كما أن استخدام أسلحة الدمار الشامل واستجلاب المرتزقة من قبل النظام الأسدي من إيران والعراق ولبنان وغيرها في محاولةٍ يائسة لسحق الثورة المندلعة ضده يؤدي إلى مزيد من التعقيدات السياسية والتجاوزات على حقوق الإنسان وتفتيت البناء السوري برمته، وعندها لن يكون في استطاعة أي تنظيم سياسي كردي أو كردستاني حماية الشعب الكردي وتأمين متطلباته المعيشية اليومية، مهما كان ذلك التنظيم قوياً، لأنه ليس بالإمكان في هذه الأحوال بسبب الحيز الجيو- سياسي لغرب كوردستان لا يمنح ذلك التنظيم الحرية والامكانية الضرورية للقيام بمهامه تجاه الشعب، ففي غرب كوردستان لا توجد مصانع ومعامل، وكل ما يستهلكه المواطنون الكرد ويحتاجون إليه سوى المواد الغذائية، النباتية والحيوانية، آتٍ من خارج المنطقة الكردية، ومن ثم فإن هذه المنطقة لن تستمر في الحياة مالم تنفتح كلياً على ما خلفها وغربها من دولة كبيرة هي تركيا وعلى ما شرقها من إقليم كوردستان العراق الذي لايزال يعتمد هو الآخر على الجيران في الحصول على مستهلكاته، ومن ناحيةٍ أخرى فإن القوى السورية، سواءً في النظام أو في المعارضة لن تدع أي تنظيمٍ كردي قومي، مهما كان لطيف العبارات السياسية ومتواضع المطالب أو رقيق الملمس، أن يبني شيئاً خاصاً بالشعب الكردي، مالم يكن ذلك تحت رقابتها وتابعةً لها وخاضعة لسلطانها السياسي، فالشحن القومي العنصري ضد الكرد وكوردستان يملأ بطاريات كل هذه القوى السورية مع الأسف، دينية كانت أو مذهبية، ديموقراطية كانت أو ليبرالية، شيوعية كانت أو اشتراكية وإن التجربة التاريخية لحركتنا الوطنية الكردية تثبت أن ظل أفكار التفوق القومي العربي والاعتقاد بأن وطن العرب الذين جاؤوا من الحجاز واليمن أصلاً يمتد من تطوان إلى اسبانيا يخيم على كل مساحة العمل السياسي العربي السوري، فالكرد الذين كانوا أبناء وحماة المنطقة التي يعيشون فيها عبر التاريخ الإنساني كله ليسوا إلا لاجئين وأقلية في محيط واسعٍ وعميق حسب ايديولوجيات السوريين، ومن هؤلاء العروبيين ومن يتملق زعماءهم من أبناء الأقليات، ومنهم شيوخ للقانون الدولي ويملؤون أفواههم بعبارات عن حقوق الإنسان كل يوم، من لا يعترف نهائياً بحق تقرير المصير للشعوب، عندما يدور الحديث عن الكرد وكوردستان، في حين أنهم يتباكون على هذا الحق للشعب الفلسطيني على سبيل المثال، والكرد يضاهون الفلسطينيين بكثير في سعة بلادهم وتعدادهم السكاني وامكاناتهم وثرواتهم.
في هكذا أوضاع غير مساعدة للبناء الحقيقي الثابت وتتميز بتدمير ذاتي سوري ترافقه مآسي مستمرة تنذر بأخطار كبيرة، لا يمكن لشعبنا النأي بالنفس عنها في الواقع الحالي، لاتزال هناك مجموعة كبيرة من الأحزاب الكردية، الضعيفة وغير القادرة حتى على حماية ذاتها عوضاً عن تنظيم أو اثنين أو ثلاثة قادرة على تجميع القوى وتوحيد الجهود والطاقات المبعثرة، فكيف بها ستبني للشعب الكردي بيتاً أو تدافع عنه وتصونه من العواصف العاتية؟ ولماذا لا تستطيع حتى أقلها أعضاءً وأصغرها عمراً وأضعفها طاقاتٍ وأقربها إلى بعضها بعضاً من حيث الأهداف والبرامج والتراكيب التنظيمية توحيد صفوفها لتصبح حزباً قوياً؟ وإذا كان حقاً هذا التوحد مطلوب شعبياً وضروري مرحلياً ووارد في برامج هذه الأحزاب ذاتها فمن هي الجهة التي تفرض الانقسام والانشقاق والتناحر غير الطبيعي في الصف الوطني الكردي؟ هل من قوى خارجية أو إقليمية أو سورية ترغم قيادات أحزابنا هذه على التنافر التنظيمي الذي لم يعد واقعياً وبات يضر بشعبنا المظلوم وقضيتنا العادلة ولا ينفع أحزابنا؟
هذه الأسئلة المثيرة للقلق تحتاج لإجابات واضحة وليس لسخرية بعض من يعتقدون أنهم “فوق النقد” و”معصومون” لمجرد أنهم يتربعون في المقاعد الوثيرة لإحدى قيادات هذه الأحزاب أو انهم من كوادرها المتقدمة، ولا يكفي القول بأن هذه الجماعة أو هذا القيادي عامل على تقريب وجهات النظر أو توحيد الفصائل أو أنه يحافظ بقوة على ما توصلت إليه أحزابنا من تشكيلات مشتركة كالمجلس الوطني الكردي وهيئة التنسيق الوطني أو سواهما، فالشعب الكردي يرى ويلاحظ مدى الجفاء بين مكونات هذين التشكيلين وغياب بعض القوى عنهما كما يدرك بأنهما عاجزين فعلاً عن التصدي للتحديات المتواجدة والقادمة التي ستفرزها الحرب السورية إن استمرت لفترة أطول من الزمن.
