إبراهيم اليوسف
ليس أخطر من المثقف/ الباحث المتمرس في عالم الكتابة، عندما يتناول موضوعاً إشكالياً، كي يأخذ وجهة النظر التي يؤمن بها، مغفلاً الجانب الآخر، بعيداً عن الواقع، وبعيداً عن الوفاء لأدوات البحث، ويكون الأمر أكثر خطورة عندما يعرف حقيقة الواقع المتناول، كي ينطلق من بعض الفرضيات التي تعزز تزويره الكتابي، في الوقت الذي نجده فيه يتحرك تحت وطأة حمل ثقيل، وهو إغفال كل ما يدحض وجهة نظره.
كما أنه قد يكون الأمر في حدود الاعتيادي حين نكون أمام كاتب عادي، يسرد وجهتي النظر المتناقضتين، في قضية معرفية، إشكالية، ليركز على رؤاه الخاصة،
كما أنه قد يكون الأمر في حدود الاعتيادي حين نكون أمام كاتب عادي، يسرد وجهتي النظر المتناقضتين، في قضية معرفية، إشكالية، ليركز على رؤاه الخاصة،
وقد يكون ذلك من حقه، بيد أن الأمر لن يبقى في حدود هذا الوصف، إن كانت هناك حقوق الناس، بل يغدو الأمر خيانة معرفية، عندما تكون هناك مساومة على نقطة دم واحدة، وقد يرتفع الخطّ البياني- هنا- أمام من نجده يتصرف ببهلوانية، في بتسرة المعلومات، وتقديمها انتقائياً، للإمعان في عملية التزوير، حيث تبلغ خيانة الأدوات المعرفية ذروتها أمام مسيل الدم، كما هو حال ما يجري الآن في سوريا، منذ سنتين ونيف..!.
وكما هو معروف، أن تجربة “الربيع العربي” لم تستنفر مجرد دكتاتوريات في عالم السياسة- فحسب- بل إنها طالت- في المقابل- الكثير من النخب الثقافية، لارتباط مصالح هذين الطرفين مع بعضهما بعضاً، كي نجد أن الطاغية الدموي يواصل تحويل وطنه إلى طللٍ مكانيٍّ، خالٍ من العمران- كما هو حال الأنموذج الأسدي- بعد الإقدام على هدر دماء صاحب المكان- وهو مواطنه- مالم ينخرط في جوقة التصفيق باسمه، لاستمرارية ديمومة سلطته، وملكه، بل إن بعض هذه النخب الثقافية راحت تسوِّغ كل هذا الخراب والقتل، بأشكال متعدِّدة، منها ماراح يفتح نيران كتاباته- بشكل مباشرإلى جانب آلة السلطة، حيث لامجال هنا للنوايا الطيبة، مادام هناك طرفا ثنائية: القاتل والضحية..!
يأتي مقال عبدالإله بلقزيز*المعنون ب” مؤتمرجنيف2″ في امتحان معركة القصير، ليصنف نفسه، ضمن إطار الكتابات التي تغض نظرها عن أية إيجابية للثورة، ومشروعتها، أو أي تناول لفضائها المتجسد في أنها ثورة شعب مظلوم، ضد نظام استبدادي، أمني، فاسد، وصل إلى سدة الحكم على ظهر الدبابة”، واستطاع عبر عقود أن يوازن بين أطراف المعادلة الخارجية، كي يعزز اضطهاده لمواطنه، وممارسة الانتهاكات الفظيعة بحقه.
ويتفاجأ قارىء المقال، بالمصطلحات التي اعتمدها الباحث في مقاله- العابر-حيث يسمي “الثورة”” أزمة”، وهو “الباحث” في أقل توصيف، وأن بشار الأسد هو “الرئيس”، وأن شرط المعارضة” تعجيزي”، وأن المطالبة بتعطيل سلطات الأسد غير دستورية، وأن “الثورة” السورية- التي لايسميها- كلها قد اختزلت في” هزيمة” القصير- رغم أهميتها- وهي تعني انقلاباً في الموازين، وأن الجيش النظامي قد انتصر على المعارضة ومن معها، مغفلاً ما تبجح به حزب الله، وحسن نصرالله، ورآه العالم كله، أمام عينيه، وهناك قوى “راعية للمعارضة”، بل وإن طرفي ماتمَّ في سوريا هما” أمريكا والنظام السوري”- ليضع أمريكا بديلاً عن المعارضة وهو مالم يفعله النظام نفسه- وإن راح يتمنن على المعارضة لأن هناك أطرافاً عربية ودولية أخرى تقاتل معها، من دون أن يذكر أي دور مباشر لإيران التي صرَّح أكثر من مصدر رسم فيها أن مايجري في سوريا إنما هو معركتها في الوجود أو اللاوجود، بل إن النظام متماسك، بينما أمشاج المعارضة متنافرة، وأن استخدام الغاز الكيماوي مجرد مزاعم، لأن أمريكا لم تقرّ باستخدامه، بيد أنه بعد انتصار” الجيش النظامي”، سيجعلها تضغط على حلفائها: بريطانيا وفرنسا، لتسليح المعارضة أملاً في استعادة التوازن.
