هل الأحزاب الكردية عالة على شعبنا؟

  جان كورد

في هذا الوقت الذي تعرضت ولاتزال تتعرض سوريا إلى مختلف صنوف التدمير، وتوشك الحرب بسبب السياسة العدوانية للنظام الأسدي ضد الشعب السوري أن تتحول من ثورة وطنية هدفها انتزاع الحرية وبناء المجتمع الإنساني العادل إلى حربٍ طائفية رهيبة تحطم وحدة الكيان الاجتماعي الديني في هذه البقعة من الأرض، مما تنعكس النتائج السلبية لهذا التحول الرديء والممول استراتيجياً من حكومة ملالي إيران على شعبنا الكردي في غرب كوردستان مثل غيره من مكونات المجتمع السوري، الذي ظل عبر التاريخ الحديث بمنأى عن كل المشاحنات والاقتتال الطائفي البغيض في الدولتين الجارتين لبنان والعراق.
 وهذا يعني أن الكرد كغيرهم من المكونات السورية في عين العاصفة الهوجاء التي ستكون مدمرة للبناء الحضاري والتقدم العمراني المتواضع لهذا البلد، وليس هناك كردي عاقل ورشيد يعتقد بأن الكرد في سوريا خارج دائرة النار حقيقةً، بل على العكس فإن شعبنا يعاني من سائر المشاكل اليومية التي أفرزتها الأوضاع السائدة منذ بداية ما سموه ب”الأزمة السورية”، وهي في الواقع سلسلة طويلة من الأزمات الخطيرة التي قد تنهي الوحدة الوطنية والتماسك الوطني لسوريا، ولذا يمكن تسمية ما يجري في هذه البلاد ب”المذبحة” لكثرة ما يحدث من جرائم ضد الإنسانية  يومياً.

كما أن استخدام أسلحة الدمار الشامل واستجلاب المرتزقة من قبل النظام الأسدي من إيران والعراق ولبنان وغيرها في محاولةٍ يائسة لسحق الثورة المندلعة ضده يؤدي إلى مزيد من التعقيدات السياسية والتجاوزات على حقوق الإنسان وتفتيت البناء السوري برمته، وعندها لن يكون في استطاعة أي تنظيم سياسي كردي أو كردستاني حماية الشعب الكردي وتأمين متطلباته المعيشية اليومية، مهما كان ذلك التنظيم قوياً، لأنه ليس بالإمكان في هذه الأحوال بسبب الحيز الجيو- سياسي لغرب كوردستان لا يمنح ذلك التنظيم الحرية والامكانية الضرورية للقيام بمهامه تجاه الشعب، ففي غرب كوردستان لا توجد مصانع ومعامل، وكل ما يستهلكه المواطنون الكرد ويحتاجون إليه سوى المواد الغذائية، النباتية والحيوانية، آتٍ من خارج المنطقة الكردية، ومن ثم فإن هذه المنطقة لن تستمر في الحياة مالم تنفتح كلياً على ما خلفها وغربها من دولة كبيرة هي تركيا وعلى ما شرقها من إقليم كوردستان العراق الذي لايزال يعتمد هو الآخر على الجيران في الحصول على مستهلكاته، ومن ناحيةٍ أخرى فإن القوى السورية، سواءً في النظام أو في المعارضة لن تدع أي تنظيمٍ كردي قومي، مهما كان لطيف العبارات السياسية ومتواضع المطالب أو رقيق الملمس، أن يبني شيئاً خاصاً بالشعب الكردي، مالم يكن ذلك تحت رقابتها وتابعةً لها وخاضعة لسلطانها السياسي، فالشحن القومي العنصري ضد الكرد وكوردستان يملأ بطاريات كل هذه القوى السورية مع الأسف، دينية كانت أو مذهبية، ديموقراطية كانت أو ليبرالية، شيوعية كانت أو اشتراكية وإن التجربة التاريخية لحركتنا الوطنية الكردية تثبت أن ظل أفكار التفوق القومي العربي والاعتقاد بأن وطن العرب الذين جاؤوا من الحجاز واليمن أصلاً يمتد من تطوان إلى اسبانيا يخيم على كل مساحة العمل السياسي العربي السوري، فالكرد الذين كانوا أبناء وحماة المنطقة التي يعيشون فيها عبر التاريخ الإنساني كله ليسوا إلا لاجئين وأقلية في محيط واسعٍ وعميق حسب ايديولوجيات السوريين، ومن هؤلاء العروبيين ومن يتملق زعماءهم من أبناء الأقليات، ومنهم شيوخ للقانون الدولي ويملؤون أفواههم بعبارات عن حقوق الإنسان كل يوم، من لا يعترف نهائياً بحق تقرير المصير للشعوب، عندما يدور الحديث عن الكرد وكوردستان، في حين أنهم يتباكون على هذا الحق للشعب الفلسطيني على سبيل المثال، والكرد يضاهون الفلسطينيين بكثير في سعة بلادهم وتعدادهم السكاني وامكاناتهم وثرواتهم.