وأكبر فشلٍ لحركتنا الكردية إجمالاً هو في مجال علاقتها بتشكيلات المعارضة السورية والثورة المسلحة.
كيف يفهم العاقلون من هذا الشعب قدرة الأحزاب مجتمعةً أو مجموعةٍ منها على تشكيل مجلس وطني كوردي في فترة وجيزة من النقاشات وهي ذات الأحزاب التي فشلت لعقودٍ من الزمن ولاتزال في توحيد فصيلين منها متقاربين فكراً سياسياً وممارسة عملية وتركيباً تنظيمياً، بل بين بعض قادتها وزعمائها قرابات أو صداقات اجتماعية؟ وكيف يمكن تفسير الشأن الداخلي لهيئة التنسيق الوطني التي تبدو في الواقع العملي أحزاباً بلا حول ولا قوة تجري خلف حزبٍ يملك أسباب القوة، لا يحتاج لهذه الهيئة إلا للتمويه وإظهار تعلقه بالوحدة الوطنية واعترافه بوجود الآخرين، وفي الواقع العملي يهزأ من كل قوة ليست على عقيدته الشمولية؟
كيف يمكن تفسير سياسة “نحن مع الثورة السورية!” وفي الوقت ذاته “نحن رهن اشارتكم أيها الروس الداعمون لنظام الأسد بكل أشكال القوة السياسية والعسكرية والدبلوماسية بهدف القضاء على الثورة”؟ وهل هذه الهيئة التي جعلت من نفسها ممثلة لكل الشعب الكردي، بدون إجراء أي انتخابات ديموقراطية، ستذهب إلى طهران أيضاً، وهي عاصمة الشر الذي يهب على المنطقة بأسرها وتقاتل بضراوة إلى جانب النظام الذي “نحن في ثورة ضده!”؟ ومن يفرض هذه السياسة الازدواجية على هيئتنا السياسية “العليا” التي يقول البعض عنها تندراً “الهيئة الفارغة” أو “الهيئة الدنيا”؟
أسئلة عديدة نطرحها كأكراد لهم الحق في متابعة نشاط حراكهم السياسي “الثوري” و “الديموقراطي” والتعليق عليه و ابداء الرأي الحر والمخالف فيه، بحكم أن البشرية تسير ولو ببطءٍ صوب مزيدٍ من الحريات السياسية وعالم الديموقراطية، وقد تؤذي أسئلتنا بعض القيادات والأشخاص الفاقدين لروح الإيمان بهذه الحريات أصلاً، ويعتقدون بأنهم أو أن أحزابهم معصومة عن الخطأ وأن كل ما يمارسونه من سياسات مطابقة للحال وضرورية وتاريخية، إلا أن شعبنا الكردي يؤمن بأن النقد أداة لابد منها لتصحيح المسارات الخاطئة والسياسات الفاشلة، وبأن طرح الأسئلة المحرجة أيضاً ليس “قلة شرف وناموس” كما ينشر البعض من فاقدي الضمير والوجدان الإنساني وتابعي أصنام الشمولية، الذين يحملون طبولاً كبيرة ويعزفون على أنغام نشاز حسب أوامر تأتيهم من خارج العالم الكردي أصلاً…
وأخيراً، نسأل ثانية كيف أمكن إنجاز المجلس الوطني بسرعةٍ فائقة بين تنظيمات لم يتمكن منها اثنان التوحد فيما بينهما عقوداً من الزمن رغم كل المحاولات؟ حتى بدت الأحزاب في مرحلة سابقة عالةً على الشعب الكردي، لا يدري كيف يتخلص منها.
أهذا متعلق بالواقع والمرحلة التاريخية؟ إذاً لا نحتاج إلى وحدة تنظيمية لفصائلنا الحزبية رغم أن عددها فاق العشرين تنظيم حتى الآن؟ فقد يقول البعض بأن الواقع يقبل ذلك، وهذا يتناسب مع المرحلة التاريخية العسيرة!!!
أسئلة نحيلها إلى قياداتنا المحترمة على أمل عدم القائها في الدرج…
11/06/2013
http//:cankurd.wordpress.com
kurdistanicom@yahoo.de