تأثير إدارة المناطق الكردية في سوريا على الممارسة والفكر السياسي

موسى موسى

أثناء زيارة لي الى اقليم كردستان العراق عام 2007 تكونت لدي فكرة عن الوضع المعيشي والعمالة اليدوية والمهنية والوظيفية على أرض الواقع من خلال الملاحظة والاختلاط وطرح بعض الأسئلة بشكل عفوي دون أن أثير أية إشكالية للمتلقي، وبعد عودتي سألني بعض الأصدقاء عن واقع الاقليم فيما يخص الفساد الموجود رغم اني لم أتطرق الى تلك السيرة، فكان جوابي دائماً بالنسبة للفساد لإقليم مثل كردستان العراق ـ إن وجد ـ يجب مناقشته وإزالته ضمن خطط سنوية ممنهجة، لأن مهمة إدارة الاقليم ووكل في أغلبه الى البيشمركة وقادتها في حينه، حيث كانت تنقصهم إدارة إقليم بمنطق الدولة
 فحدوث الممارسات الخاطئة في الادارة أو الخلط بين السلطة والمسؤولية كان أمراً طبيعياً حينذاك، لكن التوسع الأفقي والعمودي للمؤسسات التعليمية بانتاجه الواسع لجيل إداري ومهني ووظيفي كفيل بإدارة المؤسسات دون أن تشوب ممارسات موظفيها ورؤسائها ومرؤوسيها أية شائبة ناهيك عن إزالة الاخطاء الوظيفية التي تحصل في أية دولة من دول العالم.

مناسبة هذه المقدمة ان الوضع المتأزم الذي يمر به سوريا في ظل ثورة الشعب السوري، وتخلخل قوات النظام في الكثير من المواقع والمناطق وانسحابها من بعضها لأسباب مختلفة منها ما كان تكتيكياً ومنها ما كان تحت ضربات الجيش الحر، ومنها ما كان لغاية تقوية قواته في مناطق أخرى ربما أكثر أهمية في المنطق السياسي والعسكري للنظام، وقد كان لقوات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) قوة وفاعلية الانتشار في المناطق الكردية من ديريك الى عفرين، سيطرة في توصيفها في منطق البعض وحماية للمناطق الكردية في منطق الحزب المعني، واستلاماً وتسليماً وفق البعض الآخر، ولكن مهما يكن من الأمر فان تشكيل قوة كردية وحماية المناطق الكردية كان قراراً صائباً والعمل به كان منقذاً لشعوب المنطقة من الهجمات البربرية كما حدث في مدينة سريه كانيه (رأس العين)، ان صوابية قرار تشكيل قوة عسكرية لحماية المناطق الكردية بالنسبة لي كان قناعة منذ الأشهر الأولى من ثورة الشعب السوري وقد عبرت عنها لبعض قادة اقليم كردستان العراق كتابياً في بداية شباط 2012 ضمن رؤية تخص المناطق الكردية.
ان الحديث عن حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) وقوات الحماية الشعبية (ي ب ك) وصوابية قرارهم في ذلك لا يعني البتة القفز وغض النظر عن ممارساتهم ـ بغض النظر عن توصيف تلك الممارسات ـ  نتيجة القناعة لدى بعض فئات الشعب السوري أو لدى بعض القوى السياسية الكردية  بأن حزب الاتحاد الديمقراطي هو المسؤول عن بعض عمليات الخطف والاغتيال التي طالت بعض النشطاء، ومهما يكن صوابية الزعم من عدمه فأن ممارسات حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات الحماية الشعبية لا تخرج من صفة الخشونة السياسية والميدانية في المناطق الكردية، فمن له المصلحة في تلك الخشونة؟؟؟ وهل ستستمر في ظل الثورة؟؟؟.
بغض النظر عن التنظير السياسي، فإن الواقع الميداني للمناطق الكردية تشير أو تتطلب الاشارة الى بعض الأمور الكفيلة في تسوية الكثير من الأمور التي يعتبرها بعض أبناء الشعب الكردي مأساوية جراء تصرفات الحزب ومؤسساته المذكورة رغم ان الصراع أو التهجم على حزب الاتحاد الديمقراطي هو سياسي بالدرجة الأولى، كون الحزب مازال بعيداً عن الادارة الحقيقية للدوائر والمؤسسات، وبرأيي أن الشهرين القادمين سيكون نقطة انعطاف بالضرورة لحزب الاتحاد الديمقراطي، فبدخول الحزب الى حالة الادارة الحقيقية للدوائر والمؤسسات يجب ان يكون بالاعتماد على كافة أبناء الطيف الاجتماعي والقومي وليس فقط على الموالين له، وهذا يستدعي التعامل مع الجميع بالتساوي وقبول الاعتماد أيضاً على المختلف سياسياً لأن ادارة منطقة من المناطق لا تختلف عن ادارة دولة.
ان الهدف الجامع للأحزاب في كل دول العالم هو الوصول الى السلطة، حتى وان كانت على الطريقة الميكيافيلية في بعض جوانبها فالغاية وإن تبرر للوسيلة في بعض الأحيان لكن لا يجب أن تكون بالعنجهية غير المقبولة ولا بالانقلابات الكاسحة والغاء الآخر وانهائه اعتماداً على منطق القوة وفوهة السلاح والأحذية العسكرية فالتاريخ يشهد سقوط أولئك الذين خطفوا السلطة بكل ما كان يملكونه من أسباب القوة، فالحزبين الكبيرين في كردستان العراق ـ الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني ـ رغم تحصينهم ولفترات طويلة في جبال كردستان والعزل الذي فرض عليهما النظام العراقي البائد عن الحياة المدنية والسياسية والادارية نراهم اليوم يديرون الاقليم بمنطق يفوق منطق أغلب دول المنطقة في المدنية والادارة والسياسة وحماية ورعاية مصالح المجتمع الكردستاني بأطيافه المختلفة قومياً ودينياً ومذهبياً وسياسياً وثقافياً كما ولهم البصمة البيضاء في سياسة العراق الداخلية والاقليمية والدولية، وقد أصبح ادارة إقليم كردستان العراق مقياساً ونموذجاً للكرد في سوريا فهل حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) وقوات الحماية الشعبية سيحتذون بتلك الادارة ويمنحون الشعب حرية النشاط السياسي والثقافي والاجتماعي؟ أم يتخذون منحىً آخر لا مصلحة لهم فيها ولا مصلحة لأبناء القوميات المختلفة في المناطق الكردية فيها؟؟؟
 فمن بيده السلطة يجب أن يكون خادماً للجميع وأن تتصف ممارساته بالديمقراطية في الادارة بأشكالها المختلفة مع الحسبان في ضرورة اشراك الجميع المختلف سياسياً فاما الادارة والحكم الرشيد واما ستكون الانتكاسة تلو الاخرى من نصيبه، وفي هذا الصدد لا بد من الاشارة الى بعض متطلبات المرحلة ومنها:
1 ـ من المعلوم ان مؤسسات الدولة لم تصبها فقط الشلل بل تعطلت بالكامل وان البقاء على تعطيلها، أو تفعيلها من جانب حزب الاتحاد الديمقراطي في المناطق الكردية يجب أن يكون موضوع الساعة ويعتبر نقطة انعطاف للحزب ومؤسساته في مأسسة وأدولة المنطقة على الأقل إدارياً بما فيه مصلحة شعوبها الكردية والعربية والسريان الأثوريين، فالموسم الزراعي قاب قوسين أو ادنى مما يتطلب توفير استثنائي للمحروقات اللازمة للحصاد وتشغيل الآليات الزراعية في فترة بين شهر وشهرين مما يتطلب جهداً استثنائياً وادارة فائقة التنظيم في العمل الاداري والمؤسساتي والمالي لمؤسسة الحبوب من تنظيم حركة النقل وشراء الحبوب وتفريغها وتسليم أثمانها، واتخاذ الاحتياطات اللازمة لحاجة الافران من الطحين.
2 ـ تنظيم دور المحالكم وتفعيل عمل القضاة دون غيرهم في الفصل في المنازعات التي تحصل بين المواطنين أو بين المواطنين والادارة، وتسهيل عمل القضاء والحفاظ على استقلاليته في التحقيق والحكم.
3 ـ تفعيل عمل الدوائر والمؤسسات وتأمين رواتب الموظفين والعاملين فيها بما يتلائم والحالة السورية.
4 ـ الاستعداد للعام الدراسي القادم ـ الذي يفصلنا عنه أشهر قليلة ـ من حيث توفير وتنظيم المناهج الدراسية وتنظيم عمل المعلمين والمدرسين وتفعيل الدوائر المتعلقة بسلك التربية.
5 ـ الاهتمام بالقطاع النفطي وتأمين الطاقة بأنواعها تلبية لحاجات المواطنين من ماء وكهرباء وغاز ومحروقات.
6 ـ  الاهتمام بدوائر الصحة العامة وتأمين مستلزماتها من أدوية والمحافظة على فاعلية الأجهزة الطبية وتأمين الكادر الطبي ومراقبته.

