قبل شهرين كنت في زيارة الى فيينا بمهمة عمل نضالي وحزبي كان المرحوم في الاستقبال لي في مطار فيينا برفقة ولده، ابى الاخ والاستاذ بروسك الا ان اكون ضيفا عليه وامكث في منزله لم يتركني بالذهاب الى الفندق رغم كانت محجوزة من قبل ، كان اللقاء الاول والاخير بيننا، التقت عيناي للوهلة الاولى برجل واثق الخطوة تجاوز الخامسة والستين من العمر تطل على محياه البسمة والرصانة والهدوء، قضينا ليلة طويلة بعد كرم ضيافة تركت تواضعه وبساطة ومرح نفسه وعنفوان الحيوية لديه اثرا في نفسي وانطباع جميلا لدي ، دار الحديث بيننا وتطرقنا الى مسائل عديدة، ادركت باني امام قاموس من التجربة ومرجعا تاريخيا في الثقافة و الاحداث والواقع السياسي الكوردي.
تناول في حديثه جوانب حياة عائلة حاجو منذ البدايات الى اليوم، اوضح وشرح لي مختلف الاوجه من التاريخ من صفحات حياة عائلته بمرها وحلوها ب ايجابياتها وسلبياتها كمؤرخ التزم الصدقية والعلمية والواقعية بتجرد وحيادية، كان يمتلك ذاكرة متقدة وتحليل عميق للاحداث اردف في الوصف والتحليل كيف كان حياة المجد والرخاء يوما وكيف كان حياة الفقر عندما ضاقت بهم الجهات والمسافات ، بين اوجه والوان الحياة المختلفة وتشعبات الاقدار، ولماذا ادت بهم معترك الحياة الى الهجرة قائلا : ان هواء وسماء وشمس تربي سبية واطلال جرحي وهضابها ولاتا مير بدرخان حاضرة معي كالنقش على الحجر في الوجدان والضمير في حلي وترحالي اينما كنت وان طال بي الازمان والاقدار ، لا يزال غبار وتراب تربي سبية تشهق في صدري ارتشف منها وجودي وولادتي، تحدثنا عن الثورة كثيرا وعن وتاريخ حركتنا السياسة كانت امسية ولقاء وذكرى ، شرح لي صورة مقتضبة من محطات حياته في المراحل المختلفة ، ابدى استعداده بان يعمل في النضال ضمن صفوف حزب يكيتي الكوردستاني قائلا: انني جاهز في خدمة قضية شعبي وكل ما يقع على عاتقي مستعد للتضحية ما تبقى من عمري وانا في سنين التقاعد من عمري رغم اني لم ابخل يوما ما استطعت بنكران الذات في كل وقت ، وكل وقتي وجهدي اسخرها ما يلزم ويقع علي من الواجب القيام به الان، وهذه الثورة فرصة تاريخية لنا نحن الكورد قبل غيرنا، كلنا مدعوون للنضال لم يعد الامر والواجب يقتصر على فئة او طبقة محددة سياسية او عائلية او مناطقية دون غيرها انه نهوض قومي ووطني بامتياز من اجل كتابة تاريخنا من جديد، الجميع يجب ان يتحمل مسؤوليته شابا كان او شيخا او امراة، ولا بد من الانخراط في التنظيم والانضباط استعدادا وتحضيرا للمرحلة قبل فوات الاوان، لانه بدون ذلك ستواجهنا الفوضى والتسيب وضياع الهدف وعندها لن ينفع التقييم ومراجعة الذات.
لقد كان المرحوم بروسك شخصية مصقلة بتجربة الحياة ملما بمكامن الامور وحدس الواقع، كان عميقا في رؤيته للاحداث يعالج الحاضر والماضي بواقعية وتمحيص الدقيق للواقع و بتجرد وتحليل علمي، كان يرى في الحياة بانه صراع ، لا معنى لها بدون مقاومة وينظر اليها بمنظور التفاؤل ما هو قادم، بان المستقبل هو دائما افضل عندما نستعد ونخطط له باخلاص ومثابرة، لا احد يقف في وجه الزمن انه يعصف بنا لا فرار منه، كان شابا في حيويته وكبيرا في تجربته، علمته المحن والاحداث كيف يقييم الواقع نحو المستقبل وايمانا لا ينضب بالامل المنشود، اصقلته تجربة الحياة وفلسفتها ما هو معنى الحياة وصيرورة التاريخ.
الاخ والاستاذ بروسك اراك وانت امام ناظري وانت في ذاكرتي بصدق كيف كنت تشرح لي معالم فيينا التاريخية وزيارتنا لاخوانك، اعرف تماما قد اعطيتني ثقتك لن انساه ابدا ولن انسى تلك المدة القصيرة بيننا لكن كانت بالنسبة لي عقدا في حياتي، سابقى اتذكرك طويلا عرفت انسانا رائعا صادقا ، ترك اثرا ومكانة في نفسي و في وجداني وضميري ، كان بشوشا ومرح النفس معتزا بنفسه ينهل منه الكبرياء والتواضع والهدوء الرصين ساظل اذكرك ووداعك لي في مطار فيبنا مثل ما استقبلتني بحفاوة وتكريم، لقد ودعتنا مبكرا دون ان يكتمل لقائنا الثاني في استكمال ما كان معهود بيننا في البدء بالنضال والمشوار، فتقبل مني هذه الكلمات البسيطة بالتوجه الى روحك الطاهرة وانت ترقد في نومك العميق والفراق الابدي، تعبيرا مني عن مشاعر الاسى والحزن على رحيلك وعربون الوفاء مني في وصف لحظات وايام لن انساها ابدا جمعتنا في بيتك، ادرك تماما ان فراقك قد ترك جرحا عميقا لدى زوجتك وولدك الذي كم كان سعادتك كبيرة عند قبوله من بين طلاب نمسا في تمثيل الشباب في البعثة للقضايا السياسية والاجتماعية.
وكم يكون الاثر عظيما على فلذة كبدك ابنتك التي تواجه المرض والقدر الالهي وكنت تقول لا استطيع الابتعاد عنها يوما نحن واياه نتقاسم القدر.
كما كنت عظيما في حنانك الابوي ، كم كنت انسانا بكل معاني الوصف والتقييم للانسانية
وفي الختام لا يسعني الا ان اتقدم الى:
-الاخت diya çeper.
والاخ.
çeper
-والاخوة جومرد وفيروساه وهزار وبشير ووجلبي وجميع اخوته
-الاخت روشن
-والى جميع عائلة حاجو واصدقاء الفقيد