ملحمة القصير..!

إبراهيم اليوسف

ما إن يحن أجل النملة
ينبت لها جناحان..!
-مثل شعبي –

ثمة قراءات، وتحليلات كثيرة، تناولت ملحمة مدينة القصيرالسورية، التي بات طرفان مجرمان، هما عصابات الأسد، المقودة عنوة، أو طوعاً- لا فرق، من جهة ، و المليليشات المرتزقة للمدعو حسن نصرالله، يعلنان وبوقاحة أنهما قد”سيطرا” عليها،

ولعل هذين الطرفين، والمنظومة المكشوفة التي لم يعد خافياً انتماؤهما إليها، من عداد أكثر مزوري الإعلام و التاريخ، من خلال اللجوء إلى الإعلام المضلل الذي كان من نتائجه جعل الدعي حسن نصرالله في مأساة2006 بطلاً تعلّق صوره في الساحات العامة، والشوارع، والبيوت، وزجاج السيارات، والمكاتب الرسمية في سوريا إلى جانب صور آل الأسد المغتصب، بينما كانت أصوات المنطق، تعلن، على الملأ، أن ما قام به المأزوم نصرالله إنما هو عمل خياني للبنان، ولفلسطين، وللعروبة، وللإسلام، وللأخلاق، لاسيما وأنه نفسه قد صرح في مابعد: قائلا مامعناه” لوكنا نعلم أن أسر الجنديين الإسرائيليين يؤدي إلى هذا الدمار والقتل لما قمنا بذلك”، وهو ينمُّ عن تهور هذا البيدق، الذي بات مفرحاً انكشاف أوراقه، وعوراته، أمام الرأي العام العربي والعالمي، لئلا يتشدق بالممانعة، والجهاد، وغير ذلك من المفردات التي كانت وراء ترسيخ الاستبداد في بلدنا سوريا، وإصابة لبنان بالكثير من شروره، حيث لما يزل يدفع ضريبة ذلك، وكأكبرمثال يمكن تشخيصه، أن مجرمي هذا الحزب، انفلتوا من عقال حدودهم- وهوشأن من يتبع من هم خارج الحدود وولدعلى إيقاع بركاتهم وحبرخططهم- بينما حكومة بلدهم، بل إرادة شعبهم، تقف ضد ذلك، ولا تستطيع ترجمة هذه الرغبة، خوفاً من استعادة دورة الحرب الأهلية التي صنعها النظام السوري، كي يكون الخصم في قميص الحكم، ولتستمرَّ اللعبة الدموية- منذئذ- وحتى الآن، إما بشكل مباشر، كما تمَّ حتى وقت قريب في ظلِّ استعمار لبنان من قبل النظام، أو من خلال أدوات تعمل ب”الوكالة” عنها، وعمن هم جزء واضح من منظومة إرهاب العالم.

ومن هنا، فإن المخطط الذي بموجبه قامت فلول عصابات ومليشات المندحرين، المهزومين: الأسيد/و”نصر” الله، بالتكاتف، تحت ظلال الطائرات، وصواريخ السكود، وبمؤازرة الدبابات، والمدافع، وإمدادات السلاح الروسي، الإيراني، وعلى امتداد أشهر، وليس على امتداد ماينيف عن الأسبوعين فقط- كما يخيل لبعضنا- حيث أن هذه المدينة الصغيرة، الوادعة، التي لايزيد عدد سكانها عن الثلاثين ألف نسمة، في حدها الأعظمي، لم يبرحوها إلا بعد أن شقَّ لهم الجيش الحر الطريق، وفي هذا مثال ساطع، على مدى لحمة الجيش الحر، الذي يدافع عن القصير، وأهلها، هذا المخطط  مني بالفشل، لأن جيش النظام، ممرَّغ الجبين في الذل والجبن، وإن تاريخه مقرون بسبب خيانة قائده العام وبطانته في كل مرة- بسلسلة الهزائم المتواصلة بما في ذلك سلب الكرامة والأرض الوطنية..!-