في هكذا أوضاع غير مساعدة للبناء الحقيقي الثابت وتتميز بتدمير ذاتي سوري ترافقه مآسي مستمرة تنذر بأخطار كبيرة، لا يمكن لشعبنا النأي بالنفس عنها في الواقع الحالي، لاتزال هناك مجموعة كبيرة من الأحزاب الكردية، الضعيفة وغير القادرة حتى على حماية ذاتها عوضاً عن تنظيم أو اثنين أو ثلاثة قادرة على تجميع القوى وتوحيد الجهود والطاقات المبعثرة، فكيف بها ستبني للشعب الكردي بيتاً أو تدافع عنه وتصونه من العواصف العاتية؟ ولماذا لا تستطيع حتى أقلها أعضاءً وأصغرها عمراً وأضعفها طاقاتٍ وأقربها إلى بعضها بعضاً من حيث الأهداف والبرامج والتراكيب التنظيمية توحيد صفوفها لتصبح حزباً قوياً؟ وإذا كان حقاً هذا التوحد مطلوب شعبياً وضروري مرحلياً ووارد في برامج هذه الأحزاب ذاتها فمن هي الجهة التي تفرض الانقسام والانشقاق والتناحر غير الطبيعي في الصف الوطني الكردي؟ هل من قوى خارجية أو إقليمية أو سورية ترغم قيادات أحزابنا هذه على التنافر التنظيمي الذي لم يعد واقعياً وبات يضر بشعبنا المظلوم وقضيتنا العادلة ولا ينفع أحزابنا؟
هذه الأسئلة المثيرة للقلق تحتاج لإجابات واضحة وليس لسخرية بعض من يعتقدون أنهم “فوق النقد” و”معصومون” لمجرد أنهم يتربعون في  المقاعد الوثيرة لإحدى قيادات هذه الأحزاب أو انهم من كوادرها المتقدمة، ولا يكفي القول بأن هذه الجماعة أو هذا القيادي عامل على تقريب وجهات النظر أو توحيد الفصائل أو أنه يحافظ بقوة على ما توصلت إليه أحزابنا من تشكيلات مشتركة كالمجلس الوطني الكردي وهيئة التنسيق الوطني أو سواهما، فالشعب الكردي يرى ويلاحظ مدى الجفاء بين مكونات هذين التشكيلين وغياب بعض القوى عنهما كما يدرك بأنهما عاجزين فعلاً عن التصدي للتحديات المتواجدة والقادمة التي ستفرزها الحرب السورية إن استمرت لفترة أطول من الزمن.

وأكبر فشلٍ لحركتنا الكردية إجمالاً هو في مجال علاقتها بتشكيلات المعارضة السورية والثورة المسلحة.


