الاخوة” وكذلك “لهم ما لنا وعليهم ماعلينا” يٌشير الى المساواة في الحياة والحقوق والواجبات في الوطن السوري ويشير الى حقوق المواطنة في دولة القانون والدستور، وهو نداء للاكراد يحثهم للتفاعل في الحياة والقيام بالمهام الموكلة اليهم وضرورة تحقيق حقوقهم وانصافهم في هذا الصدد، اي تحقيق العدالة والمساواة بين ابناء البلد الواحد .
علما ان المواطنة تعني الرابطة الموجودة بين الدولة والمواطن، وهي لا تتناقض مع القيم القومية والاثنية والمختلفة مع القومية الحاكمة .
فالعضوية في الدولة لا تخلق العضوية في القومية الحاكمة بشكل الزامي ، بل يمكنهما ان يعيشا ويخططا لاجل هوية امة وقومية مختلفة بحيث لا يتناقض الرابط القومي مع ما يتم التعبير عنه باسم الدولة والاعتزاز بسوريا، وهي تعبير عن هوية معاصرة اكثر تكاملاً.حيث لا يمكن فرض ذلك الا من خلال مفهوم استبدادي….
وبعد هذا التوضيح البسيط حول المواطنة وعلاقة المواطن بالدولة ومسألة الانتماء القومي والاثني، دعونا لنعرج على مقولة الرئيس بشار الاسد الاخيرة “يجب انصاف اخوة الاكراد لان لهم مالنا وعليهم ما علينا” .
بصدد انصاف الاخوة ومالهم وما عليهم ، لننظر ما على الاكراد في الوطن السوري فنرى ان الاكراد يقومون بجميع المهام التي تقع على عاتقهم في الدفاع عن الوطن الى جميع الخدمات دون استثناء.
يجب على الاكراد أن يؤدوا هذه الخدمات على اكمل وجه، وهم في الكثير من الاوضاع الحساسة والخطرة في الحروب كانوا في موضع الثقة المطلقة بالنسبة لهذا الوطن، والرئيس وضع اصبعه على الجرح وقال يجب انصاف الاكراد، والاكراد حقيقة يعانون الكثير في هذا الصدد فهناك لا مساواة عجيبة وانكار لمسالة حقوق الانسان ناهيك من حقوق شعب يمتد تاريخه الى الاف السنين وهو عنصر رئيسي واساسي في بناء الحضارة الانسانية منذ فجر التاريخ .
حتى الان لم تظهرالدولة اي نية حقيقية فى الشروع بإصلاحات ديمقراطية حقيقية تلغى القوانين المقيدة للحريات وتخفف من تسلط حزب البعث الحاكم على مقاليد الأمور وتخطو بخطوات واضحة تجاه تطبيق مقولة الرئيس .
ونريد ان نوضح بعض الجوانب الحياتية في دولة القانون والحقوق، والتي لا يمكن التخلي عنها والتي لا يمكن تعريف الدولة والمواطنة من دونها .
اولا : حقوق الانسان الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وحماية وجوده وحرية التعبير عن الراي والفكر، ولكن اذا نظرنا الى الاكراد في هذا الصدد فان المعاملة تتجاوز في كونهم مواطنين من الدرجة الثانية والثالثة، بل يتم التعامل معهم بنظرة دونية انكارية بشكل يتناقض مع هذه المبادئ الانسانية الكونية والتي صادقت سورية عليها.
فمن الناحية الثقافية لا يمكن للانسان الكردي من ممارسة ثقافته وتعلم لغته الام وهو الأمر الذي يكون بمثابة المحظور والخطر على امن الدولة.
فالمواطنون السوريون الاخرون العرب والارمن بامكانهم التعليم والقراءة والكتابة بلغتهم ، واللغة العربية تفٌرض على كل مواطن من اجل تعلمها دون منح أي اعتبار للغتهم الام ، هذا لا يعني رفض اللغة العربية، وهي اللغة التي يفتحر الإنسان بتعلمها، ولكن ما نريد التوقف عليه هو الجانب الثاني من المعادلة، أوالانصاف الذي يدعو السيد بشار الاسد لتحقيقه ، والسؤال: الا يتطلب الانصاف تحقيق هذه الحقوق للاكراد بالتعلم بلغتهم وممارسة انشطتهم الثقافية والتعبيرالحر عن اراءهم وافكارهم كما يتعلمها المواطنون الاخرون ويمارسونها ام ان الانصاف له معانيً اخرى، اوجمل يٌراد قولها دون التطبيق .
ثانياً : بصدد حق ممارسة التنظيم، لا يسمح للكردي بممارسة حقه السياسي في التنظيم فالاحزاب الكردية محظورة ويتم اعتقال اي شخص يثبت إنتمائه لها، وحتى الان لا يوجد هناك قانون احزاب ويتم العمل على عرقلة سنٌه وهذا ما يجعل الاحزاب الكردية غير قادرة على لعب دورها الفعلي والحقيقي بين الشعب وفي البلد السوري ، وتضطر الى العمل السري وهذا ما يسبب نتائج سلبية على العملية الديمقراطية ، فالانصاف يتطلب منح الأكراد حرية العمل السياسي ، وهذه هي البداية الصحيحة.