ثمة إحراج كبير، يحسُّ به القارىء النبيه الذي يعرف مدى ثقل خطاب بلقزيز- معرفياً- كيف أنه يتهاوى إلى هذا الدرك ، المتهافت، ليس من خلال الوقوف في الخندق الآخر، الذي لايليق بقامة عالية- افتراضياً- وهو شأنه، وإنما من خلال خيانة أدواته المعرفية، حيث أن كل حججه، وأدلته، راح يحشدها- على النحو غير المرئي لميليشيات نصرالله وإيران- بيد أنه لايدري أنه مهما بلغت بهلوانيات الباحث، وحتى المفكر، فإنه غير قادر البتة على إخفاء حقيقة شمس الثورة، بالغرابيل، وقد بلغ التزوير لديه أنه يجد أن “أمريكا” هي التي تواجه “النظام”، وقد هزمت في سوريا، وأنها تدير تسليح المعارضة، مقابل الجيش السوري، صانع المعجزات- المنتصر وحده في القصير- بيد أن واقع الحال هو أن أمريكا وغيرها من دول العالم هي التي تقف في وجه انتصار الثورة، وإن ما يصل من السلاح إلى الثورة إنما هو” مقنن”، يخدم ديمومة العنف، من دون حسم الثورة، وإسقاط النظام، ولقد رأينا تصريحات الجهات الاستخباراتية العليا التي رأت أن” الأسد رجل إسرائيل” في المنطقة، وهذا هو واقع الحال، فهو نفسه الذي ارتعدت فرائصه، وبطانته، وجيشه الذي يخلب أنظار بلقزيز-بعيد جدية وقوف العالم ضده عقب مقتل الحريري 14 شباط 2005- ولا يرى أن الاستعانة بالطائرات وصواريخ روسيا في” القصير” كانت وراء الانسحاب الموقوت للمعارضة، بل ولايرى انسحاب النظام عن سبعين في المئة من التراب السوري، انتصاراً للمعارضة..!-لاسيما في ظل إطلاق أمريكا “المعارضة” وحليفاتها أيدي الأسد لتدمر طائراته وصواريخه شعبه- والأكثر ألماً أنه يصف المعارضة ب”الإرهاب” وإن على لسان النظام-وكأنه ممثله- دون أن يورد أي وصف من قبل المعارضة للنظام الذي تراه مجرماً-باللغة نفسها- خائناً، بل إنه يواصل تفكيك تصورات النظام، كي يقدمه بمظهر القوي الذي سيدير اللعبة في ” جنيف 2″ كما يريد، بل إنه إذ يقرُّ بثقل روسيا في معركة جنيف، لاينعتها بأنها خارجية، بينما يجد أن المعارضة داخلية ومستقدمة، إضافة إلى تشتتها، وهزالها، وليست هي من يحاربها النظام، بل إنه يحارب معسكراً دولياً وإقليمياً تقف الولايات المتحدة على رأسه”، كما أنه يتحدث في نهاية مقاله عن” انتصار سوريا” وليس” النظام”، “بدعم روسي” وكأن النظام لم يدمر سوريا أرضاً وشعباً.