فلا يسجل له ماتم- بطولة- كما رام ذلك، لأن صمود هذه المدينة، وببضع مئات- فحسب- من الأبطال البواسل الذين دافعوا عنها، مقابل الآلاف من ذلك “الجييش” الهجين، الجبان، والذي يزعم أنه سيستعيد القدس، والأرض المغتصبة، في ضلعي ثلاثية الاحتلال المتبقيين، بيد أن من يجند لقتل أهله، إنما هو مأجور، خادم لمحتل القدس، والأرض المحتلة، ولاعلاقة له لا بالوطنية، ولا بالقيم العليا، أياً كان تأطيرها الملفق، ناهيك عن أن ذلك لن يكون أداة ضغط على المعارضة السورية، للركوع، في قاعات مفاوضات جنيف 2، حيث كان هناك من ينتظر”احتلال” القصير، رئة المعارضة، في ذلك المكان، في رسالة متعددة عناوين المرسل إليهم، من قبله، فذلك لن يكون، لأن لا معارضة سورية، تستطيع – وعبر أية واجهة صادقة لها- أن تتجرأ على الجلوس على طاولة المفاوضات بينما بشارالأسد، بعيداً عن حكم شارع الثورة عليه، وهو ترك كرسي الحكم، وهو أمر ليس منة من هذه الواجهة أو تلك، بل هي إرادة الثورة، وهكذا فإن أية جنيفات تتم -الآن أو مستقبلاً- هي ميتة- مالم تستجب لمطلب الثورة الصممي.


صحح، أن طائرات النظام جعلت الكثير من مباني القصير، أثراً بعد عين، ليس خلال هذين الأسبوعين- الماضيين- فقط- بل قبل ذلك، بوقت طويل، بزمن الحرب، وما استشهاد الصديق الشاعر وليد المصري، تحت أنقاض منزله في القصير، وهو من سكان القصير و رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب في حمص، وهو شاعر كبير، قبل ذلك: حيث سوي بيته بالأرض، كما مئات البيوت -آنذاك- وإن هذه الحرب على القصير خلفت وراءها مآسي حقيقية، حيث أسر كاملة، امحت عن الحياة، إذ أطلقت أيدي المجرمين في التنكيل بهم، بكل الحقد، واللؤم، مواصلن تسجل أبشع فظائع العصر، إلا ضمانة وتواطئاً كي تتنفس إسرائيل التي تجري باسم مواجهتها مسوّغات الأسد ونصرالله في إشعال فتيل الإرهاب- وليس أدل على هذا وذاك أن إعلان انتصار الميليشيات تم في عشية 5 حزيران، وفي مجرد ذكر هذا التاريخ مفارقة كبرى، تدل على أن محاولة ازدياد شرخ النكبة، بدلاً عن بلسمتها، أعظم خيانات هذين الكيانن المجرمين..!.

إن أية قراءة، أو تحليل، جادين، منصفين، غير ملفقين، لابد من أن يبينا أن عصابات وميليشات النظام والدعي نصرالله، ومن وراءهما، قد تلقوا شر هزيمة نكراء في القصير، لأن مجرد استخدام الطائرات في أية معركة، تحدد النتيجة الأولى، إلا أن أبطال الجيش الحرّ في القصير دافعوا عن أهلهم، بشجاعة، وبسالة، منقطعتي النظير، لاسيما وأن الاستعانة- بالغرباء المأجورين- كما هوحال ميليشيات نصرالله، إنما تجعل خيانة النظام، مزدوجة، ومثولثة، ومعوشرة، وكان على من وزع الحلوى، في “أحيائه” أن يعلن عن” مرارة” الدرس الذي سيظل يتحسسه، مادام حياً، وإن ارتفاع نبرة الإعلام المضلل، بنسختيه التشبيحتين، في سوريا ولبنان، وهما نسختان مدموغتان بأختام إيرانية، روسية، وسط تواطؤ وصمت عربيبن، إسلاميين، بل وعالميين…!
وهناك مسألة مهمة، وهي أن الجيش الحر، يؤثر الانسحاب الجزئي، أو المرحلي، في مواجهاته مع النظام، لاسيما في ظل الحصاراللاإنساني، القذر، لهذه المدينة، الأسطورية، الصامدة، وفي هذا ما يدل على أن الزغاريد التي اطلقها النظام، إنما هي كاذبة، تدخل في إطارإعلامه-كماهوشأن إعلام نصرالله- المؤسس، في الأصل، على مجرد كذبة المقاومة، وفي هذا مايجعل ملحمة الثورة، مفتوحة، في الدفاع عن الأهل، ضد النظام المجرم، شريطة أن تتوحد كل فصائل الثورة، تحت اسم واحد، وأن تتوضح رؤيتها، في كل ما يهم مصلحة الشعب السوري، بالإضافة إلى تسمية كل القوى التي تسيء إليها، ولها أجنداتها الخاصة -في المقابل- و عدم التردد في فضحها، لأن في السكوت عن ممارساتها، وانتهاكاتها، إساءة لرسالة الثورة، وخدمة للنظام المجرم، ومن بين ذلك اصطناع غزو المدن الكردية، لدواع، وأهداف لاتخفى على أحد..!
5-6-2013

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…