كيف يفهم العاقلون من هذا الشعب قدرة الأحزاب مجتمعةً أو مجموعةٍ منها على تشكيل مجلس وطني كوردي في فترة وجيزة من النقاشات وهي ذات الأحزاب التي فشلت لعقودٍ من الزمن ولاتزال في توحيد فصيلين منها متقاربين فكراً سياسياً وممارسة عملية وتركيباً تنظيمياً، بل بين بعض قادتها وزعمائها قرابات أو صداقات اجتماعية؟ وكيف يمكن تفسير الشأن الداخلي لهيئة التنسيق الوطني التي تبدو في الواقع العملي أحزاباً بلا حول ولا قوة تجري خلف حزبٍ يملك أسباب القوة، لا يحتاج لهذه الهيئة إلا للتمويه وإظهار تعلقه بالوحدة الوطنية واعترافه بوجود الآخرين، وفي الواقع العملي يهزأ من كل قوة ليست على عقيدته الشمولية؟
كيف يمكن تفسير سياسة “نحن مع الثورة السورية!” وفي الوقت ذاته “نحن رهن اشارتكم أيها الروس الداعمون لنظام الأسد بكل أشكال القوة السياسية والعسكرية والدبلوماسية بهدف القضاء على الثورة”؟ وهل هذه الهيئة التي جعلت من نفسها ممثلة لكل الشعب الكردي، بدون إجراء أي انتخابات ديموقراطية، ستذهب إلى طهران أيضاً، وهي عاصمة الشر الذي يهب على المنطقة بأسرها وتقاتل بضراوة إلى جانب النظام الذي “نحن في ثورة ضده!”؟ ومن يفرض هذه السياسة الازدواجية على هيئتنا السياسية “العليا” التي يقول البعض عنها تندراً “الهيئة الفارغة” أو “الهيئة الدنيا”؟
أسئلة عديدة نطرحها كأكراد لهم الحق في متابعة نشاط حراكهم السياسي “الثوري” و “الديموقراطي” والتعليق عليه و ابداء الرأي الحر والمخالف فيه، بحكم أن البشرية تسير ولو ببطءٍ صوب مزيدٍ من الحريات السياسية وعالم الديموقراطية، وقد تؤذي أسئلتنا بعض القيادات والأشخاص الفاقدين لروح الإيمان بهذه الحريات أصلاً، ويعتقدون بأنهم أو أن أحزابهم معصومة عن الخطأ وأن كل ما يمارسونه من سياسات مطابقة للحال وضرورية وتاريخية، إلا أن شعبنا الكردي يؤمن بأن النقد أداة لابد منها لتصحيح المسارات الخاطئة والسياسات الفاشلة، وبأن طرح الأسئلة المحرجة أيضاً ليس “قلة شرف وناموس” كما ينشر البعض من فاقدي الضمير والوجدان الإنساني وتابعي أصنام الشمولية، الذين يحملون طبولاً كبيرة ويعزفون على أنغام نشاز حسب أوامر تأتيهم من خارج العالم الكردي أصلاً…
وأخيراً، نسأل ثانية كيف أمكن إنجاز المجلس الوطني بسرعةٍ فائقة بين تنظيمات لم يتمكن منها اثنان التوحد فيما بينهما عقوداً من الزمن رغم كل المحاولات؟ حتى بدت الأحزاب في مرحلة سابقة عالةً على الشعب الكردي، لا يدري كيف يتخلص منها.
أهذا متعلق بالواقع والمرحلة التاريخية؟ إذاً لا نحتاج إلى وحدة تنظيمية لفصائلنا الحزبية رغم أن عددها فاق العشرين تنظيم حتى الآن؟ فقد يقول البعض بأن الواقع يقبل ذلك، وهذا يتناسب مع المرحلة التاريخية العسيرة!!!
أسئلة نحيلها إلى قياداتنا المحترمة على أمل عدم القائها في الدرج…
   ‏‏11‏/06‏/2013  
http//:cankurd.wordpress.com
kurdistanicom@yahoo.de

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…