وتأمين حليب الأطفال ووسائل رعايتهم وحمايتهم.
ان حزب الاتحاد الديمقراطي استطاع ولعوامل مختلفة تخصه أن يمتلك القوة العسكرية في الوقت الذي اصبح فيه بقية القوى السياسية الكردية في حكم الميت لولا النسغ الموهوب من الرئيس البرزاني الذي حافظ على بقائهم جسداً بلا روح، هذه القوة العسكرية والعدد الهائل من المقاتلين الكرد ضمن تنظيم قوات الحماية الشعبية التي أخذت على عاتقها حماية المناطق الكردية لازالت تلاقي النقد والتهجم بوجه حق أو دونه لسببين تتلخصان باستفرادها بامتلاك القوة، وباقدامها على بعض عمليات الخطف والاغتيال أو التهديد بهما للابقاء على سيطرتها الأحادية على المناطق الكردية، ويمكن اعتبار هذا كله زعماً  سياسياً اذا لم يستند على الوثائق والأدلة التي تثبت ذلك، ومع ذلك يكون لحزب الاتحاد الديمقراطي وقوات الحماية الشعبية المسؤولية الاخلاقية عن فحوى ما يوجه اليهم كونهم القوة الوحيدة المسيطرة أو المتواجدة في المناطق الكردية وعليهم حماية أمن المواطن والمجتمع، واذا ما استمر فقدان الأمن الذي يطال بين حين وأخرى فرداً واحداً على الاقل فان المسؤولية الاخلاقية تطال قوات الحماية الشعبية مما ينعكس سلباً عليها نتيجة لازدياد الاستياء الشعبي وخاصة ان المنطقة يجب أن تكون قادمة على ادارة حقيقية وتفعيل المؤسسات والدوائر بمعنى أدولة المنطقة في غياب سلطة وطنية سورية،  فحزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) وقوات الحماية الشعبية منذ الآن بين خيارين لا ثالث لهما: إما العمل بمسؤولية كمسؤولية الدولة عن كافة أبناء الشعب، وإما الفشل في الادارة والسياسة والمسؤولية العامة، هذا الحزب القوي الذي ترك بصمة نضالية في أجزاء كردستان لا يريد أحد لها أن تكون ندبة في تاريخ نضال الحركة الوطنية الكردستانية.
17/05/2013

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…