ثالثاً : هناك مئات الالاف من الاكراد جردوا من الجنسية بقانون خاص في سنة 1962 واصبح لهم 45 سنة في هذا الوضع الشبيه بالجحيم ، ولا يحق لهم اي شيء، ويعيشون في شروط معيشية صعبة جداً حيث لا يحق لهم السفر والدراسة في الجامعات والتوظيف والسكن والتملك، فهل هناك في سوريا غير الاكراد محرومين من الجنسية؟.
حتى ان الغرباء القادمين ( وخاصة في الاونة الاخيرة ) الى سوريا يتم اعطاءهم الجنسية السورية رغم ان القوانين السورية تنص على ان من يولد ويقيم على ارض سورية لمدة خمس سنوات يحق له نيل الجنسية السورية وإكتسابها.
ولكن اين انصاف اخوة الكرد من هذه الممارسات المجحفة بحقهم ، الا يتطلب الانصاف اعادة الجنسية لهم ليعيشوا اسوة باخوتهم في البلد السوري ؟.
رابعاً : إن خلق النظام لحالة خوف وارهاب واعتقال وتهديد من خلال اجهزتها الامنية والمخابراتية ،اسفر عن حالة ذعر وخوف وقلق لدى المواطن السوري عامة والكردي خاصة، وبالتالي يلجٌم قدراته وطاقاته الكامنة ، ولا يتمكن من ان يلعب دوره بشكل حروفاعل ، وهو يرى نفسه انه مراقب ومعرض للاعتقال في اي وقت كان، لماذا هذا الشعور بالنسبة للمواطن، اليس هذا ما يجعل المواطن الكردي لايقدر على لعب دوره الحقيقي وهو يعيش هاجس خوف المخابرات والتي اصبحت فروعها كثيرة لا يمكن تعدادها؟.
هل من مصلحة الوطن والدولة بناء شخصية قزمة جاهلة ،غير قادرة على تفهم دورها ومهامها تجاه الوطن نتيجة هذه السياسات الامنية المجحفة ام بناء شخصية واعية حرة قادرة على معرفة مهامه وحقوقه في نظام ديمقراطي معاصر يلعب دوره في ازدهار وتقدم الوطن وحمايته من جميع الاخطار المحدقة به ؟ فالانصاف يتطلب تصحيح هذا الوضع السائد وازالة حالة الخوف والذعر ، وخلق اجواء الثقة والامن والتسامح والديمقراطية والمساوة على اسس ومبادئ دولة القانون .
خامساً : بصدد المناطق الكردية والمحرمة من الاهتمام والعناية واذا قمنا بمقارنة بين المناطق العربية والامكانات المتوفرة لهم من حيث الطرق والمرافق الصحية والاجتماعية وامكانيات التعمير والحداثة، نرى بأن هناك فارقاً كبيراً.
فهناك فارق هائل في الأهتمام الخدمي لقرية في القامشلي وعفرين وكوباني مثلما هو الأمر عليه في اللاذقية او في بانياس او الشام او محافظات اخرى في البلد.
فالانصاف يقتضي تصحيح هذا الفارق وتخصيص مبالغ متساوية لكافة المناطق السورية، والكف عن تحريم الكرد من الخدمات والعناية مع ان مناطقهم هي اغنى المناطق في البلاد.
سادساً : بصدد انتخابات مجالس البلدية ، الا يحق للاخوة الأكرد القاطنين هناك بانتخاب ممثلهم في المنطقة دون ان يفٌرض عليهم اخرون رغما عن ارادتهم حتى انه يصل الى قناعة تقول: لافائدة ان انتخب اولا فالنتيجة واحدة لا تغير في الأمر شيئاً .
لان ما تم التخطيط له من قبل اجهزة السلطة هو الاساس حتى انه يستخدم التهديد والضغط بمختلف الاساليب من اجل اعطاء الناس لأصواتهم لمن ليسوا من المنطقة او من لا يمثل ارادتهم.
اليس الانصاف هو ان يٌدير البلديات مجالس منتخبة، تٌدير من قبل ابناء المنطقة من الاكراد وبهذا سيكون مشاركتهم وفعاليتهم في الدولة اكثر.
ان الانصاف يجب ان يتمظهر بعملية عادلة وليس فقط قول عابر ينٌسى بعد الاجتماع او من اجل كسب مشاعر البعض .لان عدم التطبيق العملي واللامساوة في الحقوق، سيفقد الإنسان الثقة بمصداقية هذه الحكومة او النظام اكثر وخاصة ان الانصاف وطلبه جاء من اعلى مقام في سورية وهو مقام الرئاسة وهو بمثابة مرسوم وتشريع لذلك فتحقيق الانصاف في المواضيع التي ذكرناها سيجعل سوريا دولة معاصرة مزدهرة تٌحتذى بها في المنطقة .