وأخيراً، لا أعرف ما الذي سيجنيه باحث- يكاد يكون مفكراً في لغة التسويق المعرفي- مثل عبدالإله بلقزيز، وهو يجد نفسه في مواجهة من قتل كتاباً سوريين، من أمثال: مشعل التمو ووليد المصري وإبراهيم الخريط ورشيد الرويلي ومحمد نمرمدني..إلخ، وقتل عشرات الصحفين، إن خلال صواريخه، أومن خلال رصاص “شبيحته”، في السجون أوفي الساحات والميادن والشوارع، و كأنه ليس من اقتلع حنجرة إبراهيم قاشوش، وبتر العضو الذكري لحمزة الخطيب، وهدم ويهدم المنازل فوق رؤوس آسكانها كاملين، في إطارتسوية سبعة ملايين منزل سوري بالأرض- وفق أحدث إحصائية- ومن بينها آلاف المدارس، والجوامع، والمستشفيات، كي يرضي بذلك نظاماً سقط- فعلياً-منذ بداية الثورة، وها هو يعيش بمجرد” سند كفالة” إسرائيلية روسية دولية، وهو موقف ينال من درجة مصداقية خطاب الرجل، كاملاً، منذ بدايات مشروعه، وحتى الآن…..!؟
وكما هو معروف، أن تجربة “الربيع العربي” لم تستنفر مجرد دكتاتوريات في عالم السياسة- فحسب- بل إنها طالت- في المقابل- الكثير من النخب الثقافية، لارتباط مصالح هذين الطرفين مع بعضهما بعضاً، كي نجد أن الطاغية الدموي يواصل تحويل وطنه إلى طللٍ مكانيٍّ، خالٍ من العمران- كما هو حال الأنموذج الأسدي- بعد الإقدام على هدر دماء صاحب المكان- وهو مواطنه- مالم ينخرط في جوقة التصفيق باسمه، لاستمرارية ديمومة سلطته، وملكه، بل إن بعض هذه النخب الثقافية راحت تسوِّغ كل هذا الخراب والقتل، بأشكال متعدِّدة، منها ماراح يفتح نيران كتاباته- بشكل مباشرإلى جانب آلة السلطة، حيث لامجال هنا للنوايا الطيبة، مادام هناك طرفا ثنائية: القاتل والضحية..!
يأتي مقال عبدالإله بلقزيز*المعنون ب” مؤتمرجنيف2″ في امتحان معركة القصير، ليصنف نفسه، ضمن إطار الكتابات التي تغض نظرها عن أية إيجابية للثورة، ومشروعتها، أو أي تناول لفضائها المتجسد في أنها ثورة شعب مظلوم، ضد نظام استبدادي، أمني، فاسد، وصل إلى سدة الحكم على ظهر الدبابة”، واستطاع عبر عقود أن يوازن بين أطراف المعادلة الخارجية، كي يعزز اضطهاده لمواطنه، وممارسة الانتهاكات الفظيعة بحقه.
ويتفاجأ قارىء المقال، بالمصطلحات التي اعتمدها الباحث في مقاله- العابر-حيث يسمي “الثورة”” أزمة”، وهو “الباحث” في أقل توصيف، وأن بشار الأسد هو “الرئيس”، وأن شرط المعارضة” تعجيزي”، وأن المطالبة بتعطيل سلطات الأسد غير دستورية، وأن “الثورة” السورية- التي لايسميها- كلها قد اختزلت في” هزيمة” القصير- رغم أهميتها- وهي تعني انقلاباً في الموازين، وأن الجيش النظامي قد انتصر على المعارضة ومن معها، مغفلاً ما تبجح به حزب الله، وحسن نصرالله، ورآه العالم كله، أمام عينيه، وهناك قوى “راعية للمعارضة”، بل وإن طرفي ماتمَّ في سوريا هما” أمريكا والنظام السوري”- ليضع أمريكا بديلاً عن المعارضة وهو مالم يفعله النظام نفسه- وإن راح يتمنن على المعارضة لأن هناك أطرافاً عربية ودولية أخرى تقاتل معها، من دون أن يذكر أي دور مباشر لإيران التي صرَّح أكثر من مصدر رسم فيها أن مايجري في سوريا إنما هو معركتها في الوجود أو اللاوجود، بل إن النظام متماسك، بينما أمشاج المعارضة متنافرة، وأن استخدام الغاز الكيماوي مجرد مزاعم، لأن أمريكا لم تقرّ باستخدامه، بيد أنه بعد انتصار” الجيش النظامي”، سيجعلها تضغط على حلفائها: بريطانيا وفرنسا، لتسليح المعارضة أملاً في استعادة التوازن.
ثمة إحراج كبير، يحسُّ به القارىء النبيه الذي يعرف مدى ثقل خطاب بلقزيز- معرفياً- كيف أنه يتهاوى إلى هذا الدرك ، المتهافت، ليس من خلال الوقوف في الخندق الآخر، الذي لايليق بقامة عالية- افتراضياً- وهو شأنه، وإنما من خلال خيانة أدواته المعرفية، حيث أن كل حججه، وأدلته، راح يحشدها- على النحو غير المرئي لميليشيات نصرالله وإيران- بيد أنه لايدري أنه مهما بلغت بهلوانيات الباحث، وحتى المفكر، فإنه غير قادر البتة على إخفاء حقيقة شمس الثورة، بالغرابيل، وقد بلغ التزوير لديه أنه يجد أن “أمريكا” هي التي تواجه “النظام”، وقد هزمت في سوريا، وأنها تدير تسليح المعارضة، مقابل الجيش السوري، صانع المعجزات- المنتصر وحده في القصير- بيد أن واقع الحال هو أن أمريكا وغيرها من دول العالم هي التي تقف في وجه انتصار الثورة، وإن ما يصل من السلاح إلى الثورة إنما هو” مقنن”، يخدم ديمومة العنف، من دون حسم الثورة، وإسقاط النظام، ولقد رأينا تصريحات الجهات الاستخباراتية العليا التي رأت أن” الأسد رجل إسرائيل” في المنطقة، وهذا هو واقع الحال، فهو نفسه الذي ارتعدت فرائصه، وبطانته، وجيشه الذي يخلب أنظار بلقزيز-بعيد جدية وقوف العالم ضده عقب مقتل الحريري 14 شباط 2005- ولا يرى أن الاستعانة بالطائرات وصواريخ روسيا في” القصير” كانت وراء الانسحاب الموقوت للمعارضة، بل ولايرى انسحاب النظام عن سبعين في المئة من التراب السوري، انتصاراً للمعارضة..!-لاسيما في ظل إطلاق أمريكا “المعارضة” وحليفاتها أيدي الأسد لتدمر طائراته وصواريخه شعبه- والأكثر ألماً أنه يصف المعارضة ب”الإرهاب” وإن على لسان النظام-وكأنه ممثله- دون أن يورد أي وصف من قبل المعارضة للنظام الذي تراه مجرماً-باللغة نفسها- خائناً، بل إنه يواصل تفكيك تصورات النظام، كي يقدمه بمظهر القوي الذي سيدير اللعبة في ” جنيف 2″ كما يريد، بل إنه إذ يقرُّ بثقل روسيا في معركة جنيف، لاينعتها بأنها خارجية، بينما يجد أن المعارضة داخلية ومستقدمة، إضافة إلى تشتتها، وهزالها، وليست هي من يحاربها النظام، بل إنه يحارب معسكراً دولياً وإقليمياً تقف الولايات المتحدة على رأسه”، كما أنه يتحدث في نهاية مقاله عن” انتصار سوريا” وليس” النظام”، “بدعم روسي” وكأن النظام لم يدمر سوريا أرضاً وشعباً.
وأخيراً، لا أعرف ما الذي سيجنيه باحث- يكاد يكون مفكراً في لغة التسويق المعرفي- مثل عبدالإله بلقزيز، وهو يجد نفسه في مواجهة من قتل كتاباً سوريين، من أمثال: مشعل التمو ووليد المصري وإبراهيم الخريط ورشيد الرويلي ومحمد نمرمدني..إلخ، وقتل عشرات الصحفين، إن خلال صواريخه، أومن خلال رصاص “شبيحته”، في السجون أوفي الساحات والميادن والشوارع، و كأنه ليس من اقتلع حنجرة إبراهيم قاشوش، وبتر العضو الذكري لحمزة الخطيب، وهدم ويهدم المنازل فوق رؤوس آسكانها كاملين، في إطارتسوية سبعة ملايين منزل سوري بالأرض- وفق أحدث إحصائية- ومن بينها آلاف المدارس، والجوامع، والمستشفيات، كي يرضي بذلك نظاماً سقط- فعلياً-منذ بداية الثورة، وها هو يعيش بمجرد” سند كفالة” إسرائيلية روسية دولية، وهو موقف ينال من درجة مصداقية خطاب الرجل، كاملاً، منذ بدايات مشروعه، وحتى الآن…..!؟
راجع رأي ودراسات- جريدة الخليج10-6-2013